عامان من «التصفية» يقودان كبار جنرالات الجزائر إلى السجن

أغلبهم متهمون في قضايا فساد... أو بـ«التآمر على الدولة»

عامان من «التصفية» يقودان كبار جنرالات الجزائر إلى السجن
TT

عامان من «التصفية» يقودان كبار جنرالات الجزائر إلى السجن

عامان من «التصفية» يقودان كبار جنرالات الجزائر إلى السجن

بدأت مؤسسة الجيش الجزائري، التي تعد العمود الفقري للنظام، قبل عامين ملاحقة وسجن كبار الضباط العسكريين من أركان الجيش، وجهاز المخابرات والحرس الجمهوري وسلاح الدرك الوطني، أغلبهم متهمون في قضايا فساد، وبعضهم بـ«التآمر على الدولة»، و«التخابر مع جهة أجنبية».
ففي 21 من سبتمبر (أيلول) 2019، أدان القضاء العسكري المديرين السابقين للمخابرات الفريق محمد مدين، الشهير بـ«توفيق»، واللواء بشير طرطاق بــ15 سجنا، بتهمتي «التآمر على سلطة الجيش» و«التآمر على الدولة»، وبعد ثلاثة أشهر ثبتت محكمة الاستئناف الحكم.
واعتقل الجنرالان الكبيران بأوامر من قائد الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، الذي توفي العام الماضي، بحجة أنهما كانا يخططان لعزله في اجتماعات أدارها السعيد بوتفليقة، شقيق ومستشار الرئيس آنذاك عبد العزيز بوتفليقة، والذي حكم عليه بنفس العقوبة. لكن دفاع الضابطين الساميين نفى أن يكونا متورطين في أية وقائع تضر بالدولة وجيشها.
وعدت القضية من طرف مراقبين «تصفية حساب شخصي وسياسي»، من طرف قايد صالح، الذي كان وراء عزل الرئيس بوتفليقة من الحكم في الثاني من أبريل (نيسان) الماضي، بعد أن ركب موجة السخط الشعبي التي قامت ضد ترشحه لولاية خامسة.
ويرى جل المتابعين للوضع السياسي في الجزائر أن مجرد تصور متابعة الجنرال توفيق قضائيا، كان يعد «ضربا من الخيال»، قياسا إلى النفوذ الكبير الذي كان يتمتع به منذ توليه قيادة المخابرات عام 1990، حتى عزله عام 2015، وإحالته على التقاعد. كما كان وراء عودة بوتفليقة إلى الحكم عام 1999، وسجن مناضلين سياسيين إسلاميين خاصة، وحل أحزاب معارضة، منها «الجبهة الاسلامية للإنقاذ» عام 1992.
وأدانت المحكمة العسكرية في نفس القضية رئيس أركان الجيش ووزير الدفاع السابق، اللواء خالد نزار، بتهمتي «التآمر»، و«إهانة هيئة نظامية»، بسبب تغريدات على «تويتر» وتصريحات في الإعلام، هاجم فيها قايد صالح بحدة، ووصفه بأنه «شخص متهور سيقود البلاد إلى الهلاك»، ودعا ضباط الجيش إلى عزله. وقد أطلق هجومه من إسبانيا، حيث يقيم مع نجله المدان قضائيا أيضا، وبناء عليه أصدر القضاء العسكري مذكرة اعتقال دولية ضده. لكن المراقبين يستبعدون تسليمه إلى الجزائر لوجود احتمال أن يكيف القضاء الإسباني القضية على أنها سياسية تتعلق بمعارض للنظام.
وضمن «لائحة» الجنرالات الملاحقين وضع القضاء منذ أسبوعين اللواء واسيني بوعزة، مدير الأمن الداخلي في الحبس الاحتياطي، بتهمة «سوء تسيير» المخابرات، وذلك بعد عزله في نفس اليوم، وهو محسوب على الجنرال صالح.
وخلال العام الماضي تم عزل ومتابعة وإدانة مسؤولين كبار بمؤسسة الجيش وأذرعها، وهم اللواء بوجمعة بودواور، مدير الشؤون المالية بوزارة الدفاع، واللواء عبد الرزاق شريف، قائد «الناحية العسكرية الرابعة» (جنوب)، واللواء سعيد باي، قائد «الناحية العسكرية الثانية» (غرب). إضافة إلى اللواء عبد الغني هامل، قائد الحرس الجمهوري ومدير الشرطة سابقا، واللواء مناد نوبة، قائد سلاح الدرك.
وقد حكم على هؤلاء الضباط الخمسة بـ15 سجنا، بتهم فساد خطيرة كـ«الثراء الفاحش والتربح غير المشروع، واستغلال الوظيفة والنفوذ لتحقيق منافع شخصية». ويعد هامل الوحيد من بين الخمسة من تابعه القضاء المدني، الذي حكم أيضا بالسجن النافذ ضد زوجته وأبنائه الثلاثة.
أما اللواء حبيب شنتوف، قائد «الناحية الأولى»، فيوجد في حالة فرار من القضاء، وهو متابع بتهم فساد أيضا، وقد غادر البلاد بعد أيام قليلة من عزله، ويقع تحت طائلة أمر دولي بالقبض، ويعتقد أنه لاجئ في بلد أوروبي.
كما طالت المتابعات أيضا اللواء مهنا جبار، مدير أمن الجيش السابق، الذي يوجد في الحبس الاحتياطي منذ قرابة عامين، ويواجه تهمة «مخالفة تعليمات القيادة العسكرية العليا»، و«الثراء غير المشروع». إضافة إلى اللواء علي غديري، مدير الموارد البشرية بوزارة الدفاع سابقا، المحبوس على ذمة تحقيق، وهو متابع في القضاء المدني، ويعد الوحيد من بين الجنرالات الملاحقين من يواجه متاعب بسبب مواقفه ونشاطه السياسي، إذ إنه متهم بـ«التخابر مع جهة أجنبية».
وورد في ملفه القضائي بأنه «باع معلومات اقتصادية استراتيجية لقوة أجنبية»، الأمر الذي ينفيه بشدة محاموه، الذين يؤكدون أنه «دفع ثمن معارضته لرئيس أركان الجيش السابق»، قايد صالح، الذي شن حملة اعتقال وإقالات غير مسبوقة في مؤسسة الجيش، بعد أن منح لنفسه صلاحيات كبيرة، إثر تنحي بوتفليقة.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.