رمضان يطل على اللبنانيين بوجه جديد لم يألفوه

تحضيرات واستعدادات محدودة لاستقباله

تغيب النشاطات الترفيهية الخاصة بالأولاد عن شهر رمضان 2020
تغيب النشاطات الترفيهية الخاصة بالأولاد عن شهر رمضان 2020
TT

رمضان يطل على اللبنانيين بوجه جديد لم يألفوه

تغيب النشاطات الترفيهية الخاصة بالأولاد عن شهر رمضان 2020
تغيب النشاطات الترفيهية الخاصة بالأولاد عن شهر رمضان 2020

يخفت وهج موسم رمضان 2020 في لبنان، فالاستعدادات والتحضيرات له من قبل أهله محدودة وبالكاد تنبئ عن وصول الضيف الكريم في موعده من كل عام.
فالأزمة الاقتصادية التي يعاني منها معظم اللبنانيين منذ انطلاق ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول) وتوقف تأمين مداخيل معظمهم بسبب غياب دوام العمل العادي، ترك أثره السلبي على جيوبهم. واكتملت قساوة المشهد العام اللبناني عندما وصل أرضه وباء «كورونا». فهذه الجائحة التي أصابت الاقتصاد العالمي بالشّلل قضت على آخر خيط أمل عند اللبنانيين. فهم ومنذ نحو شهرين عاطلون عن العمل لا مورد رزق يؤمنونه ولا مداخيل ترد إلى جيوبهم في ظل التزامهم منازلهم وفقاً لقرار التعبئة العامة الذي فرضته الدولة للحد من انتشار الوباء.
كل ذلك ساهم في إصابة اللبناني بحالة إحباط لم يسبق أن عاشها حتى في سنوات الحرب. ووقف محتاراً أمام واقع مرير لا يعرف كيف يتجاوزه عشية وصول شهر رمضان. فأسعار السلع الاستهلاكية ارتفعت بشكل كبير وكذلك اللحوم والحبوب والخضراوات. أمّا لمّة العائلة التي كانت تعنون موائد الإفطار وينتظرها من عام لآخر، فهي شبه غائبة في ظل عدم الاختلاط الاجتماعي المفروض عليه في زمن «كورونا».
«صحيح أنّ التحضيرات لهذا الشهر اختصرناها بشكل كبير، وهي بالكاد تفي بمتطلباته، إلّا أنّنا نتمسك بتمضيته بفرح». تقول منى ربة منزل وأم لخمسة أولاد. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «سنزين بيوتنا كالعادة ولكنّنا سنضطر في المقابل إلى اتباع مبدأ التوفير في موائد الإفطار. فهي لن تكون ملوّنة بأطباق دسمة وأخرى خفيفة منوعة، بل سنكتفي بطبق رئيسي وبطبق الفتوش، إضافة إلى أطباق الفول المدمس وحمص البليلة لأوقات السحور».
جمعيات خيرية عديدة استبدلت ببرامجها المعتادة في هذا الشهر أخرى تطبعها العملية لتواكب ما نعيشه في زمن الوباء. فجمعية «الفتى الخيرية لليتيم» يتنقل متطوعون فيها بين الأحياء وبيوت بيروت ليوزعوا على سكانها أدوات زينة العيد من فانوس وبالونات ومجسمات ترتبط ارتباطاً مباشراً بالمناسبة. كما تقدم لهم سلة غذائية تحتوي على التمور والحبوب وغيرها.
أمّا جمعية «فانوسي» التي اعتادت على تنظيم حلقات رمضانية للأولاد وأهاليهم بهدف توعيتهم على معاني هذا الشهر الحقيقية، إضافة إلى نشاطات أخرى ترفيهية، فاقتصر برنامجها على نشاطات افتراضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ويقول مروان فرعون مدير الجمعية المذكورة في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «سنقدم خلال الأيام الأربعة الأولى من الشهر الكريم مبادرة إنسانية تتمثّل بفتح أبواب مستوصف (مركز راية للرعاية الصحية) مجاناً أمام الناس بمبادرة من أطباء المركز. وصحيح أنّنا لم نستطع رفع فانوس عملاق ولا إقامة سيبانة رمضان في ظل الظروف التي نعيشها، ولكنّنا لجأنا إلى نشاطات أخرى ترفيهية. فسنقدم ألعاباً عبر صفحتنا على (فيسبوك) خاصة بالأولاد في السادسة من مساء كل يوم. كما سيعيد أطفال الجمعية غناء (رمضان السنة دي) - من إنتاج عام 2002 - من بيوتهم ونُسجّلها ونبثها أيضاً خلال هذا الشهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي».
وتعلق نهى الخطيب التي تمضي فترة الحجر المنزلي في بلدة الدبية الشوفية في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «لقد قمت بجولة سريعة على البلدات المحيطة بنا ولاحظت غياب أي مؤشر يرتبط بالمناسبة. واقتصرت مشترياتي على التمور والمكسرات من جوز ولوز إضافة إلى (قمر الدين) لنحوله إلى نقوع. أمّا اللحوم فسأشتريها بشكل يومي، سيما وأن أسعارها ارتفعت بشكل ملحوظ. ولمّة العائلة ستقتصر على أولادي وأحفادي الذين يسكنون في المبنى نفسه الذي أقيم فيه. ولقد حاولنا قدر الإمكان إرساء أجواء الشهر الكريم بزينة بيت حضّرتها ابنتي البكر يدوياً».
من ناحيتها فإنّ محلات الحلويات التي كانت تنتظر موسم رمضان لمضاعفة مبيعاتها فيصطف الزبائن بالعشرات للحصول على «كلاج رمضان» و«قطايفة رمضان» العملاقة و«حلاوة الجبن»، إضافة إلى معمول المد بالقشدة والجوز وغيرها، فهي تترقب الموسم بحذر.
ويقول الحاج كمال صاحب محلات «صفصوف» للحلويات في منطقة طريق الجديدة البيروتية: «عيد بأي حال عدت يا عيد، فما نشهده اليوم لم يسبق أن مرّ علينا في لبنان حتى في أحلك الظروف». ويتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أتحدث وأخي بديع شريكي في المحل عن مصير محلنا في ظل ارتفاع الأسعار لمكونات الحلو بشكل جنوني. وأعتقد أننا بعد شهر رمضان وحلول عيد الفطر سنقفله لأننا لن نستطيع الاستمرار في العمل في ظل ظروف قاسية لن تسمح لنا أقله تأمين ربحنا. فاللبناني مصاب بالإفلاس ولا يستطيع حتى شراء درزن (كلاج رمضان) لعائلته بمبلغ 20 ألف ليرة. ويشير الحاج كمال أن ما كان يشتريه من جبن وسمن لصناعة حلوياته في العام الماضي يشهد اليوم فرق أسعار تبلغ ملايين الليرات. ويختم: «لا أحب التشاؤم ولكن ليس هناك ما يدعونا إلى التفاؤل في ظل بلد مفلس وشعب فقير».


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».