بعد التحذيرات المتكررة التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية في الأيام الأخيرة، من تداعيات صحية خطيرة لتفشّي «كوفيد - 19» في أفريقيا والشرق الأوسط، عادت لتنبّه مجدداً إلى أن منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي مقبلة على مرحلة من الانتشار الواسع للوباء، ودعت دول المنطقة إلى تشديد إجراءات العزل والوقاية، خاصة للطواقم الصحية التي تشكو معظم البلدان من ضعف وقلة قدراتها لمواجهة مثل هذه الأزمة.
ورغم أن البيانات المعلنة عن أعداد الإصابات والوفيّات في المنطقة ما زالت بعيدة عن الأرقام التي تسجّلها الولايات المتحدة ومعظم البلدان الأوروبية، يقول خبراء المنظمة إن هذه الأعداد لا تعكس الوضع الحقيقي لتفشّي الوباء، نظراً لقلة التجارب التي أجريت لتحديد الإصابات وضعف الأجهزة المختصة بإحصاء المعلومات وتجميعها، وإن انتشار الوباء قد يكون على نطاق أوسع بكثير. ويقول مسؤولون إن تباطؤ البرازيل والمكسيك، وهما أكبر دولتين في المنطقة، في فرض تدابير الحظر، يرسم مشهداً قاتماً لتفشّي الوباء في الأسابيع المقبلة. ويذكر أن الحكومتين البرازيلية والمكسيكية لم تعلنا حالة الطوارئ الصحية حتى نهاية الشهر الماضي.
وفي البرازيل، ما زال موقف الرئيس جايير بولسونارو يثير جدلاً واسعاً، حيث يصرّ على تجاهل تدابير الوقاية والحظر، ويرفض التقيّد بها، ويصف ما يحصل بأنه «هستيريا يقودها الذين يريدون تدمير البلاد». وكان بولسونارو قد أقال وزير الصحة من منصبه، بينما تتناقل الأوساط الإعلامية والسياسية معلومات عن ضغوط تمارسها قيادة القوات المسلّحة على رئيس مجلس النواب والكتل البرلمانية للشروع بإجراءات عزل رئيس الجمهورية بسبب إدارته للأزمة. وكان بولسونارو قد علّق مؤخراً على هذه المعلومات بقوله: «لن أتخلّى أبداً عن الشعب الذي أكنّ له الولاء المطلق».
ويتابع خبراء منظمة الصحة العالمية بقلق شديد تطورات الوضع في الإكوادور، التي تحولّت في الأسابيع الأخيرة إلى إحدى البؤر الرئيسية لانتشار الوباء في المنطقة. وكانت المعلومات والمشاهد التي وردت من مدينة غواياكيل، وهي العاصمة الاقتصادية للبلاد، ويعيش فيها أكثر من نصف مليون متحدرون من أصول عربية، قد أثارت مخاوف كبيرة من حجم انتشار الفيروس فيها؛ حيث كانت عشرات الجثث متروكة في الشوارع منذ أيام من غير أن يهتمّ أحد بها.
وفي المكسيك فرضت الحكومة حزمة من التدابير الوقائية، وصفتها الأوساط الطبية والعلمية بأنها غير كافية لمنع انتشار الوباء، خاصة أنها لم تشمل إقفال الحدود، وتركت تحديد طبيعتها الإلزامية للسلطات الإقليمية. وتقول الأوساط الحكومية، من جهتها، إن فرض الحظر التام من شأنه أن يدفع البلاد إلى كارثة اقتصادية واجتماعية في بلد يعيش نصف سكّانه البالغين 130 مليون نسمة دون خط الفقر ويكسب معظمهم رزقه بشكل يومي.
ولوحظ في الأيام الأخيرة أن عصابات المخدرات المكسيكية التي تتمتّع بنفوذ اجتماعي واسع وبسطوة أمنية في كثير من المناطق، تقوم بتوزيع المساعدات الغذائية على المواطنين، وتنشر على وسائل التواصل صوراً وفيديوهات لأفرادها يجولون في المناطق والأحياء الفقيرة مرتدين سترات تحمل أسماء المنظمات التي ينتمون إليها. كما شوهدت ابنة «تشابو»، زعيم أكبر وأعنف منظمة إجرامية في تاريخ المكسيك، التي سلّمته مؤخراً إلى الولايات المتحدة، توزّع المساعدات مع مجموعة من السيّدات يحملن شعار مؤسسة والده الخيرية وصورته. وكانت وسائل الإعلام قد تناقلت منذ أسبوع صوراً لرئيس الجمهورية، مانويل لوبير أوبرادور، يصافح والدة «تشابو» في سيّارتها خلال إحدى جولاته على المناطق.
الأرجنتين كانت من البلدان التي سارعت إلى فرض الحظر التام وإقفال الحدود في 20 من الشهر الماضي، عندما بلغ عدد الإصابات 128 وبدأ يتضاعف كل 3 أيام. ومن الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة منع الأرجنتينيين في الخارج من العودة إلى البلاد حتى نهاية الأزمة، وعدم السماح لمن تجاوزوا السبعين بالخروج من منازلهم في العاصمة إلا بإذن خاص، يقتصر على شراء المواد الغذائية وتنزيه الحيوانات الأليفة لفترة لا تتجاوز نصف ساعة. كما عمدت الحكومة إلى تكليف القوات المسلحة إقامة مستشفيات ميدانية بالقرب من العاصمة والمدن الكبرى لزيادة عدد الأسرة بنسبة 30 في المائة تحسبّاً لفترة الذروة المتوقعة أواخر الشهر الحالي.
وتواجه الأرجنتين جائحة «كوفيد 19» إحدى أصعب أزماتها الاقتصادية والمالية حيث طلبت مؤخراً من دائنيها شطب 5 في المائة من مجموع الدين و62 في المائة من الفوائد التي قالت الحكومة إنها غير قادرة على سدادها.
أوضاع السكّان الأصليين، الذي يشكّلون 9 في المائة من سكّان أميركا اللاتينية، تثير أيضاً قلقاً كبيراً، بعد أن وصل الوباء إليها وتأكدت عشرات الإصابات و5 وفّيات في الغابات الأمازونية، إحداها لشاب في الخامسة عشرة من عمره. ودعت منظمات دولية وإقليمية عدة إلى الإسراع في مساعدة هذه المجموعات على مواجهة الوباء، خاصة في المناطق النائية التي لا تتوفّر فيها خدمات صحّية، خشية كارثة قد تصل إلى الانقراض التام في بعض الحالات، كما قالت مسؤولة في المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية.
ومع تواصل نداءات الاستغاثة لمساعدة البلدان التي تعاني من عجز كبير في خدماتها الصحية، مثل غواتيمالا والسلفادور وهندوراس، التي أطلقت مرافقها الصحية صفارات الإنذار مع ازدياد عدد الإصابات، أو هاييتي التي ما زالت تجرّ أذيال الكوارث السابقة، مثل الزلزال والكوليرا، ولا يوجد أكثر من 11 جهازاً للتنفّس الاصطناعي في مستشفياتها، وجّهت مجموعة من الرؤساء السابقين في أميركا اللاتينية رسالة إلى صندوق النقد الدولي، يطلبون فيها مساعدات مالية كبيرة وعاجلة لدول المنطقة منعاً لكارثة اقتصادية واجتماعية وإنسانية تاريخية.
تأخر دول أميركا اللاتينية في اعتماد تدابير وقائية ينذر بتفشٍ واسع لـ{كوفيد ـ 19»
تأخر دول أميركا اللاتينية في اعتماد تدابير وقائية ينذر بتفشٍ واسع لـ{كوفيد ـ 19»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة