شهد الأسبوعان الماضيان تعزيز الهند دبلوماسيتها الطبية، وذلك بإرسالها شحنات كبيرة من الأدوية إلى ما يزيد عن 100 دولة، لدعمها في التصدي لتفشي وباء فيروس «كوفيد- 19». وتبعاً لما أفاد به مسؤول هندي بالمجال الصحي، توفر الهند قرابة 100 مليون قرص «هيدروكسي كلوروكين»، وما يقترب من 500 مليون قرص «باراسيتامول» إلى 120 دولة.
وبدأ الأمر برمته عندما أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعقار «هيدروكسي كلوروكين» المستخدم عادة لعلاج الملاريا، باعتباره قادراً على تغيير مسار الوضع الراهن على صعيد جهود محاربة تفشي وباء «كوفيد- 19»، ومنذ ذلك الحين تقدمت جميع دول العالم تقريباً بطلب للحصول عليه. وتلبِّي الهند ما يتراوح بين 80 في المائة و85 في المائة من الطلب العالمي على هذا العقار، الذي أثارت دراسة حديثة بشأنه شكوكاً حول فاعليته في تخفيف أعراض «كورونا» المستجد.
وكان لافتاً تغيير الهند موقفها من رفض تصدير أقراص «هيدروكسي كلوروكين» إلى دول أخرى، كي تضمن توفر ما يكفي من هذا العقار لتغطية الطلب المحلي، عقب ضغوط أميركية. ففي الأسبوع الأول من أبريل (نيسان)، نقلت تقارير صحافية عن الرئيس دونالد ترمب قوله خلال مؤتمر صحافي، إن المخزونات العالمية من «هيدروكسي كلوروكين» محدودة، وإنه ضغط على رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للتعجيل بإرسال شحنات من العقار. وقال ترمب عندما استفسرت منه وسائل إعلام عن هذا الأمر: «إذا لم يسمح بتصدير هذا العقار فلا بأس في ذلك؛ لكن بطبيعة الحال ربما يكون هناك رد فعل، ما الذي يمنع ذلك؟».
وبالفعل، خفف رئيس الوزراء الهندي مودي من حدة موقفه، بعد اتصالات هاتفية مع كل من دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، بجانب قيادات عدد من الدول المجاورة ودول أخرى، مثل إسبانيا وأستراليا، من أجل إقناعه برفع الحظر المفروض على تصدير العقار.
وسرعان ما أعلنت وزارة الخارجية الهندية رفع الحظر، وقالت إنها ستجيز تصدير «هيدروكسي كلوروكين» و«باراسيتامول»، الذي جرى تقييده في مارس (آذار).
من جانبه، قال دامو رافي، المسؤول بوزارة الشؤون الخارجية، المعني بجهود التصدي لوباء «كوفيد- 19»: «تلقينا بالفعل كثيراً من طلبات الحصول على (هيدروكسي كلوروكين)، ونضع في عين الاعتبار المخزون والاحتياجات الداخلية، للحفاظ على مستوى كافٍ وآمن من العقار. واتخذ مجلس الوزراء قراراً بالسماح بتصدير فائض الدواء للخارج». وأوضح أن البلاد لديها ما يزيد بمقدار ثلاثة أضعاف عن الاحتياجات الداخلية من «هيدروكسي كلوروكين».
ويجري بالفعل حالياً تصدير شحنات من «هيدروكسي كلوروكين» و«الباراسيتامول» إلى دول مثل الولايات المتحدة وإسبانيا والبرازيل والبحرين وألمانيا والمملكة المتحدة، بما يتوافق مع عقود تجارية وقعتها هذه الدول مع شركات هندية في مجال الصناعات الدوائية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الهند تصدر «هيدروكسي كلوروكين» إلى حكومات أجنبية، وليس شركات خاصة، بالتوافق مع التزامها العالمي بالمعاونة في التصدي لوباء «كوفيد- 19».
- الاعتبارات الجيوسياسية وراء المساعدات الطبية
تحولت أقراص «هيدروكسي كلوروكين» و«الباراسيتامول» إلى عماد دبلوماسية نيودلهي المرتبطة بـ«كوفيد- 19»، واستفادت من تعرض الصين لانتقادات دولية بسبب سوء إدارتها لأزمة وباء «كورونا»، وافتقارها إلى الشفافية في التعامل معها. وعبَّرت واشنطن عن امتنانها إزاء الهند بعد تلقيها 35 مليون جرعة من «الهيدروكسي كلوروكين» ، إضافة إلى تسعة أطنان من المواد الخام اللازمة في تصنيع العقار.
من جهته، أبدى الرئيس البرازيلي بولسونارو تأثراً عاطفياً شديداً، لدرجة أنه ذكر الإله الهندوسي هانومان، في إطار توجيهه الشكر إلى الهند للصادرات الطبية التي وجهتها لبلاده. وفي رسالة أطلقها بالهندوسية، قال السفير البولندي لدى الهند، آدم بوراكوسكي: «نيابة عن بلادي، أقدم وافر الشكر للهند والأطباء الهنود على مجهودهم».
- دعم دول «الجوار الأوسع»
وليست هذه المرة الأولى التي تفعِّل فيها الهند دبلوماسيتها الطبية. فقد عززت صادراتها من العقاقير المضادة لمرض نقص المناعة إلى أفريقيا، عندما عصف وباء «الإيدز» بأكثر من 22.5 مليون شخص في القارة، سعياً لتعزيز صورتها كجهة إمداد لعقاقير فاعلة ومنخفضة التكلفة. وفي الوقت الذي بلغت فيه تكلفة العقاقير التي أنتجتها شركات غربية 10000 دولار للمريض الواحد، كانت تكلفة العقاقير الهندية نسبة بسيطة للغاية من هذه التكلفة، حيث بلغت 400 دولار للمريض الواحد في العام.
وانتهى الحال بالدول الأفريقية لعلاج 18 ضعف أعداد المرضى، مع إنفاق ملياري دولار فقط بدلاً من 150 مليار دولار. وتكمن قوة الهند في إنتاج أدوية شاملة، وتعتبر رائدة في هذه السوق.
جدير بالذكر أن حوالي 70 في المائة من الصناعة الدوائية الهندية تنتج أدوية شاملة، وبالتالي تبقي على تكلفة الإنتاج أقل بنسبة 60 في المائة من نظرائها الأميركيين والأوروبيين. وفي الوقت الذي تولي الحكومة الهندية أهمية كبرى للترويج لسياسة «الجوار أولاً» (بمعنى التركيز بصورة أساسية على جنوب آسيا)، فإنها تسعى في الوقت ذاته نحو تعزيز إجمالي التعاون مع دول «الجوار الأوسع».
وقال كانوال سيبال، وزير الخارجية الهندي السابق: «في بعض الجوانب، نجح هذا القرار في كسب نيات حسنة. والآن يدرك الناس أنه على النقيض من الصين، تقدم الهند تضحيات صادقة لإظهار تضامنها الدولي، وليس من أجل كسب المال».
وفي نقلها للشحنات، تعتمد الهند على طائرات شركة «الخطوط الجوية الهندية» وأخرى تابعة لسلاح الجو الهندي، لنقل المساعدات إلى جيرانها القريبين. أما الدول الأخرى، فيجري نقل الشحنات إليها باستخدام ناقلات تجارية. كما تنظم الهند تدريباً عبر شبكة الإنترنت للعاملين في مجال الرعاية الصحية في جنوب آسيا وعدد من الدول المجاورة، بخصوص استراتيجيات التعامل مع «كوفيد- 19» والجوانب المتعلقة بأزمة الوباء، حسبما أفاد مسؤولان معنيان. في هذا الصدد، قال السفير الهندي السابق لدى الولايات المتحدة، لاليت مانسينغ: «عندما تطلق دولة ما مناشدة للحصول على دواء في وقت كارثة كهذا، تصبح الإنسانية الأولوية الأولى في عملية صنع القرار. هنا، الأمر لا يتعلق بالحصول على استفادة من دولة في حالة أزمة، وإنما تصبح العاطفة الإنسانية هي الغالبة».