فندق «البريستول» في بيروت يغلق أبوابه بسبب الأزمة الاقتصادية

انطلق منه أول تنظيم معارض للوجود السوري

فندق البريستول (أ.ف.ب)
فندق البريستول (أ.ف.ب)
TT

فندق «البريستول» في بيروت يغلق أبوابه بسبب الأزمة الاقتصادية

فندق البريستول (أ.ف.ب)
فندق البريستول (أ.ف.ب)

شكل إعلان فندق البريستول إقفال أبوابه نهائياً، صدمة اقتصادية واجتماعية، مع خسارة 120 موظفاً مصدر رزقهم، وخسارة بيروت صفحة من أيام عزها وازدهارها، فضلاً عن إقفال صفحة سياسية في تاريخ لبنان الحديث، تمثلت في أول معارضة منظمة ضد الوجود السوري في لبنان ظهرت في «إعلان البريستول» قبيل اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وضمت شخصيات سياسية انضوت فيما بعد في «قوى 14 آذار».
ويقول المدير العام للفندق جوزيف كوبا لـ«الشرق الأوسط» إن «سبب الإقفال يعود إلى تردي الأوضاع الاقتصادية العامة في لبنان، التي انعكست على قطاع الفنادق، بحيث تدنت نسبة الإشغال إلى أقل من 10 في المائة. وكنا نعاني منذ الصيف الماضي، وحاولنا تخفيض نفقاتنا مع بداية الأزمة المالية، ومن ثم الخسائر التي نتجت عن الحراك الشعبي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لتأتي الإجراءات المرافقة لانتشار فيروس (كورونا) وتقضي على أي قدرة للفندق على الصمود».
وعدا المؤشر الاقتصادي الذي ينذر بانهيار القطاع السياحي، يحمل قرار إقفال «البريستول» وجعاً معنوياً لفئات واسعة من اللبنانيين وتحديداً أهالي المنطقة المحيطة به، وكذلك أهل الصحافة والسياسة. فالفندق العريق الذي كان يربض على تلة «رأس بيروت» متباهياً بنجومه الخمسة، افتتح عام 1951، وحمل بصمة المهندس المعماري الفرنسي جان دي رويير. واستضاف مشاهير السياسة والفكر والفن العرب والأجانب، منهم الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وملك الأردن الراحل الملك حسين، والأميرة دينا بنت عبد الحميد، وألبرت الثاني أمير موناكو، ومحمد رضا بهلوي شاه إيران الراحل، وثريا اسفندياري بختياري أميرة إيران الراحلة، والرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك، والشاعر الكبير نزار قباني وغيرهم.
وتميز الفندق بأول حلبة للتزلج على الجليد في لبنان، التي تحولت إلى مستشفى ميداني لمنظمة «الصليب الأحمر» خلال الحرب اللبنانية.
وقبل الحرب وبعدها، ارتبط «البريستول» بذكريات عدد كبير من العائلات اللبنانية والعربية، كما ارتبط بأحداث سياسية مفصلية خلال فترة الحرب اللبنانية.
ويقول الصحافي اللبناني نجيب خزاقة لـ«الشرق الأوسط» إنه «كان يرابض في (البريستول) منذ بداية الحرب اللبنانية، وكان المقهى تحت الأرض، ملتقى النخب السياسية والسفراء والصحافيين. وتوفرت فيه حتى في أصعب الظروف كل الخدمات الضرورية. وشهد (الطبخات) الحكومية والرئاسية. وخلال الاجتياح الإسرائيلي في عام 1982 وجلسة انتخاب الرئيس الراحل بشير الجميل، اجتمع النواب الذين كانوا يمثلون الخط السياسي المعارض للجميل في إحدى قاعاته، وتابعوا عبر الشاشة مجريات للجلسة، ومن بينهم الرئيس حسين الحسيني، والنائب حسن الرفاعي، والنائب وليد جنبلاط».
ومعروف أن اسم «البريستول» ارتبط بالتحرك الأشهر ضد الوصاية السورية على لبنان بعد عام 2000، كما تقول الإعلامية ربى كبارة لـ«الشرق الأوسط»، مضيفة أن رمزية «الفندق تلاشت مع إقفاله. وتحديداً ارتباط اسمه بحركة (قرنة شهوان) التي كانت تنادي بالخروج السوري من لبنان، عندما قررت التوسع إلى غرب بيروت لتستقطب الرئيس الشهيد رفيق الحريري والنائب وليد جنبلاط.
وكانت بدايات انفتاح الحريري على هذا الخط السياسي الذي كان يرعاه البطريرك الماروني الراحل نصر الله صفير. فأرسل الحريري ممثلاً له إلى اجتماعاتها، هو الوزير السابق غطاس خوري. وذلك قبيل اغتياله بفترة قصيرة».


مقالات ذات صلة

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».