تراجع اعتماد تونس والدول المغاربية على فرنسا وأوروبا

الصين وروسيا والخليج وأفريقيا على الخط في «معركة البدائل»

تراجع اعتماد تونس والدول المغاربية على فرنسا وأوروبا
TT

تراجع اعتماد تونس والدول المغاربية على فرنسا وأوروبا

تراجع اعتماد تونس والدول المغاربية على فرنسا وأوروبا

تعاقبت رحلات الطائرات التونسية والجزائرية مع الصين مؤخراً، لنقل كميات هائلة من المساعدات الطبية والمشتريات لمكافحة جائحة «كوفيد - 19»، وتوفير المواد الخام لمصانع تونسية. وكشفت مؤسسة الإحصاء الحكومية في تونس (المعهد الوطني للإحصاء)، تراجع حصة الشركاء التقليديين، على رأسهم فرنسا والاتحاد الأوروبي في برامج «التعاون العسكري»، والمبادلات الاقتصادية الخارجية للبلاد، تجارة واستثماراً وسياحة، مقابل تضخم حصة دول الجوار في شمال أفريقيا و«القوى الصاعدة» دولياً، مثل الصين والهند وروسيا ودول شرق آسيا.
سُجل هذا التطور في مرحلة تعاقبت فيها دعوات سياسيين وخبراء في تونس والدول المغاربية إلى تنويع علاقات البلاد الخارجية، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، مواكبةً للمتغيرات الدولية، بينها تراجع حضور فرنسا والولايات المتحدة وغالبية دول الاتحاد الأوروبي في بعض دول جنوب المتوسط، وانفتاح أغلب الدول العربية والإسلامية على مجموعة «بريكس» وعلى الأسواق الأفريقية، خصوصاً مجموعة «كوميسا» لبلدان شرق وجنوب القارة السمراء.

توحي غالبية المؤشرات أن من بين نتائج تفشي جائحة «كوفيد - 19»، عالمياً، تعمق الهوة بين تونس والعواصم المغاربية، من جهة، وشركائها التقليديين في أوروبا والولايات المتحدة من جهة ثانية. وفي المقابل، تزايد الترحيب داخل النخب السياسية بالشراكة مع الصين وغيرها من الدول التي قدمت لها دعماً طبياً ولوجستياً ومادياً، بينما أغلقت الدول الأوروبية الباب، وانشغلت بأوضاعها الكارثية الداخلية.

السيناريوهات المطروحة
70 وزيراً سابقاً للاقتصاد والمالية أو خبيراً دولياً مستقلاً، يتقدمهم وزير الاقتصاد والمالية السابق والخبير لدى البنك الأفريقي للتنمية حكيم بن حمودة، أطلقوا أخيراً مبادرة «اقتصاديون من أجل تونس»، قدموا فيها قراءة لمضاعفات المتغيرات الاقتصادية والسياسية الإقليمية والدولية الجديدة على تونس، وأكدوا على حاجة تونس وجيرانها المغاربيين لسياسات جديدة في كل المجالات، بما في ذلك تنويع الشركاء الدوليين.
أيضاً صدرت عن عدد من صناع القرار الاقتصادي والسياسي في تونس تصريحات جديدة تجمع على كون مرحلة ما بعد الجائحة تختلف عن المرحلة السابقة والحالية في العلاقات الدولية، بعد 65 سنة من تبني السلطات «سياسة خارجية تقليدية»، على حد تعبير وزير الخارجية السابق أحمد ونيس.
من جهته، اعتبر محسن حسن، وزير التجارة السابق والخبير الاقتصادي الدولي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن مرحلة اعتماد تونس والدول المغاربية على فرنسا والدول الأوربية بنسبة تحوم حول 75 في المائة من علاقاتها الخارجية توريداً وتصديراً وسياحة واستثماراً ولت إلى غير رجعة.
ووفق دراسة أعدها رضا الشكندالي، المدير العام لمركز الدراسات الاقتصادية والاجتماعية (سيريس) سابقاً، ستفرض الجائحة مسار الانفتاح أكثر على الأسواق «البديلة»، بما فيها الصين والهند وروسيا والدول العربية والآسيوية، بل وخصوصاً الأسواق الأفريقية، التي تحقق نسب نمو تفوق الـ10 في المائة، بينما أصبحت نسب النمو في أوروبا ضعيفة جداً أو سلبية. واستدل الشكندالي بالمحادثات الهاتفية التي أجراها أخيراً الرئيس التونسي قيس سعيد، ورئيس الحكومة إلياس فخفاخ، بعدد من زعماء الدول الآسيوية والعربية والأفريقية، وتنويههم بالمساعدات الصحية الصينية التي وصلت إلى تونس والجزائر وعدة دول أفريقية للحد من أضرار «كوفيد - 19».
أما أحمد كرم، رئيس المنظمة التونسية للبنوك والمؤسسات المالية ونائب محافظ البنك المركزي سابقاً، فرأى أن «هذه التطورات لم تأت من فراغ، لكنها تدعم مساراً بدأ منذ 1983 بين الصين وتونس ودول شمال أفريقيا، وتطور في التسعينات من القرن الماضي». وكانت حصيلة هذا المسار أن تطورت منذ أكثر من 15 سنة المبادلات السياحية والتجارية بنسق سريع جداً، على حساب العلاقات التاريخية مع فرنسا والاتحاد الأوروبي. وأصبحت ثلاثة أرباع الواردات من الصين و«القوى الصاعدة» في قطاعات عديدة، بينها المواد الأولية والملابس والجلود والأحذية، ومكوّنات الصناعات التصديرية، ومكوّنات الصناعات الميكانيكية، والأدوية والتجهيزات الطبية.

نعم... ولكن
في الاتجاه نفسه، توقع الصادق جبنون، الخبير الاقتصادي والناطق الرسمي باسم حزب «قلب تونس» (ليبرالي) أن يتأكد هذا المسار بعد «كوفيد - 19»، خصوصاً إذا أقدمت الصين و«القوى الصاعدة» على رفع قيمة استثماراتها في تونس والبلدان المغاربية والأفريقية، ولم تقصر اهتمامها بتصدير بضائعها إليها بأسعار منخفضة على غرار ما فعلت مع أغلب دول أفريقيا. لكن عياض اللومي، رئيس اللجنة المالية في البرلمان التونسي، سجل في المقابل، أن فرنسا والدول الأوروبية تتميز عن الصين وتركيا و«الشركاء الجدد» بالمزايا الجبائية والجمركية التي توفرها اتفاقيات الشراكة والمنطقة الحرة الأوروبية المتوسطية، بينها «معاهدة برشلونة 1995».
للعلم، يستفيد الحضور الأوروبي في تونس وبقية دول جنوب المتوسط من القرب الجغرافي واللغوي والثقافي والسياسي بين ضفتي البحر المتوسط، ومن إعفاءات تسند إلى المؤسسات الوطنية التصديرية. كذلك تستفيد مؤسسات آسيوية ودولية من حرص المستثمرين الأوروبيين على «إعادة الانتشار» الذي يؤدي إلى توظيف مزايا المنطقة الحرة الأورومتوسطية، والفارق في تكاليف الإنتاج مقابل تصدير كل المنتوج إلى أوروبا والأسواق العالمية، مع إعفاء من الضرائب. وإذا كان الميزان التجاري الخارجي يشكو الآن عجزاً لفائدة الصين وتركيا بنسبة تتراوح بين 70 و85 في المائة، فإن صادرات بلدان مثل تونس والمغرب والجزائر وليبيا إلى أوروبا تفوق بكثير وارداتها، حسب الخبير ورجل الأعمال جمال الدين عويديدي. وهذا المعطى، حسب رئيس البرلمان التونسي السابق عبد الفتاح مورو، قد يعطل مؤقتاً «الزحف الصيني التركي الآسيوي» على تونس وبلدان شمال أفريقيا.

اعتراضات وشكوك ومخاوف
على أي حال، فإن بعض السياسيين والخبراء الاقتصاديين الذين يرجحون الانفتاح أكثر على الأسواق الأفريقية والآسيوية والصين و«القوى الصاعدة»، منهم الأكاديمية جنات بن عبد الله، يشككون في صدقية الإحصائيات الحالية عن حجم الصادرات التونسية والمغاربية نحو أوروبا، ويصفونها بـ«المغلوطة والمزيفة». ويعتبر هؤلاء الخبراء أن الأمر يتعلق بشركات مشتركة أوروبية - تونسية، أو تونسية - عربية، معظم رأسمالها أوروبي، وتستفيد من الإعفاءات الجبائية والجمركية التي تمنح للشركات المحلية، وتصدر بضاعتها، ثم تحتفظ بمرابيحها في البنوك الأوروبية. والسبب أن القوانين لا تجبرها على إرجاع تلك المرابيح، شأنها شأن كثير من «مداخيل شركات تصدير الخدمات والمؤسسات السياحية».
ويذهب سفير تونس السابق إلى إندونيسيا محمود بالسرور، إلى حد اتهام «الشركات التصديرية التونسية الأوروبية (بتبييض أموالها) في شمال أفريقيا، ثم تهريب مرابيحها بطرق (قانونية)»، وبتزييف الإحصائيات الرسمية عبر الخلط بين صادرات المؤسسات الوطنية التي تعيد مرابيحها إلى البلاد والعمليات التجارية للمؤسسات الأجنبية التي يكون لديها شركاء محليون.
في هذا المناخ العام من الأخذ والرد، أعرب رئيس الحكومة التونسية الأسبق علي العريّض، عن مخاوف من المضاعفات الاقتصادية لأزمة «كوفيد - 19» بالنسبة لتونس ودول شمال أفريقيا. وتوقع انهيار عدد السياح الأوروبيين الذين كان من المتوقع أن يزوروا تونس في الموسمين الحالي والمقبل. كان وزير السياحة التونسي السابق روني الطرابلسي، قد أورد في مؤتمر صحافي، أخيراً، أن حوالي ربع الـ10 ملايين سائح الذين زاروا تونس عام 2019 كانوا من بين المهاجرين التونسيين في الدول الأوروبية. وأوضح أيضاً أن أكثر من نصف زوار تونس الأجانب في الموسم الماضي، أي حوالي 5 ملايين سائح، كانوا جزائريين وليبيين ومن المغرب الأقصى وموريتانيا. ومعلوم أنه يعتمد كثيرون من السياح المغاربيين على العملات الأجنبية التي يوفرها أبناؤهم المهاجرون في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا وبلجيكا. وهذا يعني أن «الأزمة الاجتماعية الاقتصادية في أوروبا ستؤثر سلباً على تونس على كل المستويات»، وفق وزير السياحة والصناعات التقليدية الجديد محمد علي التومي.

أوروبا تنقسم إلى 3 مجموعات
لكن هذه المعطيات، وغيرها، تبرر في نظر عدد من السياسيين والخبراء، بينهم وزير التجارة السابق محسن حسن، دعوة الحكومة الجديدة إلى القيام بخطوات سياسية اقتصادية جريئة تبرهن عن استيعاب المتغيرات في السياسة الدولية، خلال السنوات القليلة الماضية، خصوصاً منذ انتشار الجائحة الحالية. وتوقع حسن أن تطوى مرحلة «الاتحاد الأوروبي الكبير» بعد خروج بريطانيا، وبروز 3 كيانات جديدة داخل «القارة العجوز»، هي: أوروبا الشمالية أو الإسكندينافية، وأوروبا الغربية القديمة (من دون بريطانيا)، وأوروبا الجنوبية المطلة على البحر المتوسط، وفيها إيطاليا وإسبانيا واليونان وفرنسا. وهذه الأخيرة هي البلدان المعنية بـ«طريق الحرير» الجديدة مع الصين والأسواق الآسيوية، وهي مرشحة أكثر للاقتراب من دول جنوب البحر الأبيض المتوسط الـ12 من البلدان المغاربية إلى مصر والأردن ولبنان وتركيا.
من جانبه، طالب المؤرخ والمفكر عبد الجليل التميمي، مدير مؤسسة الأبحاث الجامعية والدراسات، قادة شمال أفريقيا وجنوب أوروبا، بمزايا تفعيل «الفضاءات الجهوية الصغيرة»، مثل «كوميسا» و«تجمع بلدان الحوض الغربي للبحر المتوسط 5 + 5»، الذي يضم الدول المغاربية زائد إيطاليا ومالطة والبرتغال وإسبانيا وفرنسا عوض الرهان على «التكتلات الكبرى»، مثل «مسار برشلونة» الذي يضم 27 دولة أوروبية و12 دولة من جنوب المتوسط.
غير أن عبد الفتاح مورو، يعتبر أن ألمانيا يمكن أن تكون بديلاً عن بعض شركاء تونس الاقتصاديين البارزين في أوروبا وخارجها. وتوقع مورو أن تبتعد برلين تدريجياً عن بعض حلفائها في أوروبا والعالم، وأن تقترب أكثر من روسيا ومن شرق أوروبا وآسيا ودول جنوب البحر الأبيض المتوسط، خصوصاً تونس والدول المغاربية ومصر. كما رأى أن ألمانيا معنية بعلاقات أكثر تطوراً مع تونس وشمال أفريقيا في مجال الهجرة، لأنها ستحتاج انطلاقاً من عام 2030 إلى ملايين الشباب المهاجرين من ذوي الخبرات، بينهم مئات الآلاف من خريجي الجامعات والأطباء والممرضين والتقنيين والمهندسين والمربّين.

الإرادة السياسية
أيضاً توقع مورو أن تتلقى تونس ودول جنوب المتوسط، بعد الجائحة الحالية، عروضاً جديدة في اتجاه تنويع شركائها الدوليين، بعد تراجع دور الاتحاد الأوروبي التقليدي، واتضاح حدود مسارات التنمية غير المتوازنة بين بلدان «الشمال» و«الجنوب» التي تعمقت منذ ربع قرن، أي منذ انطلاق «مسار برشلونة» واتفاقية المنظمة العالمية للتجارة لعام 1995.
إذن، «معركة البدائل» انطلقت، لكنها قد تتعثر لمدة سنة أو اثنتين، خصوصاً، بالنسبة لبلدان صغيرة مثل تونس، لديها التزامات بتسديد قروض قديمة للمؤسسات المالية الأوروبية والدولية، وتستعد منذ مدة لتنظيم مؤتمرات عالمية يؤمل بأن تعود عليها بمنافع كثيرة، من بينها «قمة الدول الفرانكوفونية» المقررة في وقت لاحق من العام الحالي.

مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية «تيكاد 8»

> أعلنت تونس رسمياً أنها ستحتضن قمة رؤساء منظمة طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية «تيكاد 8» (TICAD 8)، وأيضاً مقرّ مركز التميز الأفريقي للأسواق الشاملة (AIMEC)، وذلك خلال عام 2022. وأوضحت وزارة الخارجية التونسية أن هذه القمة الاقتصادية السياسية الدولية ستكون «أكبر اجتماع دولي تحتضنه تونس منذ استقلالها عن فرنسا في 1956»، ومن المقرر أن يشارك فيها حوالي 50 رئيس دولة وحكومة أفريقية، بالإضافة إلى رئيس الوزراء الياباني وأعضاء حكومته وعدد كبير من رؤساء العالم ومنظمات دولية وأكثر من 11 ألف مشارك من مؤسسات يابانية وأفريقية من القطاعين العام والخاص وخبراء وأكاديميين وممثلي عن المؤسسات المالية الدولية.
وتعتبر قمة منظمة طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية (تيكاد) مبادرة حكومية من اليابان حول التنمية الأفريقية، وكانت قد أطلقت لأول مرة في سنة 1993. وتضم القمة خمسة أطراف رئيسية يطلق عليها مسمى «المنظمون المشاركون»، وهم الحكومة اليابانية، ومفوضية الاتحاد الأفريقي، ومكتب المستشار الخاص لشؤون أفريقيا التابع للأمم المتحدة، وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية والبنك الدولي.
وتسعى «التيكاد» إلى تعزيز الحوار السياسي بين أفريقيا وشركائها، وحشد الدعم لصالح مبادرات التنمية الأفريقية. وتتمحور أشغال القمة والاجتماعات الجانبية التي تلتئم على هامشها حول تطوير الشراكة مع الدول الأفريقية في ظل التحولات الاقتصادية وتحسين بيئة الأعمال، من خلال تشجيع الاستثمارات الخاصة والابتكار، وتعزيز الأمن والاستقرار والسلام. وتجدر الإشارة إلى أن اليابان استضافت مؤتمرات «تيكاد» الستة الماضية، وستكون تونس ثاني دولة أفريقية تحتضن هذا الحدث الدولي الكبير خارج اليابان بعد مؤتمر نيروبي بكينيا سنة 2016.

تونس عضو في السوق المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا

> وقعت تونس رسمياً على وثيقة انضمامها إلى منظمة «كوميسا» لدول شرق وجنوب أفريقيا خلال القمة التي عقدها رؤساء هذه الدول في مدينة لوساكا، عاصمة جمهورية زامبيا خلال الصيف الماضي. وبذا أصبحت تونس العضو العشرين في هذه المنظمة الإقليمية الاقتصادية الأفريقية، وبدأت تفعيل هذا الاتفاق واستقبلت وفوداً من الأمانة العامة للمنظمة في سياق بحثها عن «بدائل» للشركاء التقليديين.
هذا، وأوردت الأمينة العامة لمنظمة «الكوميسا» شيليشي كيبوابوي (Chileshe Kepwepwe)، خلال زيارة أدتها إلى تونس أن انضمام تونس إلى تركيبتها «سيعطى الفرصة أمام مجتمع الأعمال والمال في تونس والدول الشمال أفريقية لفتح أسواق جديدة والتعرف على الشركاء المحتملين من بلدان (الكوميسا)، وتجسيم الفرص الاستثمارية والمميزات التنافسية التي تتمتع بها دول المجموعة، وما يمكن أن تقدمه لبعضها البعض وإلى باقي دول العالم».
كذلك، أكدت الأمينة العامة أن دول تجمع شرق وجنوب أفريقيا تعد في طليعة الدول المشاركة في مبادرات التكامل الاقتصادي والسياسي والثقافي في القارة الأفريقية، بما في ذلك دورها الريادي في اتفاقية التجارة الحرة الثلاثية الأطراف. وهو ما سيساعد البلدان الأفريقية على جني ثمار فتح مزيد من الأسواق، واستغلال الموارد المتاحة، ورفع القدرة التنافسية، والحد من الاعتماد على الشرکاء التجاریین التقلیدیین.
ونبهت كيبوابوي إلى أن القارة الأفريقية تمر بمرحلة تنموية تستوجب تطوير التعاون والتكامل بين بلدانها على مستوى الحكومات فيما بينها، ومع القطاع الخاص الأفريقي والدولي من جهة أخرى.
من ناحية أخرى، اعتبرت الرئاسة التونسية، بمناسبة تفعيل انضمام تونس إلى هذا الفضاء الاقتصادي الإقليمي والدولي، هذه الخطوة «فرصة بالنسبة للقطاعين العام والخاص وأصحاب المؤسسات الصناعية والمالية التونسية الشمال أفريقية، وستستفيد تونس من فرص الانفتاح الاقتصادي على بلدان القارة السمراء، حيث فرص النمو كبيرة جداً خلافاً لغالبية دول العالم. كذلك توقع وزير الخارجية التونسية أن يؤدي انضمام تونس إلى منظمة سوق شرق وجنوب أفريقيا إلى تمكن المستثمرين ورجال الأعمال التونسيين والعرب من بناء شراكات مع نظرائهم ببقية الدول الأعضاء في هذا التجمع الاقتصادي المهم». ووصف هذا التجمع بأنه يعد «سوقاً واعدة لعديد المنتجات وللمؤسسات العاملة في مجالات مثل البنية التحتية وتكنولوجيات المعلومات والاتصال، وأيضاً التعليم والتدريب المهني والتعليم العالي والصحة والصناعات الغذائية والهندسة والمحاسبة والتمويل وغيرها من المجالات».


مقالات ذات صلة

كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

حصاد الأسبوع الدمار في غزة (أ ب)

كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

استقبل الجيش الإسرائيلي أخيراً وفداً من قادة جيوش دول عدة، «لكي يدرسوا تجربة الحرب الأخيرة، في سبع جبهات (غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن

نظير مجلي (القدس)
حصاد الأسبوع في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»

إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

شكّل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتعيين إميل جرجس مايكل في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة، ثم تكليفه لاحقاً بإدارة «وحدة الابتكار الدفاعي»، في

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع كاثلين هيكس (آب)

كيف يختلف مايكل عمّن سبقوه في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة؟

يمثّل صعود إميل مايكل إلى منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة تحولاً واضحاً في طبيعة القيادة التكنولوجية داخل «البنتاغون»، مقارنةً بكل من مايكل غريفين وهايدي

«الشرق الأوسط» (اشنطن)
حصاد الأسبوع العلم السويدي يخفق وسط الشرطة والمدنيين (د ب آ)

السويد... عقد من الترحيب ينتهي بقيود صارمة على الهجرة

في مشهد سياسي أوروبي متحول، تقف السويد اليوم شاهدة على أحد أكثر التحولات الجذرية في سياسات الهجرة واللجوء. فالبلد الذي فتح أبواب الهجرة لأكثر من 160 ألف طالب

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع علم "المجلس النوردي" (المجلس النوردي)

تحذيرات في أوساط الاقتصاديين والحقوقيين

> يحتفي الائتلاف الحاكم في السويد بما يعتبره «إنجازاً» في تراجع أعداد طالبي اللجوء، بعدما سجل عام 2024 أدنى مستوى له منذ عام 1985، بواقع 6250 طلباً فقط.


كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

الدمار في غزة (أ ب)
الدمار في غزة (أ ب)
TT

كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

الدمار في غزة (أ ب)
الدمار في غزة (أ ب)

استقبل الجيش الإسرائيلي أخيراً وفداً من قادة جيوش دول عدة، «لكي يدرسوا تجربة الحرب الأخيرة، في سبع جبهات (غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن)»، كما قال الناطق بلسان الجيش. وخلال الشرح المتحمس عن هذه الزيارة، سمح الناطق لنفسه بأن يقول إنهم جاؤوا لكي يتعلموا منه العديد من العمليات الحربية. وقال إن بين هذه الجيوش حضر مندوبون من كل من الجيوش؛ الأميركي والألماني والهندي والكندي والتشيكي والبولندي، وغيرها. وعرض عدة مجالات، قال إن جيشه أبدع فيها واستحدث طرقاً حربية سيصار إلى تدريسها في الكليات الحربية في العالم، خصوصاً المعركة ضد الأنفاق والتدمير ومسح الأبنية في قطاع غزة وتخريب الحقول الزراعية والسيطرة التامة على سماء إيران والاغتيال الجماعي لقادة «حماس» و«حزب الله» وقيادة سلاح الجو الإيرانية وعملية تفجير أجهزة النداء واللاسلكي في لبنان لقادة «حزب الله» (البيجر والوكي توكي) وغيرها.

لأول وهلة، يُحسب أن الرسالة - أعلاه - موجهة إلى العالم، لكن من يتابع الأوضاع في إسرائيل خلال العقدين الأخيرين، يدرك أن هذا النشر هو جزء من الحرب التي يخوضها الجيش الإسرائيلي على «الجبهة الثامنة».

إنها الحرب التي تعدّ الأكثر إيلاماً للجيش، لأن «العدو» فيها للجيش الإسرائيلي هو الحكومة واليمين العقائدي الذي يقودها.

يخوض اليمين هذه الحرب منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم عام 2009، وفي حينه حاول فرض حرب على إيران، لكن قادة الجيش وسائر الأجهزة الأمنية اعترضوا. فغضب، وراح يحاربهم، في البداية بهدوء وسريّة، لكن الحرب غدت علنية شيئاً فشيئاً. وكان فيها مسؤولون في الحكومة وباحثون وخبراء يهاجمون الجيش ويتهمونه بالتبذير، والجنرالات ينشرون المقالات التي تظهر الحكومة فاشلة وفاسدة.

أيضاً لعبت الشرطة والنيابة والمحكمة دوراً نشيطاً في كشف تورّط نتنياهو في قضايا فساد... وقدمته إلى المحاكمة. فاستعرت المعركة لتتحوّل إلى «حرب شاملة» بين الطرفين، ما جعل اللواء المتقاعد إسحاق بريك، عضو رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، يقول، في مقال نشرته صحيفة «معاريف» يوم 8 يونيو (حزيران) 2025: «لدينا قيادة فقدت البوصلة، في الحكومة وفي الجيش». ويضيف: «السياسة الحمقاء المتغطرسة التي يتبعانها، ستشجع أعداءنا على الاستعداد لحرب أخرى ضدنا، وكل هذا بسبب جماعة فقدت طريقها وعقلنتها وحكمتها».

نتنياهو وسموترتش (رويترز)

سموتريتش... والميزانية

أحد أبرز السياسيين في هذه الحرب هو بتسلئيل سموتريتش، الذي مع تشكيل الحكومة أصر على تولي حقيبة وزارة المالية وحقيبة أخرى هي وزير ثانٍ في وزارة الدفاع. وسموتريتش هو الممثل المباشر لليمين العقائدي. لديه أجندة واضحة لمنع قيام دولة فلسطينية وتهجير الفلسطينيين. ومنذ تسلمه مهامه، يخوض حرباً علنية على الجيش بلغت حد رفض العديد من طلبات زيادة الميزانية العسكرية. ثم إنه يتهم قادة الجيش بالتبذير وصرف رواتب عالية، وقام بنشر قائمة الرواتب لنحو 50 قائداً أساسياً، فاتضح أنهم يقبضون رواتب أعلى من رئيس الحكومة ورئيس الدولة.

وفي الأسابيع الأخيرة، عندما قرر الجيش رفع عدد جنود الاحتياط الدائم من 6 إلى 60 ألف جندي، سنة 2026، وطلب تمويلاً من المالية (كل جندي يكلف الجيش 300 دولار في اليوم ومعدل الخدمة لكل جندي يصل إلى شهرين في السنة المقبلة، وهذا البند وحده يكلف مليار دولار)، رفض سموتريتش، قائلاً إن على الجيش إيجاد التمويل من تقليص مصاريفه الأخرى. ووفق صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن قادة الجيش «يشعرون بالمهانة وهم يستجدون وزير المالية»، علماً بأنه على صعيد شخصي يبدو صبيانياً، ومن الناحية الجماهيرية يفقد الجمهور الذي انتخبه، إذ تشير الاستطلاعات إلى أنه سيسقط إذا أجريت الانتخابات اليوم.

للعلم، سموتريتش هذا حاقد على الجيش. فعام 2005، عندما كان في الخامسة والعشرين من العمر، بينما عمل الجيش على إخلاء مستوطنات قطاع غزة، جاء سموتريتش مع ألوف المستوطنين لمحاربة الإخلاء. ويومذاك، بطش به الجنود وجرّوه على الأرض عندما اعتقلوه. وهو جزء من الحركة التي قامت في حينه لمنع تشكيل حكومة في إسرائيل تقرّر إخلاء مستوطنات في الضفة الغربية مثلما حصل في غزة. وهو يستذكر هذه الحادثة تقريباً في كل خطاب سياسي له، منذ ذلك الحين. ويعدّ رأس حربة في معركة اليمين لتحجيم مكانة الجيش ونفوذه في البلاد.

انتقاد المهنية العسكرية

في إطار هذه المعركة، تشهد وسائل الإعلام الإسرائيلية موجة نشر ضخمة تنتقد الجيش وتظهره فاشلاً مهنياً. ويجنّد اليمين لهذا الغرض مجموعة كبيرة من الجنرالات السابقين، قسم منهم يكتب في معاهد الأبحاث التابعة لليمين، وقسم آخر ينشر مقالاته في وسائل الإعلام المستقلة، فضلاً عن الإذاعة والتلفزيون والشبكات الاجتماعية.

وأدناه نماذج من هذه المعركة:

العميد أورن سولومون، الذي عيّن رئيساً للجان التحقيق الداخلي في الجيش حول إخفاقات 7 أكتوبر (تشرين الأول) كشف في تقرير للقناة «14» عن أن قيادة الجيش «تتستر على الحقائق وليس صحيحاً الانطباع بأنها أول من تحمل المسؤولية». بل «أخفت الفشل الحقيقي لكونها اتبعت تكتيكاً حربياً خاطئاً منذ البداية... وبدلاً من أن تأمر سلاح الجو بقصف عناصر حماس في أثناء مهاجمتهم البلدات الإسرائيلية يوم 7 أكتوبر 2023، فتشلّ حركتهم وتوقف تقدّمهم، قرّرت شنّ عملية انتقامية لاغتيال قادتها وتدمير مقراتها في شتى أنحاء غزة. وبذا فشلت في حماية مئات من الإسرائيليين الذين قتلتهم حماس ومئات المخطوفين».

وذكر سولومون أيضاً في التقرير، أنه طلب لقاء رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي والحالي إيال زامير لعرض استنتاجاته، لكنهما تهرّبا من لقائه. ومن ثم راحا يحرّضان عليه، لدرجة أنه قرّر إخفاء تقاريره والوثائق التي اعتمدها بهدف الحفاظ عليها في حال جرى له أي سوء. ورداً على سؤال طرحه عليه صحافي معروف بقربه من نتنياهو: «هل تخشى على حياتك؟ هل تعتقد أن هناك مَن قد يقتلك بسبب هذا التحقيق؟». فأجاب «نعم».

من جهة ثانية، تطرّ ق الصحافي والمؤرخ اليميني عكيفا بيغمان، صاحب كتاب «كيف حوّل نتنياهو إسرائيل إلى إمبراطورية»، كشف في موقع «ميدا» (9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025)، عن نتائج تحقيق أجري في لجنة فرعية سريّة للجنة الخارجية البرلمانية، خلال الشهرين الماضيين، تفيد بأن هناك «خللاً بنيوياً» في عملية تأهيل الضباط في الجيش الإسرائيلي. وممّا جاء في تقريره أن الضباط لا يتلقّون تدريبات عسكرية لأكثر من يومين في الأسبوع، بينما يتمتعون بـ«امتيازات دلال لا تلائم جيشاً مقاتلاً»، وأنه في كثير من دورات التعليم التي يمرّون بها ثمة ازدواجية وتناقضات لأن هذه الدورات لا تدار بشكل مهني.

زامير (الجيش الإسرائيلي)

مرحلة بنيامين نتنياهو...استخفاف بالجنرالات وطعن بهم علناً وفي الخفاء

عدوانية متزايدة في عدة اتجاهات

الصحافة الإسرائيلية، أيضاً، تنشر باستمرار تصريحات لوزراء يهاجمون بها قادة الجيش ويهينونهم في جلسات «الكابنيت» (مجلس الوزراء المصغّر)، الذي يقود الحرب، بينما كان نتنياهو صامتاً. ولكن، في يناير (كانون الثاني) 2025 تجرأ وأوقف الجلسة التي هاجم فيها الوزيران إيتمار بن غفير وميري ريجف رئيس الأركان هاليفي، على قراره تشكيل لجان تحقيق داخلية حول أداء الجيش.

وفي شهر مايو (أيار) تعرّض زامير لـ«بهدلة» مماثلة، لكنه ردّ على الهجوم بكلمات قاسية ونابية، ما جعل نتنياهو يلفت نظره ويوقفه عن الكلام في جلسة الحكومة. وحقاً، زامير نفسه لم يسلم من الانتقادات. وعندما اقترح صرف النظر عن إعادة احتلال غزة في نهاية الصيف، اتهمه غلاة اليمين بالتراجع عن وعوده في «تغيير نهج الجيش القتالي وجعله جيشاً هجومياً أكثر». وقالوا إن «الدولة العميقة الليبرالية تمكنت من السيطرة عليه وتدجينه».

في هذه الأثناء، هناك ما تشهده الضفة الغربية من اعتداءات. وهنا لا نقصد الاعتداءات الإرهابية على الفلسطينيين، بل الاعتداءات اليهودية على اليهود، التي تتصاعد باستمرار وفيها يهتف «شبيبة التلال» الاستيطانية لجنود وضباط الجيش الإسرائيلي «يهود نازيون».

أيضاً، أحد كبار الجنرالات، وكان مسؤولاً عسكرياً يعمل في وظيفة رفيعة في الضفة الغربية، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» (7 نوفمبر 2025)، يقول: «يبدو لي الوصف (فتيان التلال) أو (شبيبة التلال)، رومانسياً بعض الشيء، كما لو كانوا رعاة غنم يعملون في الزراعة، لكن هذا ليس ما نتكلّم عنه هنا. هؤلاء فتيان يحتاجون إلى رعاية مؤسّسات الرعاية الاجتماعية وسلطة الوالدين والتعليم. إنهم يتصرّفون كما لو كانوا في الغرب (الأميركي) المتوحش. ليس لديهم قانون ولا قاضٍ. يتجوّلون بقمصان كُتب عليها (شعب إسرائيل نعم ودولة إسرائيل لا)».

وتابع الجنرال: «إنهم لا يعترفون بالمؤسسات، وهم معادون تماماً للصهيونية، ويرسمون شعارات صهيونازية على الجدران، ويتلقون دعماً من بعض وسائل الإعلام القطاعية. لقد بنوا ماكينة عمل محكمة وحقيقية. يمكنك أن ترى فتىً في الثالثة عشرة من عمره يقود سيارة مشطوبة، وهو لا يملك حتى رخصة قيادة؛ بينما يُشعل فتيان آخرون النار في المركبات. ما عاد هؤلاء يكتفون بالاعتداءات على الفلسطينيين، بل أضحوا يعتدون بعنف وكراهية حاقدة على جنودنا وضباطنا، حتى ونحن نحميهم. وكذلك يعتدون على المواطنين اليهود، وليس فقط اليساريين منهم الذين يأتون إلى هنا للتضامن مع الفلسطينيين، بل يعتدون على مستوطنين ممّن كانوا ذات يوم شبيبة تلال لأنهم لا يوافقون اليوم على أساليبهم. وأنا لا أتكلم عن اعتداء واحد أو اثنين. لقد شكا عشرات المستوطنين الذين يتعرضون للاعتداءات منهم. ومن ثمّ، شعوري أن عدوهم الأول هو الجيش».

الرد لا يقل حدة

في المقابل، نجد أن الجيش أيضاً يملك جهاز دعاية يهاجم الحكومة بقوة شديدة ولديه مجموعة كبيرة من الكتّاب والناطقين باسمه، الذين يحذّرون من تبعات سياسة الحكومة وممارساتها، ويرون أنها «تُضعِف الجيش وتشجع العدو على تكرار الهجمات الشبيهة بهجمة حماس في 7 أكتوبر». كذلك ينتقد هؤلاء الحكومة بشكل لاذع على «فشلها المهني»، ويحمّلونها، رئيساً ووزراء، مسؤولية أساسية عن إخفاقات 7 أكتوبر، ويقولون إنها أدارت الحرب بشكل سيئ وفرضت على الجيش «إطالة الحرب لأغراض بعيدة عن الحسابات الأمنية والاستراتيجية، هدفها سياسي وحزبي للبقاء في الحكم». «وحقاً، الأمر الجوهري الذي يهاجمونها عليه هو: أنها لم تعرف كيف تستثمر المكاسب العسكرية التي وفّرها لها الجيش في مكاسب سياسية».

وهكذا يكتب الجنرال عاموس جلعاد، رئيس معهد السياسة والاستراتيجية في تل أبيب، يوم 17 نوفمبر 2025: «لقد نجح الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن في توجيه ضربة قاصمة لتحالف الشر في جميع جبهات القتال السبع. في الوقت نفسه، ثمة حاجة إلى استراتيجية لإرساء أمن طويل الأمد. حتى الآن، فشلت الحكومة الإسرائيلية في صياغة سياسة لما بعد (اليوم التالي)، ما أدى إلى خلق فراغ، ملأته الإدارة الأميركية بكل قوتها».

وأردف جلعاد: «من جهة، لهذا الأمر نتائج إيجابية تتمثل في إطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء وعملية إعادة الرهائن القتلى، ووقف الحرب في غزة، وتوطيد العلاقات المميزة مع الولايات المتحدة، واحتمال تحقيق انفراج دبلوماسي مع الدول العربية. ولكن من جهة أخرى، قد يؤدي هذا التطور إلى أضرار جسيمة، مثل نشر قوة متعددة الجنسيات في غزة بمشاركة دول معادية بقيادة محور تركي - قطري داعم لجماعة الإخوان المسلمين، واستمرار وجود حماس بصيغة جديدة في غزة. بالإضافة إلى ذلك، هناك احتمال الإضرار بالتفوق النوعي للجيش الإسرائيلي، من خلال نقل قدرات عسكرية غير مسبوقة إلى الدول العربية. في الخلفية، تُبذل جهودٌ من إيران وحزب الله لاستعادة القدرات العسكرية المتضررة خلال الحرب. ولكن الأنكى هو أنه على الصعيد الداخلي، تشهد إسرائيل بقيادة الحكومة سلسلةً من العمليات الهدامة التي تُلحق الضرر بالمناعة الوطنية والاجتماعية، التي تشكل ركيزةً أساسيةً من ركائز الأمن القومي الإسرائيلي. ويشمل ذلك استمرار الانقلاب القضائي وإلحاق الضرر بالمؤسسات القضائية، والحرب على وسائل الإعلام في البلاد، والتدخل في أنشطة أجهزة الأمن وإنفاذ القانون، وغيرها».


إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
TT

إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»

شكّل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتعيين إميل جرجس مايكل في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة، ثم تكليفه لاحقاً بإدارة «وحدة الابتكار الدفاعي»، في أحد أبرز القرارات المفصلية ضمن إطار سياسة الابتكار العسكري للولايات المتحدة منذ إعادة هيكلة «البنتاغون» (وزارة الحرب الأميركية) عام في 2017. وذلك ليس فقط لأن المنصب يُعدّ رأس الهرم في الهندسة العسكرية والتطوير التكنولوجي، بل لأن مايكل يمثّل نموذجاً جديداً تماماً عن ذلك الذي اعتادت المؤسسة الدفاعية الأميركية تعيينه في هذا الموقع. إذ إن المسؤول الذي يُمسك عملياً بمفاتيح التفوق التكنولوجي الأميركي، من الذكاء الاصطناعي إلى الأنظمة غير المأهولة، ومن الحرب السيبرانية إلى الجيل الثاني من الدفاع الصاروخي، رجل أعمال مهاجر من جذور مصرية قبطية، بنى مسيرته في شركات التكنولوجيا الفائقة النمو، بدءاً من شركة «تيل مي نيتوورك»، مروراً بـ«كلاوت»، ووصولاً إلى «أوبر»، إحدى أكثر شركات العقد الماضي إثارة للجدل والتأثير في آن واحد.

تعيين إميل مايكل وكيلاً لـ«البنتاغون» للبحث والهندسة لم يكن مجرد مفاجأة، بل كسرٌ لخطٍ طويل من الشخصيات المنتمية تقليدياً إلى عالم الصناعات الدفاعية أو البحث العلمي الأكاديمي. وفي حين يرى البعض أنّ الرئيس دونالد ترمب يكرّر رهانه المألوف على رجال الأعمال - كما فعل في الحكومة الأولى - يعدّ آخرون أنّ ما حدث هو إعادة توجيه جذرية لطبيعة القوة التكنولوجية الأميركية، بحيث تُسلَّم مفاتيح المستقبل لمن يملكون القدرة على «تسريع» الابتكار، وليس فقط تنظيره. وأدناه نبذة عن مسيرة مايكل نحو هذا المنصب، وتكوينه السياسي ومسارة المهني ومنطق تعيينه وتأثير خلفيته القبطية المصرية في شخصيته ودوافعه.

مهاجر في قلب سردية النجاح

ولد إميل مايكل في القاهرة عام 1972 لأسرة قبطية، وهاجر في سن مبكّرة مع عائلته إلى الولايات المتحدة.

وعام 2012 التقى جولي هيرين في لاس فيغاس (ولاية نيفادا)، وتزوجا عام 2018 في حفل أقيم بمدينة ميامي، بولاية فلوريدا.

الانتماء القبطي ليس تفصيلاً هامشياً، بل جزء أساسي في تكوينه السياسي وطريقة تفكيره. وفي شقّ من الهوية القبطية، عند البعض في مصر، ثمة بالهامشية السياسية والبحث عن الحماية عبر «المؤسسات القوية». وهذا انعكس لاحقاً على توجهات مايكل في السياسة الأميركية، وخاصة في علاقة الأقليات بالدولة الحديثة، وقيمة وجود دولة مركزية قادرة على فرض النظام.

وكان مايكل يشير دائماً في مقابلاته القليلة حول خلفيته، إلى أنّ تجربة الهجرة منحته ثقافتين من زاويتين: إيماناً أميركياً تقليدياً بالفرصة الفردية، وحسّاً «واقعياً» في فهم أخطار انهيار الدول وضعف مؤسساتها، وهو أمر لا يمرّ عادة في تكوين المسؤولين الأميركيين الذين يترعرعون داخل «الاستقرار المؤسساتي» الأميركي.

هذه الخلفية تفسّر أيضاً شغفه المبكر بالدفاع الوطني. فمع أنه رجل أعمال تقني، اختار عام 2009 الانضمام إلى برنامج الزمالة في «البيت الأبيض»، والعمل مباشرةً تحت وزير الدفاع روبرت غيتس (الجمهوري) في إدارة الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، إبان سنوات الحرب في العراق وأفغانستان. وما لبث رجل الأعمال الشاب الآتي من وادي السيليكون أن وجد نفسه فجأة في قلب العمليات العسكرية واللوجيستية، في مسار غير شائع إطلاقاً.

جمهوري من هارفارد... إلى ستانفورد

درس إميل مايكل في جامعة هارفارد العريقة، وفيها تولّى رئاسة نادي الجمهوريين. واللافت أنّه فور تسلمه المنصب بادر إلى تحويل اسم النادي إلى «نادي الجرف الأحمر لجمهوريي هارفارد»، في إشارة إلى رغبته في إدخال النساء إلى الهيكل السياسي الطلابي المحافظ. وهو موقف مبكر يعكس قدرة سياسية على قراءة البيئة الاجتماعية ومحاولة توسيع التحالفات، وهي مهارة ستظهر لاحقاً في إدارة الشركات.

بعد هارفارد، تابع دراسته في كلية الحقوق التابعة لجامعة متميزة أخرى هي جامعة ستانفورد، المختبر الفكري الذي أنجب نخبة من روّاد التكنولوجيا.

هناك ازداد تماهيه مع التيار البراغماتي داخل الحزب الجمهوري، الذي يركّز على الاقتصاديات الحديثة والابتكار، وليس فقط على خطاب «القيَم التقليدية». ولعل هذا المزيج، أي يميناً اقتصادياً وابتكاراً تكنولوجياً، كان أساسياً لاحقاً في فهم لماذا رأى ترمب فيه الشخص المناسب لقيادة سباق الحرب التكنولوجية.

المسيرة المهنية

على امتداد 25 سنة، بنى إميل مايكل سمعة استثنائية في عالم الشركات العالية النمو، حيث بدأ مسيرته المهنية مستشاراً استراتيجياً في شركة «كونفيرجينغ» التابعة لشركة «جيميني» للاستشارات. وبعد تخرجه في كلية الحقوق، عمل مايكل مساعداً في مجموعة الخدمات المصرفية الاستثمارية للاتصالات والإعلام والترفيه في «غولدمان ساكس» بنيويورك حتى عام 1999. ثم عمل في مشاريع استشارية للاندماج والاستحواذ العدائي، وفي تمويل الأسهم والديون المصرفية. ومن 1999 حتى 2008 شغل مايكل منصباً تنفيذياً في شركة «تيل مي نتوركس» الناشئة للاتصالات عبر الإنترنت لمدة تسع سنوات. وكانت تلك الشركة رائدة في تقنيات التعرف على الصوت، وبيعت لـ«مايكروسوفت» بـ800 مليون دولار عام 2007.

بعدها، عام 2012، أصبح رئيساً للعمليات وعضواً في مجلس إدارة شركة «كلاوت»، منصة تحليل النفوذ الرقمي (التي سبقت عصر البيانات الضخمة)، ليغادرها عام 2013، للانضمام إلى شركة «أوبر». وحقاً، بيعت «كلاوت» إلى شركة «ليثيوم» مقابل نحو 200 مليون دولار في أوائل عام 2014.

ثم انضم مايكل إلى «أوبر» نائب رئيس أول للأعمال، وكان بمثابة الذراع اليمنى لرئيسها التنفيذي، ترافيس كالانيك، وساعد الشركة على جمع ما يقرب من 20 مليار دولار. وللعلم، كان مايكل لاعباً رئيساً في تطوير جهود «أوبر» في الصين، حيث استثمر ملياري دولار لتصل قيمتها إلى 7 مليارات دولار عام 2016. كذلك عمل على بناء شراكات مع «بايدو» وشركات صينية أخرى. وعام 2016 قاد مايكل عملية دمج «أوبر الصين» مع منافستها المحلية «ديدي تشوكسينغ». وفي 2021، جمعت شركة «ديدي» 4.4 مليار دولار في طرحها العام الأولي.

تقدير قدراته التسويقية

عام 2014 اختير مايكل واحداً من «أكثر الأشخاص إبداعاً في مجال التسويق» وواحداً من «أكثر 100 شخص إبداعاً في مجال الأعمال» من قِبل شركة «فاست».

وفي عام 2017، ساعد مايكل في التفاوض على صفقة مع «ياندكس»، أكبر شركة تكنولوجيا وأشهر محرّك بحث على الإنترنت في روسيا – هي المعروفة باسم «غوغل روسيا» - حيث امتلكت «أوبر» 36.6 في المائة من كيان مشترك لمشاركة الرحلات في روسيا. واستثمرت «أوبر» 225 مليون دولار، واستثمرت «ياندكس» 100 مليون دولار.

رأس المال «المخاطر» يدخل «البنتاغون»

عام 2014، عُيّن إميل مايكل وثمانية آخرون في «مجلس أعمال الدفاع» التابع لـ«البنتاغون». انضمّ الثمانية إلى خمسة عشر عضواً من أعضاء المجلس، الذي أُسس عام 2002 لتقديم استشارات مستقلة بشأن القطاع الخاص. وكان مايكل الوحيد من بين المعيّنين الجدد الذي يتمتع بخبرة في مجال الشركات الناشئة.

وبالفعل، لعبت خلفيته في الاستثمار بشركات الذكاء الاصطناعي، و«البلوك تشين»، واللوجيستيات، والأنظمة الرقمية... وتحديداً، في المجالات التي تُعدّ اليوم قلب المنافسة الاستراتيجية مع الصين، دوراً كبيراً في جعله - في نظر فريق ترمب - «المختبر العملي» لقيادة سباق التكنولوجيا العسكرية، وهو ما أغرى ترمب بوضعه في رأس منظومة الابتكار العسكري.

خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024، أعلن ترمب - وكان لا يزال رئيساً منتخباً - عن نيته ترشيح مايكل لمنصب وكيل وزارة الدفاع للأبحاث والهندسة، وأكد مجلس الشيوخ ترشيحه في مايو (أيار) 2025. وفي أغسطس (آب)، أصبح قائماً بأعمال «مدير وحدة الابتكار الدفاعي».

واليوم، يُعد منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة أخطر منصب تكنولوجي في الحكومة الأميركية. فهو الذي يحدّد اتجاهات الاستثمار التكنولوجي، وأولويات «وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة» (داربا)، وبرامج الأسلحة الاستراتيجية، وتوازن القدرة الأميركية مقابل الصين وروسيا.

ولفهم أسباب اختيار ترمب لمايكل، يرى البعض أنه يجب النظر إلى سمات الشخصية مقابل حاجات المرحلة. وفي ظل الحاجة إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»، ويُنظر إليه كمن يستطيع اختصار سنوات من الدورة البيروقراطية في وزارة الحرب.

وفي عهد فتح الأبواب للقطاع الخاص، اتجه ترمب أيضاً خلال ولايته الثانية إلى جعل الابتكار العسكري يعتمد على الصناعة الخاصة لا على مختبرات الدولة فقط، وهو بالضبط ما يجسده مايكل في هذا النهج. وطبعاً، يضاف إلى ما سبق أن خبرته العالمية، ولا سيما مع الصين وروسيا، منحته نظرة دقيقة على نماذج الابتكار لدى الخصوم.

مع هذا، يثير تعيين مايكل في منصبه جدلاً داخل واشنطن. فبعض الأصوات ترى في تعيين رجل أعمال بهذا الانغماس في رأس المال المخاطر، خطوة قد تعمّق نفوذ الشركات على حساب القرارات الدفاعية. ثم إن موقفه الحازم من الصين - بعدما حذر من أنها تهدف إلى «احتكار الذكاء الاصطناعي العسكري» خلال 10 سنوات - قد يدفعه إلى قرارات سريعة وغير تقليدية، بعضها يزعج التيارات التقليدية.

خلفيته ورؤيته لـ«البنتاغون»

من جهة ثانية، مع أن مايكل لا يقدّم نفسه بوصفه «سياسياً هوياتياً»، ورغم أنه شخصية محافظة سياسياً، فإنّ تأثير هويته واضح. ذلك أن خلفيته بصفته قبطياً مهاجراً جعلته، بحسب مقرّبين، أقرب لفهم أهمية «توازن القوة» في المجتمعات الهشّة، ما جعله يؤمن بأن التفوّق العسكري الأميركي هو أحد صمامات استقرار الأقليات حول العالم.

هذا البعد له تأثير ضمني لكن مفهوم في قراره بالدخول إلى قطاع الأمن القومي، وينعكس في دعمه لبرامج الدفاع غير التقليدية، ولتطوير تقنيات يمكن أن تمنع الحروب قبل وقوعها. وعلى عكس كثير من التكنولوجيين الأميركيين الذين يملكون حسّاً «ليبرالياً » تجاه الأمن القومي، ينظر مايكل إلى الجيش كـ«قوة استقرار»، وليس فقط كمجرد مؤسسة عسكرية.

ومن ثمّ، من الآن وحتى 2030، تشير كل المؤشّرات داخل وزارة الحرب إلى أنّ مايكل يخطط لثلاثة محاور حاسمة:

- تفعيل «نظام الابتكار السريع»، عبر تحويل «البنتاغون» إلى بنية مشابهة لشركات التكنولوجيا، في اتخاذ القرارات السريعة، وتجارب متكررة، ونسخ أولية، ثم تصنيع.

- إعادة توجيه وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة (داربا) نحو الذكاء الاصطناعي العسكري الكامل، ليس فقط كأداة دعم، بل كمكوّن قتالي مستقل.

- عسكرة البيانات، عبر تطوير أنظمة ميدانية تعتمد على بيانات اللحظة، بما يشبه نموذج «أوبر» في مراقبة الحركة البشرية، لكن في ساحات الحرب.

ولهذا بالضبط، نجده اليوم في رأس الهرم التكنولوجي للولايات المتحدة، في لحظة تتقرر فيها ملامح القرن الأميركي أو نهايته.


كيف يختلف مايكل عمّن سبقوه في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة؟

كاثلين هيكس (آب)
كاثلين هيكس (آب)
TT

كيف يختلف مايكل عمّن سبقوه في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة؟

كاثلين هيكس (آب)
كاثلين هيكس (آب)

يمثّل صعود إميل مايكل إلى منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة تحولاً واضحاً في طبيعة القيادة التكنولوجية داخل «البنتاغون»، مقارنةً بكل من مايكل غريفين وهايدي شو وديفيد هوني وكاثلين هيكس، الذين شكّلوا المسار المؤسسي التقليدي خلال العقد والنصف الماضيين.

مايكل غريفين (2018 - 2020) العالم الصاروخي، هو نموذج «العالم الكلاسيكي» داخل المؤسسة الدفاعية الأميركية. فيزيائي صواريخ، ومدير سابق لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، ورجل قائم على المدرسة البحثية الثقيلة.

كان تركيزه على الفضاء، والصواريخ، والأنظمة الفرط صوتية، وتطوير أنظمة الردع الاستراتيجي. والفارق الجوهري بينه وبين مايكل يكمن في الخلفية: غريفين ابن المؤسسات الأكاديمية والعسكرية التقليدية، بينما مايكل آت من شركات التكنولوجيا الفائقة النمو، ما يجعله أكثر ميلاً للسرعة والمخاطرة وتبني الابتكار التجاري.

هايدي شو (2020 - 2023) سيدة المنظومات الدفاعية، جاءت من خلفية إدارية - تكنولوجية تمتد لعقود داخل «البنتاغون»، مركّزة على الدفاع الصاروخي والسيبراني، ومثّلت «الاستمرارية» أكثر من التغيير، بينما يجسد مايكل «القطيعة» مع الإرث المؤسسي. إذ إنه لا ينتمي لتقاليد «البنتاغون»، بل لثقافة استثمارية عالمية، ما يجعله أقرب إلى مقاربة «الابتكار المفتوح» مع الشركات الناشئة.

ديفيد هوني (2023 - 2025) المهندس البيروقراطي، يُعدّ خبيراً في البيروقراطية الدفاعية، عارفاً بتعقيدات الهياكل الداخلية ودوائر الاستحواذ. وظيفته كانت تحسين الانسيابية لا تغيير الفلسفة. أما مايكل فيقدّم رؤية انقلابية: تسريع القرارات، ونقل تقنيات القطاع الخاص مباشرة إلى ساحة القتال، وتخفيف دور البيروقراطية لصالح دينامية الشركات.

كاثلين هيكس (2021 - 2025) نائبة وزير الدفاع، تعد العقل الاستراتيجي المدني، ومع أنها لم تشغل الموقع نفسه، لكنها قادت بحكم موقعها، الإشراف على ملفات التكنولوجيا والتحوّل الدفاعي.

أيضاً مثلت هيكس المدرسة الاستراتيجية الليبرالية - التقليدية في الأمن القومي، ويمثل مايكل المدرسة المحافظة - التجارية، المتمحورة حول المنافسة مع الصين والتفوق الصناعي.

أخيراً، في حين يمثل الأربعة المذكورون خط الاستمرارية المؤسسية، يأتي إميل مايكل من خط الاختراق التكنولوجي التجاري. فهو أول من جمع بين خبرة وادي السيليكون والعمل المباشر في ساحات الدفاع، ما يجعل تعيينه انتقالاً من «عقود البحوث البطيئة» إلى «سباق الزمن التكنولوجي» في مواجهة الخصوم الدوليين للولايات المتحدة.