أربع أولويات لاستراتيجية عالمية في مواجهة الوباء

أربع أولويات لاستراتيجية عالمية في مواجهة الوباء
TT

أربع أولويات لاستراتيجية عالمية في مواجهة الوباء

أربع أولويات لاستراتيجية عالمية في مواجهة الوباء

تعامل العالم بصورة عشوائية لا تتسم بالتنسيق في بداية مواجهة وباء «كورونا» الجديد، مع تجاهل كثير من البلدان إشارات التحذير المهمة، وانطلقت كل دولة تواجه الأزمة بمفردها. وصار من الواضح الآن أن السبيل الوحيد الممكن هو التآزر سوياً لمواجهة الجائحة.
ويضفي التناقض الصارخ بين شوارع وساحات أوروبا الخالية والصامتة، وبين الواقع المضطرب للغاية في عديد من المستشفيات مزيداً من الآلام والأوجاع على قلوبنا جميعاً. لقد أخذ وباء «كورونا» العالم بأسره، وليس أوروبا فقط، على حين غرة، في صدمة سريعة ومريعة. ومن الواضح الآن أن الوباء الجديد يعتزم – أو هو فعلاً – يعيد تشكيل وجه العالم الذي نعيش فيه. ولكن ذلك يتوقف على نوع الاختيارات التي نتخذها جميعاً اليوم.
ينبغي علينا النظر إلى فيروس «كورونا» من زاوية أنه العدو العالمي المشترك. برغم أنها ليست حرباً مفتوحة بالمعنى المعروف، فإننا في حاجة ماسة إلى تعبئة الموارد كما نفعل في زمن الحرب.
لكن في أوقات الأزمات، تتحرك غرائزنا للتفكير الذاتي والمحاولات الأولى للدفاع عن النفس. وهذه الاستجابة برغم أنها قابلة للفهم، فإنها تعد من قبيل الانهزام الذاتي. فالمواجهة والاستجابة الفردية لا تضمن إلا إطالة أمد القتال مع ارتفاع التكاليف البشرية والاقتصادية لمستويات هائلة غير مسبوقة. وبرغم أن العدو الخفي الجديد أثار مكامن النزعات القومية لدى البعض، فإننا لا يمكننا هزيمته إلا بالتنسيق المشترك عبر الحدود داخل أوروبا وخارجها.
عليه، نحن في حاجة إلى صياغة منهج دولي مشترك لمكافحة الوباء، ومد يد العون للفئات الأكثر ضعفاً من الناس، وليس أقلها البلدان النامية ومختلف مناطق الصراع. ولقد شددتُ على هذه النقطة في معرض المناقشات الأخيرة مع وزراء خارجية مجموعة السبع الكبرى، وعديد من المسؤولين البارزين الآخرين. ويتعين على الاتحاد الأوروبي أن يكون جزءاً لا يتجزأ من تلك الجهود المتضافرة.
لقد حان الوقت لإظهار أن التضامن ليس مجرد عبارات جوفاء. ومن حسن الحظ أن تلك الجهود باتت ملاحظة ومشهودة في مختلف أرجاء أوروبا، إذ ترسل فرنسا والنمسا أكثر من 3 ملايين قناع واقٍ إلى إيطاليا، وتستقبل ألمانيا وتعالج المرضى القادمين من فرنسا وإيطاليا. وبعد مرور المرحلة الأولى من القرارات الوطنية المختلفة، ندخل الآن إلى مرحلة التقارب التي يحتل الاتحاد الأوروبي فيها صدارة المشهد الدولي في مواجهة الوباء.
ومن جانبها، تعزز المنظمة الدولية من القرارات الهادفة لتسهيل الشراء المشترك للمعدات الطبية الحيوية، والتحفيز الاقتصادي المشترك، والجهود القنصلية المنسقة لإعادة مواطني الاتحاد الأوروبي الذين انقطعت بهم السبل أثناء الوباء في بلدان أخرى. وبعد اجتماع افتراضي للمجلس الأوروبي، وافق زعماء الاتحاد الأوروبي على تكثيف الجهود المشتركة، على الأقل من خلال تطوير نظام أوروبي جديد لإدارة الأزمات، مع صياغة الاستراتيجية المشتركة لمواجهة وباء «كورونا».
ولا يمكن اعتبار أزمة وباء «كورونا» معركة بين الدول أو الأنظمة. فعبر مراحل الوباء المختلفة، هناك مساعدات متبادلة بين الاتحاد الأوروبي والصين وبلدان أخرى، مما يدل على الدعم والتضامن المتبادل بين مختلف الأطراف المعنية. ولقد دعم الاتحاد الأوروبي الصين أول الأمر مع ظهور بوادر الوباء في بداية العام الجاري، وترسل الصين الآن المعدات الطبية والأطباء لمساعدة البلدان المتضررة في مختلف أرجاء العالم.
وتلك من الأمثلة الواضحة على التضامن الدولي والتعاون في زمن الأزمات. ونحتاج لمثل هذه التصرفات المشرفة أن تتحول إلى قاعدة معتمدة وألا تكون استثناء مؤقتاً. ومن سبل التفكير والتأمل في جائحة «كورونا» الراهنة أنها تساعد على تسريع التاريخ. وبصرف النظر عن التغييرات، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يبقى عنصراً موحداً للجميع، من خلال تعزيز الجهود المشتركة، بالتعاون مع الصين والولايات المتحدة في مواجهة الوباء، والتعامل مع تداعياته وعواقبه. ولا يمكن لمجموعة العشرين ومنظمة الأمم المتحدة تحقيق الفارق الحقيقي في واقع الأحداث إلا من خلال تضافر جهود تلك القوى العالمية الثلاث التي تتحرك على المسار نفسه وصوب الاتجاه نفسه.
وبالإضافة إلى التنسيق الدولي بين مختلف الحكومات، لا بد من تعزيز التعاون اللازم بين العلماء، وخبراء الاقتصاد، وصناع السياسات حول العالم، سواء بسواء. نذكر أنه خلال الأزمة المالية العالمية لعام 2008، اضطلعت مجموعة العشرين بدور محوري وكبير في إنقاذ الاقتصاد العالمي من الانهيار، عندما كان على مشارف السقوط المدوي. والجائحة الراهنة هي من الضرورات الملحة والشديدة لتلعب القيادة العالمية الدور القديم نفسه.
هناك أربع أولويات رئيسية للتعاون بين الدول:
أولاً: لا بد من ضخ الموارد اللازمة لأجل إنتاج العلاجات واللقاحات الجديدة، والتي يلزم تصنيفها تحت فئة المنفعة الدولية العامة.
ثانياً: نحن بحاجة إلى الحد من الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الوباء، من خلال تنسيق تدابير التحفيز المالي والنقدي، مع حماية تجارة السلع والبضائع على الصعيد العالمي.
ثالثاً: لا بد من وضع الخطط لإعادة فتح الحدود بطريقة منسقة، كلما منحت السلطات الصحية الضوء الأخضر بذلك.
وأخيراً: يتعين علينا التعاون والتنسيق، لمكافحة حملات التضليل على مختلف الوسائل والمنصات والمنافذ.
تصب نتائج قمة مجموعة العشرين الافتراضية الأخيرة في هذا الاتجاه. غير أن المبادرات العالمية والمتعددة الأطراف في حاجة إلى الاستمرار والتنفيذ الكامل، خلال الأسابيع المقبلة.
وفي ظل الانتشار العالمي للفيروس، فإننا في حاجة إلى إيلاء الاهتمام الخاص لتأثيره المتزايد على البلدان الضعيفة؛ حيث يهدد الوباء بتفاقم الأزمات الأمنية. فلقد عانى ملايين المواطنين بالفعل من امتداد سنوات الصراعات المسلحة في كل من سوريا واليمن وفلسطين وأفغانستان. وتصوروا ما يمكن أن يحدث هناك إذا ما استتبع ذلك انتشار الوباء الجديد داخل مخيمات اللاجئين في تلك المناطق؛ حيث تعاني خدمات الصرف الصحي والخدمات الصحية من الإنهاك الشديد، ويكافح عمال الإغاثة الإنسانية من أجل توفير الحد الأدنى من المساعدات الممكنة.
ثم هناك القارة الأفريقية ذات الأهمية القصوى. وفقاً للأوبئة التي ضربت أفريقيا – مثل «إيبولا» وغيره من الأمراض الأخرى – بين عامي 2014 و2016، تملك البلدان الأفريقية المعنية قدراً معتبراً من الخبرات في التعامل مع الأوبئة الواسعة الانتشار، بأكثر مما هو متاح لدى البلدان الأوروبية في الأزمة الراهنة. غير أن أنظمة الرعاية الصحية لا تزال ضعيفة لدى مختلف بلدان القارة الأفريقية، مع ارتفاع عدد المصابين بفيروس «كورونا».
وفي كثير من البلدان النامية، ليس أمام كثير من الناس من خيار سوى الخروج بصورة يومية لكسب العيش في الاقتصاد غير الرسمي. والأسوأ من ذلك، أن غسل اليدين والتباعد الاجتماعي هما أكثر صعوبة في هذه البلدان، نظراً لضعف المتاح من المياه الجارية بصفة دائمة، فضلاً عن ميل الأسر إلى العيش في أماكن ضيقة.
وتحتاج مثل هذه المعركة إلى التمويل المستمر. وتعتمد البلدان النامية بصورة حيوية على ثلاثة مصادر من التمويل: الاستثمارات الأجنبية، والتحويلات المالية الخارجية، والسياحة. ولقد تعرضت المصادر الثلاثة حالياً لصدمات قوية. وعلى الصعيد العالمي، انخفض تدفق رؤوس الأموال بشكل كبير، مع فرار المستثمرين إلى الملاذات الآمنة، وفقدان العمالة المهاجرة للوظائف، لدرجة صعوبة إرسال الأموال بصورة طبيعية إلى الوطن.
إننا نواجه حالة شديدة من الركود العالمي. ولكي نتفادى حدوث الانهيار الاقتصادي في البلدان النامية، لا بد من توفير الدعم المالي الكبير مع خطوط الائتمان المتاحة وفي أقرب فرصة ممكنة. ويعتبر التنسيق بين البنوك المركزية والمؤسسات المالية الدولية هو السبيل الوحيد المتاح والقابل للتطبيق خلال الأيام المقبلة.
وأخيراً، في خضم الكآبة والمآسي الراهنة، هناك فرصة سانحة لإنهاء الصراعات التي طال أمدها. ووردت بعض الإشارات الإيجابية في هذا الصدد بشأن التعاون بين مختلف الأطراف المتصارعة. على سبيل المثال، أرسلت دولتا الإمارات والكويت المساعدات العاجلة إلى إيران، والتي طالتها الأضرار جراء تفشي الوباء بين مواطنيها. ولا يستطيع أحد تحمل شن الحروب المتعددة في الوقت نفسه. وكما قال أنطونيو غوتيريش، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، إنه ينبغي علينا استغلال الأزمة الراهنة في تعزيز فرص استعادة السلام.
تعامل العالم المعاصر مع الأزمة الراهنة بصورة غير تعاونية ولا منسقة في بادئ الأمر، إذ تجاهل عديد من البلدان إشارات التحذير المهمة، وانطلقت تلك البلدان تتعامل بمفردها وبمعزل عن الآخرين. وبات من الواضح أن المخرج الوحيد من هذا النفق المظلم لن يكون إلا بتضافر الجهود العالمية الموحدة.
- منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي
(المقال نشر في موقع Project Syndicate)


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

حالة تأهب مع وصول الإعصار «شيدو» إلى أرخبيل مايوت الفرنسي

بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
TT

حالة تأهب مع وصول الإعصار «شيدو» إلى أرخبيل مايوت الفرنسي

بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)

ضرب الإعصار «شيدو» صباح اليوم السبت أرخبيل مايوت الفرنسي في المحيط الهندي حيث أُعلنت حالة التأهب القصوى مع توقع اشتداد الرياح المصاحبة له والتي تجاوزت سرعتها 180 كيلومترا في الساعة.

وضرب الإعصار جزيرة بوتيت تير في شرق الأرخبيل حيث يخشى أن تصل سرعة الرياح «إلى 200 و230 كلم/ساعة»، بحسب آخر نشرة للأرصاد الجوية الفرنسية، متوقعة رياحا مدمرة أشد من تلك التي صاحبت الإعصار «كاميسي» عام 1984.

وتسببت الرياح بانقطاع الكهرباء مع سقوط أعمدة كهرباء واقتلاع أشجار وتطاير أسقف منازل مصنوعة من الصفيح.

غيوم في سماء مايوت (أ.ف.ب)

وفي مدينة أوانغاني، قال رئيس البلدية يوسف أمبدي إنه يخشى «الأسوأ... لا يمكننا الخروج ولكن ما نشاهده يفوق الوصف».

ومنذ الصباح الباكر، أصدرت السلطات تحذيرا أرجوانيا وهو ما يعني لزوم جميع السكان منازلهم وعدم الخروج بما يشمل أجهزة الطوارئ والأمن وجميع عناصر الإنقاذ.

وقالت فاطمة التي تعيش في ماجيكافو-كوروبا وما زالت تذكر الإعصار الذي ضرب جزر القمر المجاورة عندما كانت طفلة «نحن خائفون جدا».

وتوقعت هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية أمطارا شديدة الغزارة مع خطر تشكل السيول والفيضانات وارتفاع أمواج البحر التي يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على الساحل.

وحُظرت حركة المرور على الطرق العامة في جزيرتي غراند تير وبوتيت تير، وأغلق مطار دزاوودزي منذ مساء الجمعة.

ويتوقع خبراء الأرصاد الجوية الفرنسية تحسنا في الأحوال الجوية خلال اليوم، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.