تراجع اعتماد تونس والدول المغاربية على فرنسا وأوروبا

الصين وروسيا والخليج وأفريقيا على الخط في «معركة البدائل»

تراجع اعتماد تونس والدول المغاربية على فرنسا وأوروبا
TT

تراجع اعتماد تونس والدول المغاربية على فرنسا وأوروبا

تراجع اعتماد تونس والدول المغاربية على فرنسا وأوروبا

تعاقبت رحلات الطائرات التونسية والجزائرية مع الصين مؤخراً، لنقل كميات هائلة من المساعدات الطبية والمشتريات لمكافحة جائحة «كوفيد - 19»، وتوفير المواد الخام لمصانع تونسية. وكشفت مؤسسة الإحصاء الحكومية في تونس (المعهد الوطني للإحصاء)، تراجع حصة الشركاء التقليديين، على رأسهم فرنسا والاتحاد الأوروبي في برامج «التعاون العسكري»، والمبادلات الاقتصادية الخارجية للبلاد، تجارة واستثماراً وسياحة، مقابل تضخم حصة دول الجوار في شمال أفريقيا و«القوى الصاعدة» دولياً، مثل الصين والهند وروسيا ودول شرق آسيا.
سُجل هذا التطور في مرحلة تعاقبت فيها دعوات سياسيين وخبراء في تونس والدول المغاربية إلى تنويع علاقات البلاد الخارجية، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، مواكبةً للمتغيرات الدولية، بينها تراجع حضور فرنسا والولايات المتحدة وغالبية دول الاتحاد الأوروبي في بعض دول جنوب المتوسط، وانفتاح أغلب الدول العربية والإسلامية على مجموعة «بريكس» وعلى الأسواق الأفريقية، خصوصاً مجموعة «كوميسا» لبلدان شرق وجنوب القارة السمراء.

توحي غالبية المؤشرات أن من بين نتائج تفشي جائحة «كوفيد - 19»، عالمياً، تعمق الهوة بين تونس والعواصم المغاربية، من جهة، وشركائها التقليديين في أوروبا والولايات المتحدة من جهة ثانية. وفي المقابل، تزايد الترحيب داخل النخب السياسية بالشراكة مع الصين وغيرها من الدول التي قدمت لها دعماً طبياً ولوجستياً ومادياً، بينما أغلقت الدول الأوروبية الباب، وانشغلت بأوضاعها الكارثية الداخلية.

السيناريوهات المطروحة
70 وزيراً سابقاً للاقتصاد والمالية أو خبيراً دولياً مستقلاً، يتقدمهم وزير الاقتصاد والمالية السابق والخبير لدى البنك الأفريقي للتنمية حكيم بن حمودة، أطلقوا أخيراً مبادرة «اقتصاديون من أجل تونس»، قدموا فيها قراءة لمضاعفات المتغيرات الاقتصادية والسياسية الإقليمية والدولية الجديدة على تونس، وأكدوا على حاجة تونس وجيرانها المغاربيين لسياسات جديدة في كل المجالات، بما في ذلك تنويع الشركاء الدوليين.
أيضاً صدرت عن عدد من صناع القرار الاقتصادي والسياسي في تونس تصريحات جديدة تجمع على كون مرحلة ما بعد الجائحة تختلف عن المرحلة السابقة والحالية في العلاقات الدولية، بعد 65 سنة من تبني السلطات «سياسة خارجية تقليدية»، على حد تعبير وزير الخارجية السابق أحمد ونيس.
من جهته، اعتبر محسن حسن، وزير التجارة السابق والخبير الاقتصادي الدولي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن مرحلة اعتماد تونس والدول المغاربية على فرنسا والدول الأوربية بنسبة تحوم حول 75 في المائة من علاقاتها الخارجية توريداً وتصديراً وسياحة واستثماراً ولت إلى غير رجعة.
ووفق دراسة أعدها رضا الشكندالي، المدير العام لمركز الدراسات الاقتصادية والاجتماعية (سيريس) سابقاً، ستفرض الجائحة مسار الانفتاح أكثر على الأسواق «البديلة»، بما فيها الصين والهند وروسيا والدول العربية والآسيوية، بل وخصوصاً الأسواق الأفريقية، التي تحقق نسب نمو تفوق الـ10 في المائة، بينما أصبحت نسب النمو في أوروبا ضعيفة جداً أو سلبية. واستدل الشكندالي بالمحادثات الهاتفية التي أجراها أخيراً الرئيس التونسي قيس سعيد، ورئيس الحكومة إلياس فخفاخ، بعدد من زعماء الدول الآسيوية والعربية والأفريقية، وتنويههم بالمساعدات الصحية الصينية التي وصلت إلى تونس والجزائر وعدة دول أفريقية للحد من أضرار «كوفيد - 19».
أما أحمد كرم، رئيس المنظمة التونسية للبنوك والمؤسسات المالية ونائب محافظ البنك المركزي سابقاً، فرأى أن «هذه التطورات لم تأت من فراغ، لكنها تدعم مساراً بدأ منذ 1983 بين الصين وتونس ودول شمال أفريقيا، وتطور في التسعينات من القرن الماضي». وكانت حصيلة هذا المسار أن تطورت منذ أكثر من 15 سنة المبادلات السياحية والتجارية بنسق سريع جداً، على حساب العلاقات التاريخية مع فرنسا والاتحاد الأوروبي. وأصبحت ثلاثة أرباع الواردات من الصين و«القوى الصاعدة» في قطاعات عديدة، بينها المواد الأولية والملابس والجلود والأحذية، ومكوّنات الصناعات التصديرية، ومكوّنات الصناعات الميكانيكية، والأدوية والتجهيزات الطبية.

نعم... ولكن
في الاتجاه نفسه، توقع الصادق جبنون، الخبير الاقتصادي والناطق الرسمي باسم حزب «قلب تونس» (ليبرالي) أن يتأكد هذا المسار بعد «كوفيد - 19»، خصوصاً إذا أقدمت الصين و«القوى الصاعدة» على رفع قيمة استثماراتها في تونس والبلدان المغاربية والأفريقية، ولم تقصر اهتمامها بتصدير بضائعها إليها بأسعار منخفضة على غرار ما فعلت مع أغلب دول أفريقيا. لكن عياض اللومي، رئيس اللجنة المالية في البرلمان التونسي، سجل في المقابل، أن فرنسا والدول الأوروبية تتميز عن الصين وتركيا و«الشركاء الجدد» بالمزايا الجبائية والجمركية التي توفرها اتفاقيات الشراكة والمنطقة الحرة الأوروبية المتوسطية، بينها «معاهدة برشلونة 1995».
للعلم، يستفيد الحضور الأوروبي في تونس وبقية دول جنوب المتوسط من القرب الجغرافي واللغوي والثقافي والسياسي بين ضفتي البحر المتوسط، ومن إعفاءات تسند إلى المؤسسات الوطنية التصديرية. كذلك تستفيد مؤسسات آسيوية ودولية من حرص المستثمرين الأوروبيين على «إعادة الانتشار» الذي يؤدي إلى توظيف مزايا المنطقة الحرة الأورومتوسطية، والفارق في تكاليف الإنتاج مقابل تصدير كل المنتوج إلى أوروبا والأسواق العالمية، مع إعفاء من الضرائب. وإذا كان الميزان التجاري الخارجي يشكو الآن عجزاً لفائدة الصين وتركيا بنسبة تتراوح بين 70 و85 في المائة، فإن صادرات بلدان مثل تونس والمغرب والجزائر وليبيا إلى أوروبا تفوق بكثير وارداتها، حسب الخبير ورجل الأعمال جمال الدين عويديدي. وهذا المعطى، حسب رئيس البرلمان التونسي السابق عبد الفتاح مورو، قد يعطل مؤقتاً «الزحف الصيني التركي الآسيوي» على تونس وبلدان شمال أفريقيا.

اعتراضات وشكوك ومخاوف
على أي حال، فإن بعض السياسيين والخبراء الاقتصاديين الذين يرجحون الانفتاح أكثر على الأسواق الأفريقية والآسيوية والصين و«القوى الصاعدة»، منهم الأكاديمية جنات بن عبد الله، يشككون في صدقية الإحصائيات الحالية عن حجم الصادرات التونسية والمغاربية نحو أوروبا، ويصفونها بـ«المغلوطة والمزيفة». ويعتبر هؤلاء الخبراء أن الأمر يتعلق بشركات مشتركة أوروبية - تونسية، أو تونسية - عربية، معظم رأسمالها أوروبي، وتستفيد من الإعفاءات الجبائية والجمركية التي تمنح للشركات المحلية، وتصدر بضاعتها، ثم تحتفظ بمرابيحها في البنوك الأوروبية. والسبب أن القوانين لا تجبرها على إرجاع تلك المرابيح، شأنها شأن كثير من «مداخيل شركات تصدير الخدمات والمؤسسات السياحية».
ويذهب سفير تونس السابق إلى إندونيسيا محمود بالسرور، إلى حد اتهام «الشركات التصديرية التونسية الأوروبية (بتبييض أموالها) في شمال أفريقيا، ثم تهريب مرابيحها بطرق (قانونية)»، وبتزييف الإحصائيات الرسمية عبر الخلط بين صادرات المؤسسات الوطنية التي تعيد مرابيحها إلى البلاد والعمليات التجارية للمؤسسات الأجنبية التي يكون لديها شركاء محليون.
في هذا المناخ العام من الأخذ والرد، أعرب رئيس الحكومة التونسية الأسبق علي العريّض، عن مخاوف من المضاعفات الاقتصادية لأزمة «كوفيد - 19» بالنسبة لتونس ودول شمال أفريقيا. وتوقع انهيار عدد السياح الأوروبيين الذين كان من المتوقع أن يزوروا تونس في الموسمين الحالي والمقبل. كان وزير السياحة التونسي السابق روني الطرابلسي، قد أورد في مؤتمر صحافي، أخيراً، أن حوالي ربع الـ10 ملايين سائح الذين زاروا تونس عام 2019 كانوا من بين المهاجرين التونسيين في الدول الأوروبية. وأوضح أيضاً أن أكثر من نصف زوار تونس الأجانب في الموسم الماضي، أي حوالي 5 ملايين سائح، كانوا جزائريين وليبيين ومن المغرب الأقصى وموريتانيا. ومعلوم أنه يعتمد كثيرون من السياح المغاربيين على العملات الأجنبية التي يوفرها أبناؤهم المهاجرون في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا وبلجيكا. وهذا يعني أن «الأزمة الاجتماعية الاقتصادية في أوروبا ستؤثر سلباً على تونس على كل المستويات»، وفق وزير السياحة والصناعات التقليدية الجديد محمد علي التومي.

أوروبا تنقسم إلى 3 مجموعات
لكن هذه المعطيات، وغيرها، تبرر في نظر عدد من السياسيين والخبراء، بينهم وزير التجارة السابق محسن حسن، دعوة الحكومة الجديدة إلى القيام بخطوات سياسية اقتصادية جريئة تبرهن عن استيعاب المتغيرات في السياسة الدولية، خلال السنوات القليلة الماضية، خصوصاً منذ انتشار الجائحة الحالية. وتوقع حسن أن تطوى مرحلة «الاتحاد الأوروبي الكبير» بعد خروج بريطانيا، وبروز 3 كيانات جديدة داخل «القارة العجوز»، هي: أوروبا الشمالية أو الإسكندينافية، وأوروبا الغربية القديمة (من دون بريطانيا)، وأوروبا الجنوبية المطلة على البحر المتوسط، وفيها إيطاليا وإسبانيا واليونان وفرنسا. وهذه الأخيرة هي البلدان المعنية بـ«طريق الحرير» الجديدة مع الصين والأسواق الآسيوية، وهي مرشحة أكثر للاقتراب من دول جنوب البحر الأبيض المتوسط الـ12 من البلدان المغاربية إلى مصر والأردن ولبنان وتركيا.
من جانبه، طالب المؤرخ والمفكر عبد الجليل التميمي، مدير مؤسسة الأبحاث الجامعية والدراسات، قادة شمال أفريقيا وجنوب أوروبا، بمزايا تفعيل «الفضاءات الجهوية الصغيرة»، مثل «كوميسا» و«تجمع بلدان الحوض الغربي للبحر المتوسط 5 + 5»، الذي يضم الدول المغاربية زائد إيطاليا ومالطة والبرتغال وإسبانيا وفرنسا عوض الرهان على «التكتلات الكبرى»، مثل «مسار برشلونة» الذي يضم 27 دولة أوروبية و12 دولة من جنوب المتوسط.
غير أن عبد الفتاح مورو، يعتبر أن ألمانيا يمكن أن تكون بديلاً عن بعض شركاء تونس الاقتصاديين البارزين في أوروبا وخارجها. وتوقع مورو أن تبتعد برلين تدريجياً عن بعض حلفائها في أوروبا والعالم، وأن تقترب أكثر من روسيا ومن شرق أوروبا وآسيا ودول جنوب البحر الأبيض المتوسط، خصوصاً تونس والدول المغاربية ومصر. كما رأى أن ألمانيا معنية بعلاقات أكثر تطوراً مع تونس وشمال أفريقيا في مجال الهجرة، لأنها ستحتاج انطلاقاً من عام 2030 إلى ملايين الشباب المهاجرين من ذوي الخبرات، بينهم مئات الآلاف من خريجي الجامعات والأطباء والممرضين والتقنيين والمهندسين والمربّين.

الإرادة السياسية
أيضاً توقع مورو أن تتلقى تونس ودول جنوب المتوسط، بعد الجائحة الحالية، عروضاً جديدة في اتجاه تنويع شركائها الدوليين، بعد تراجع دور الاتحاد الأوروبي التقليدي، واتضاح حدود مسارات التنمية غير المتوازنة بين بلدان «الشمال» و«الجنوب» التي تعمقت منذ ربع قرن، أي منذ انطلاق «مسار برشلونة» واتفاقية المنظمة العالمية للتجارة لعام 1995.
إذن، «معركة البدائل» انطلقت، لكنها قد تتعثر لمدة سنة أو اثنتين، خصوصاً، بالنسبة لبلدان صغيرة مثل تونس، لديها التزامات بتسديد قروض قديمة للمؤسسات المالية الأوروبية والدولية، وتستعد منذ مدة لتنظيم مؤتمرات عالمية يؤمل بأن تعود عليها بمنافع كثيرة، من بينها «قمة الدول الفرانكوفونية» المقررة في وقت لاحق من العام الحالي.

مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية «تيكاد 8»

> أعلنت تونس رسمياً أنها ستحتضن قمة رؤساء منظمة طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية «تيكاد 8» (TICAD 8)، وأيضاً مقرّ مركز التميز الأفريقي للأسواق الشاملة (AIMEC)، وذلك خلال عام 2022. وأوضحت وزارة الخارجية التونسية أن هذه القمة الاقتصادية السياسية الدولية ستكون «أكبر اجتماع دولي تحتضنه تونس منذ استقلالها عن فرنسا في 1956»، ومن المقرر أن يشارك فيها حوالي 50 رئيس دولة وحكومة أفريقية، بالإضافة إلى رئيس الوزراء الياباني وأعضاء حكومته وعدد كبير من رؤساء العالم ومنظمات دولية وأكثر من 11 ألف مشارك من مؤسسات يابانية وأفريقية من القطاعين العام والخاص وخبراء وأكاديميين وممثلي عن المؤسسات المالية الدولية.
وتعتبر قمة منظمة طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية (تيكاد) مبادرة حكومية من اليابان حول التنمية الأفريقية، وكانت قد أطلقت لأول مرة في سنة 1993. وتضم القمة خمسة أطراف رئيسية يطلق عليها مسمى «المنظمون المشاركون»، وهم الحكومة اليابانية، ومفوضية الاتحاد الأفريقي، ومكتب المستشار الخاص لشؤون أفريقيا التابع للأمم المتحدة، وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية والبنك الدولي.
وتسعى «التيكاد» إلى تعزيز الحوار السياسي بين أفريقيا وشركائها، وحشد الدعم لصالح مبادرات التنمية الأفريقية. وتتمحور أشغال القمة والاجتماعات الجانبية التي تلتئم على هامشها حول تطوير الشراكة مع الدول الأفريقية في ظل التحولات الاقتصادية وتحسين بيئة الأعمال، من خلال تشجيع الاستثمارات الخاصة والابتكار، وتعزيز الأمن والاستقرار والسلام. وتجدر الإشارة إلى أن اليابان استضافت مؤتمرات «تيكاد» الستة الماضية، وستكون تونس ثاني دولة أفريقية تحتضن هذا الحدث الدولي الكبير خارج اليابان بعد مؤتمر نيروبي بكينيا سنة 2016.

تونس عضو في السوق المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا

> وقعت تونس رسمياً على وثيقة انضمامها إلى منظمة «كوميسا» لدول شرق وجنوب أفريقيا خلال القمة التي عقدها رؤساء هذه الدول في مدينة لوساكا، عاصمة جمهورية زامبيا خلال الصيف الماضي. وبذا أصبحت تونس العضو العشرين في هذه المنظمة الإقليمية الاقتصادية الأفريقية، وبدأت تفعيل هذا الاتفاق واستقبلت وفوداً من الأمانة العامة للمنظمة في سياق بحثها عن «بدائل» للشركاء التقليديين.
هذا، وأوردت الأمينة العامة لمنظمة «الكوميسا» شيليشي كيبوابوي (Chileshe Kepwepwe)، خلال زيارة أدتها إلى تونس أن انضمام تونس إلى تركيبتها «سيعطى الفرصة أمام مجتمع الأعمال والمال في تونس والدول الشمال أفريقية لفتح أسواق جديدة والتعرف على الشركاء المحتملين من بلدان (الكوميسا)، وتجسيم الفرص الاستثمارية والمميزات التنافسية التي تتمتع بها دول المجموعة، وما يمكن أن تقدمه لبعضها البعض وإلى باقي دول العالم».
كذلك، أكدت الأمينة العامة أن دول تجمع شرق وجنوب أفريقيا تعد في طليعة الدول المشاركة في مبادرات التكامل الاقتصادي والسياسي والثقافي في القارة الأفريقية، بما في ذلك دورها الريادي في اتفاقية التجارة الحرة الثلاثية الأطراف. وهو ما سيساعد البلدان الأفريقية على جني ثمار فتح مزيد من الأسواق، واستغلال الموارد المتاحة، ورفع القدرة التنافسية، والحد من الاعتماد على الشرکاء التجاریین التقلیدیین.
ونبهت كيبوابوي إلى أن القارة الأفريقية تمر بمرحلة تنموية تستوجب تطوير التعاون والتكامل بين بلدانها على مستوى الحكومات فيما بينها، ومع القطاع الخاص الأفريقي والدولي من جهة أخرى.
من ناحية أخرى، اعتبرت الرئاسة التونسية، بمناسبة تفعيل انضمام تونس إلى هذا الفضاء الاقتصادي الإقليمي والدولي، هذه الخطوة «فرصة بالنسبة للقطاعين العام والخاص وأصحاب المؤسسات الصناعية والمالية التونسية الشمال أفريقية، وستستفيد تونس من فرص الانفتاح الاقتصادي على بلدان القارة السمراء، حيث فرص النمو كبيرة جداً خلافاً لغالبية دول العالم. كذلك توقع وزير الخارجية التونسية أن يؤدي انضمام تونس إلى منظمة سوق شرق وجنوب أفريقيا إلى تمكن المستثمرين ورجال الأعمال التونسيين والعرب من بناء شراكات مع نظرائهم ببقية الدول الأعضاء في هذا التجمع الاقتصادي المهم». ووصف هذا التجمع بأنه يعد «سوقاً واعدة لعديد المنتجات وللمؤسسات العاملة في مجالات مثل البنية التحتية وتكنولوجيات المعلومات والاتصال، وأيضاً التعليم والتدريب المهني والتعليم العالي والصحة والصناعات الغذائية والهندسة والمحاسبة والتمويل وغيرها من المجالات».


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.