موقع عسكري يفضح «نشاطاً جوياً تركياً» لنقل السلاح والجنود إلى ليبيا

مطالبة برفع الحصانة عن نائب بعد كشفه مقتل عناصر مخابرات

TT

موقع عسكري يفضح «نشاطاً جوياً تركياً» لنقل السلاح والجنود إلى ليبيا

كشف موقع «إيتاميل رادار» التركي، المتخصص في رصد الرحلات الجوية العسكرية، عن نشاط جوي تركي مكثف فوق شرق البحر المتوسط، تزامناً مع إعلان وزارة الدفاع التركية، أول من أمس، أن سفنها وطائراتها الحربية تنفذ أنشطة تدريبية في البحر المتوسط.
وذكر الموقع في تقرير موثق بالصور أنه تم رصد 3 طائرات تركية، وهي في طريقها إلى غرب ليبيا، واصفاً العملية الجوية بـ«المهمة الضخمة». وأرفق تغريدات لحسابات تتبع على «تويتر»، رجحت أن تكون هذه الرحلات خاصة بنقل مقاتلين أو أسلحة من تركيا إلى ليبيا.
وكانت وزارة الدفاع التركية قد أعلنت في بيان مقتضب عبر «تويتر»، أول من أمس، عن تنفيذ تدريبات لقواتها الجوية في البحر المتوسط، قائلة إن طائرات القوات الجوية التركية «تقوم بأنشطة تدريبية مع السفن الحربية التركية في البحر المتوسط».
وسبق أن أعلنت الوزارة، السبت قبل الماضي، عن تنفيذ تدريبات قصف بالطوربيد على أهداف مفترضة في البحر المتوسط، وقالت إن الغواصتين «تي جي جي بوراك رئيس»، و«تي جي جي جور» أجرتا بنجاح تدريبات قصف بالطوربيد في البحر المتوسط، وأطلقتا طوربيدات على أهداف مفترضة لأغراض تدريبية، دون مزيد من التفاصيل.
في سياق متصل، طالبت النيابة العامة من البرلمان التركي رفع الحصانة عن النائب من حزب «الجيد» المعارض، أوميت أوزداغ، للتحقيق معه تمهيدا لمحاكمته بتهمة إفشاء معلومات حول مقتل عناصر من المخابرات التركية في ليبيا، بعد أن سبق اعتقال 6 صحافيين، ورفع الحصانة عن نائب آخر من حزب الشعب الجمهوري، للسبب ذاته.
وأرجعت النيابة العامة في طلبها، الذي أرسلته إلى البرلمان لرفع الحصانة عن النائب أوزداغ، إلى تعديه على قانون جهاز المخابرات، بعد أن عقد مؤتمرا صحافيا بمقر البرلمان في فبراير (شباط) الماضي كشف خلاله للصحافيين عن معلومات تفيد بمقتل عناصر من المخابرات التركية في العمليات العسكرية بليبيا.
وكانت السلطات التركية قد اعتقلت 6 صحافيين، وطالبت برفع الحصانة عن عدد من نواب البرلمان، فيما تعرض سياسيون آخرون للاستجواب والتحقيق، أو العزل من مناصبهم، بسبب نشر تقارير أو تدوينات حول القتلى الأتراك في ليبيا. كما اعتقلت قوات الأمن التركية باريش تورك أوغلو، مدير الأخبار في موقع «أودا تي» الإخباري، ومراسلة الموقع هوليا كيلينتش، بعدما نشرا أنباء عن مقتل عناصر تابعة للمخابرات التركية في ليبيا، ونقلهم إلى تركيا ودفنهم سرا. كما تم اعتقال رئيس تحرير الموقع باريش بهلوان بعد أن تحدث علانية عن هذه القضية، ثم قررت محكمة تركية حجب الموقع.
كما شملت الاعتقالات بسبب تقارير عن جنازات العسكريين القادمين في نعوش من ليبيا، الكاتب في صحيفة «يني تشاغ» مراد أجيرال، ومدير الأخبار في صحيفة «يني يشام» آي الدين قيصر، ورئيس تحريرها فرحات تشيليك.
ونشر أجيرال، وهو كاتب عمود في صحيفة «يني تشاغ»، والخبير الأمني عبد الله أجار هويات وصور بعض الأتراك، الذين قتلوا في ليبيا. واُكتشف فيما بعد أن القتلى على صلة بجهاز المخابرات التركية، وأنهم أرسلوا إلى ليبيا ضمن الخبراء والعسكريين، بموجب اتفاق للتعاون العسكري مع حكومة الوفاق الوطني، برئاسة فائز السراج.
من جانبه، كشف النائب أوميت أوزداغ أن هؤلاء القتلى دفنوا دون القيام بالمراسم المعتادة التي تقام للجنود الذين يقتلون في المعارك، والذين تنظم لهم جنازات رسمية. وتحرك الادعاء العام لاتخاذ إجراءات بحق من تناولوا هذا الموضوع، عندما قالت وسائل الإعلام القريبة من حكومة إردوغان إن التقارير انتهكت قانوناً يحظر الكشف عن هوية عملاء المخابرات.
وكان إردوغان اعترف في فبراير (شباط) الماضي بوقوع قتلى من بين العسكريين الأتراك في ليبيا، لافتا إلى مقتل اثنين فقط. بينما قالت المعارضة ومنتقدون للحكومة إنه يتم إخفاء العدد الحقيقي للجنود وأفراد الأمن الذين قتلوا في ليبيا.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.