يعتقد مسؤولون إيرانيون أن ضحايا أحد الأخبار الزائفة (Fake News)، التي تتعلق بفيروس «كورونا» كانوا أكثر عدداً من هؤلاء الذين قتلتهم تداعيات الفيروس نفسه؛ وهو الأمر الذي دفع أحد مستشاري وزير الصحة للقول إن بلاده «تواجه وباء أخطر من (كورونا)... وهذا الوباء اسمه المعلومات الخاطئة».
بالفعل حدث ذلك، فقد نقلت وكالات الأنباء العالمية عن مسؤولين إيرانيين أن نحو 480 مواطناً فقدوا حياتهم جراء نصيحة تم تداولها بكثافة عبر وسائط الإعلام المختلفة؛ وهي النصيحة التي دعت إلى تعاطي «الميثانول» (كحول الميثيل) باعتباره علاجاً من الإصابة بالفيروس، وتم ترويجها بكثافة، وصدقها قطاع من الجمهور.
لقد رصدت السلطات زيادة كبيرة في عدد الوفيات والإصابات (ناهز ثلاثة آلاف إصابة) جراء تصديق نصيحة «الميثانول» والعمل بها، مقارنة بعدد الوفيات والإصابات التي سببها «كورونا» في الفترة الزمنية نفسها التي انتشرت فيها نصيحة العلاج بالكحول.
يعطينا المثل الإيراني صورة واضحة عن حجم الضرر الذي يمكن أن ينجم عن ترويج المعلومات الخاطئة عبر وسائل الإعلام المختلفة، وعن التكاليف الفادحة التي يمكن أن يدفعها الجمهور والجماعات والدول جراء استفحال تلك الظاهرة، بموازاة تفاقم تداعيات «كورونا».
لذلك، لم يكن غريباً أن تدرك منظمة الصحة العالمية هذا الخطر الكبير وأن تسعى إلى التحذير منه؛ حتى إن مدير المنظمة قال في شهر فبراير (شباط) الماضي، إن العالم يواجه وباءين؛ وباء «كورونا»... و«وباءً معلوماتياً» (Pandemic and Infodemic).
لا يعدم الباحث المدقق وسيلة لإدراك أن العالم يواجه بالفعل «وباء معلوماتياً» يضرب بعنف في ظل تفاقم تداعيات «أزمة كورونا»، ولكي يبدو الأمر أكثر وضوحاً، فثمة 13 في المائة مثلاً من الأميركيين الذين تم سؤالهم عن رؤيتهم للفيروس ومخاطره، في استطلاع نشرته «الإيكونوميست» الشهر الماضي، بالتعاون مع مؤسسة «يوغوف» لأبحاث السوق، أكدوا أن أزمة «كورونا» ليست سوى «أكذوبة».
لا يقتصر الوقوع ضحية للأخبار الكاذبة إذن على دول بعينها، تعرف أوضاعاً متردية في التعليم والتنمية ويعاني سكانها من تراجع الوعي والعيش رهن أنظمة معلوماتية وإعلامية تنتهج سبل التعتيم والإنكار وتفتقد التعدد والتنوع، ولكنه يمتد أيضاً ليشمل دولاً تُصنف بأنها عظمى، وتحتل مراكز متقدمة عادة في قوائم التنمية البشرية الموثوقة على مستوى العالم.
في أوضاع الغموض والخطر يتزعزع اليقين، ويعز حتى على بعض المثقفين والمستنيرين والمتعلمين تعليماً جيداً أن يحافظوا على توازنهم النفسي وثباتهم العقلي؛ وفي تلك الحالة تجد الأخبار الزائفة مجالها الأرحب وميدانها المختار.
يعتقد د. جايسون ماكنايت، الأستاذ المتخصص في الصحة العامة، بجامعة تكساس، أن «مشاركة المعلومات الخاطئة لها تأثير يتجاوز الخطر المباشر لفيروس (كورونا) نفسه»، لأن هذا التأثير لا ينحصر في إثارة الخوف والفزع فقط، ولكنه يدفع الناس إلى اتخاذ القرارات الخاطئة، التي عادة ما تكون لها آثار لا يمكن تداركها، مثلما حدث في المثال الإيراني.
في العالم العربي، انتشرت إفادات خاطئة وهزلية بخصوص التعاطي علاجياً مع مخاطر «كورونا»؛ وهي إفادات تراوحت للأسف بين النصح بشرب العسل، أو «الويسكي»، أو «الشلولو» (وجبة مصرية تقليدية قوامها الملوخية والثوم والليمون)، أو «الفول المدمس»، كما تداول أطباء وصيادلة وبعض المعروفين بالاستنارة أسماء أدوية بعينها، جازمين بأنها تعالج «كورونا»، في ممارسة اتخذت منحى «وبائياً» بكل أسف.
وكما فجر «كورونا» مشكلات كبيرة، فقد لمس أوجاعاً خطيرة أيضاً؛ وعلى رأسها هذا الوباء الذي لم يخترع العالم لقاحاً له بعد... وباء المعلومات.
وباء معلوماتي
وباء معلوماتي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة