مسلسلات رمضان ... تجهيزات حتى اللحظة الأخيرة قبل بداية الماراثون الدرامي السنوي: هل يفلت «أم هارون» من حصار «كورونا»؟

المسلسل الخليجي نجح في إثارة الانتباه... لكن «قضيته» ما زالت مثار جدل

حياة الفهد في لقطة من «أم هارون»
حياة الفهد في لقطة من «أم هارون»
TT

مسلسلات رمضان ... تجهيزات حتى اللحظة الأخيرة قبل بداية الماراثون الدرامي السنوي: هل يفلت «أم هارون» من حصار «كورونا»؟

حياة الفهد في لقطة من «أم هارون»
حياة الفهد في لقطة من «أم هارون»

رغم العوائق التي تسبب بها انشغال العالم بوباء {كورونا} والتدابير المصاحبة له، إلا أن صناع المسلسلات في عدد من الدول العربية تمكنوا من دخول الماراثون الرمضاني السنوي، بأعمال تباينت في مواضيعها ومستويات إنتاجها، لكن المحصلة بقيت دون المعتاد في موسم رمضان التلفزيوني.
في هذا الملف تستعرض «الشرق الأوسط} أبرز الأعمال الدرامية للموسم في الخليج ومصر ولبنان.
وسط عاصفة وباء «كورونا المستجد»، نجح القائمون على مسلسل خليجي مثير للجدل أن يلفتوا الانتباه إلى عموم الأعمال التلفزيونية الرمضانية، فمع جائحة «كوفيد - 19» تجهد الشاشة الفضية لجذب الجمهور عن أخبار الموت التي تكسو نشرات الأخبار.
مسلسل «أم هارون» اختار التوقيت المناسب لاقتحام دائرة الاهتمام، كما نجح في إثارة الجدل الذي يستفيد منه المسلسل لجذب المشاهدين. تاركاً للفضاء المفتوح قليلاً من المعلومات يتلهى بها المدافعون والمعارضون، الذين أنشأوا سرديات افتراضية عن أهداف ودوافع العمل، دون الاشتغال بمضمونه وقيمته.
مسلسل «أم هارون»، الذي ستعرضه شاشة «إم بي سي» في رمضان يروي قصة سيدة يهودية ذات أصول تركية، تنقلت بين إيران والعراق قبل أن تستقر في البحرين عام 1937، حيث عملت في عام 1940 في مستشفى «النعيم» في مجال التمريض، وخاصة في توليد النساء. وكانت هذه السيدة تلقّب «أم جان» أو «أم هارون».
المسلسل الذي جرى تصوير مشاهده بالكامل في الإمارات، ومنها حصل على إجازة النص، هو إنتاج مشترك بين شركة «الفهد» التي تملكها بطلة العمل الفنانة حياة الفهد، وشركة «جرناس» المملوكة للفنان الإماراتي أحمد الجسمي، وكلاهما منتج منفذ لصالح «إم بي سي»، ومن تأليف الأخوين البحرينيين محمد وعلي شمس، ومن إخراج المصري محمد جمال العدل، وبطولة الفنانة الكويتية حياة الفهد، والفنان الإماراتي أحمد الجسمي، والفنان الكويتي محمد جابر، والفنان السعودي عبد المحسن النمر، والفنانة العراقية (مقيمة في الكويت) روان الصايغ، والفنانة العمانية فخرية خميس، والفنانة البحرينية سعاد علي، ويشارك في بطولته مجموعة من الفنانين، من بينهم فاطمة الصفي، وآلاء شاكر، ومحمد العلوي، وفرح الصراف، وروان، وإلهام علي، وآلاء الهندي، ونواف البدر، وغيرهم.
أثار المسلسل الجدل بشأن تناوله قضية اليهود في الخليج، وسط دعوات لمقاطعة العمل، البعض رأى أنه يمثل ستاراً لرغبات التطبيع مع إسرائيل، وآخرون تساءلوا عن مغزى التسامح الموجه نحو اليهود، خصوصاً في ظل انتعاش الديانات والمذاهب والأعراق في منطقة الخليج.
بطلة المسلسل وصاحبة إحدى الشركات المنتجة، حياة الفهد، دافعت عن المسلسل، وقالت إن «اليهود كانوا موجودين في كل مكان».
مؤلف المسلسل الكاتب البحريني محمد شمس قال «إننا نريد أن نظهر التعايش بين الأديان السماوية. إنه كان ذلك وقتاً عاش فيه اليهود والمسيحيون والمسلمون جيراناً في منطقة واحدة». ونقلت عنه وكالة الأنباء الألمانية قوله، إن المسلسل «يدعو للتسامح»، مضيفاً أنه كان قد توقع حدوث ضجة.
يجادل البعض بشأن قضية المسلسل، ويرون أنها «مفتعلة» فلم يوجد ما يمكن تسميته بـ«الاضطهاد» أو التمييز بحق اليهود، خصوصاً في هذه المنطقة، بدليل انتعاش وجودهم الاقتصادي رغم أنهم كانوا نازحين من مناطق أكثر تحضراً. وبشأن الأثر الذي تركوه، يجادل هؤلاء أن الوجود المسيحي كان أوسع وأكثر تجذراً في المجتمع، وحتى في مجال العمل الإنساني والطبي كانت الإرساليات المسيحية توفد البعثات الطبية للخليج، وكان مستشفى الإرسالية الأميركية المعروف سابقاً باسم مستشفى ميسون التذكاري في المنامة عاصمة البحرين، والذي تأسس عام 1903 أول مستشفى حديث في البحرين والساحل الغربي من الخليج العربي، ووصلت الإرسالية الأميركية إلى البحرين بوصول المبشر صاموئيل زويمر في 7 ديسمبر (كانون الأول) 1892، وقامت هذه الإرسالية بالكثير من الرحلات التبشيرية والطبية في مدن وقرى البحرين والخليج العربي، وأثمرت تلك الرحلات عن تأسيس عدد من الإرساليات الأميركية في عدد من مدن الخليج مثل مسقط والكويت، وافتتحت الإرسالية الأميركية عدداً من المستشفيات في المنطقة في كل من الكويت في 1911، ومطرح بعمان في 1940 وقطر في 1947.
وقد عُرفت منطقة الخليج والجزيرة العربية، بالتسامح الديني؛ ولذلك أصبحت منطقة جاذبة للهجرات المتنوعة. يذكر أن المنطقة الخليجية شهدت وجوداً يهودياً ومسيحياً ووثنياً قبل وبعد ظهور الإسلام، لكن الوجود الحديث لليهود يعود لفترات متباينة خلال القرنين الماضيين، نتيجة الهجرات التي شهدتها المنطقة، ففي البحرين حافظ اليهود على وجود رمزي منذ وصول مهاجرين قدموا من العراق وإيران نهاية القرن التاسع عشر، وانحسر الوجود اليهودي بعد قيام دولة إسرائيل 1948 وكان لهم كنيس في المنامة، وفي العصر الحديث تمثّل اليهود في الدولة البحرينية عبر نواب في مجلس الشورى من خلال إبراهيم نونو، وهدى عزرا نونو، والتي أصبحت (حتى الآن) سفيرة للبحرين في الولايات المتحدة.
أما الكويت فهي أيضاً شهدت وجوداً محدوداً لليهود الذين نزحوا إليها من العراق ثلاثينات القرن الماضي وسكنوا العاصمة الكويت واشتغلوا بالتجارة، وكان لهم سوق تُعرف بسوق اليهود، وبحسب كتاب «اليهود في الكويت... وقائع وأحداث» لحمزة عليان، (منشورات ذات السلاسل)، فإن الإحصاء التقديري الذي أعده الباحث الجغرافي الفرنسي فيتال كينيه عام 1890، قدّر عدد اليهود بنحو 50 يهودياً، من بين الكويتيين الذين قدر عددهم بنحو 20 ألف نسمة آنذاك.
يبقى، هل ينجح المسلسل في الإفلات من حصار «كوفيد – 19»، ويجد له شريحة واسعة من المشاهدين، الذين عليهم تقييمه فنياً، والحكم على القضية التي يطرحها، فلعلها أسهمت في طرح النقاش حول مفهوم التسامح والتعددية في الخليج.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)