من الناحية السياسية والدستورية، لا شيء يمنع الرئيس الأميركي دونالد ترمب من التعبير عن «رغبته» في إعادة فتح الاقتصاد الأميركي والبلاد تدريجياً. لكنه قرر عدم خوض مواجهة مع حكام الولايات الأميركية لتنفيذ رغبته هذه، بعدما رأى أن معركته قد تكون خاسرة معهم. وبدلاً من ذلك، قرر «التدرج والتنسيق»، وإشراكهم في تحمّل جزء من المسؤولية. قرار التعجيل في فتح 29 ولاية على الأقل، بدءاً من الجمعة، كان واضحاً أنه نتيجة «اصطفاف» الديمقراطيين المبكر غير المسبوق خلف مرشحهم جو بايدن، ما قرع لدى ترمب جرساً عالياً أجبره على اتخاذ قرار التعجيل بإعادة كسب ثقة الأميركيين.
فالاقتصاد كان -ولا يزال وسيبقى- هو المقياس الذي يجلب الناخب الأميركي. لكن من هو هذا الناخب الذي يتقاتل على كسبه الجمهوريون والديمقراطيون؟
الجميع يدرك أن جمهور ترمب لن ينفض عنه، بل يواكبه منذ نحو أسبوع بمظاهرات، بعضها لميليشيات مسلحة من البيض تشكل عصب قاعدته المتشددة في بعض الولايات -ولو كانت ديمقراطية- كولاية ميتشغان، تدعو إلى إعادة فتح البلاد.
الديمقراطيون، من جهتهم، يعلمون أن قاعدتهم لن تنفض عنهم. لكن وحدة رموز وممثلي وقيادات الحزب المبكرة خلف بايدن خلقت دينامية جديدة حرمت ترمب من استخدام انقسام الكتلة الأكثر ليبرالية وتقدمية عن مؤسسة الحزب المعتدلة في إثارة التناقضات، والنجاح في استمالة أجزاء من قاعدتها للتصويت له، كما جرى عام 2016، بعد امتناع ساندرز عن تأييد كلينتون إلى ما قبل أسبوعين من مؤتمر الحزب.
الرهان إذن هو على أصوات المستقلين الذين لا يحمّلون ترمب مسؤولية تراجع الاقتصاد، وتصاعد البطالة، حيث كانت الأرقام قبل أزمة الوباء واعدة إيجابية.
وحتى الانتقاد الذي طال استجابة إدارته للتصدي للوباء، أمكن تحويله إلى «وجهة نظر»، بعدما نجح ترمب في تحويل النقاش عن دور الصين ومنظمة الصحة العالمية إلى قضية رأي عام داخل أميركا.
ويراهن ترمب على أن الاستعادة السريعة المتدرجة لتجديد انطلاقة أكبر اقتصاد في العالم ستمكنه من النجاة من تحميله مسؤولية الركود الاقتصادي المتوقع.
وغني عن القول أن «آراء الخبراء» وتوقعاتهم المتشائمة المتضخمة دوماً قد لا تكون صحيحة، كما هي العادة، في توقع حجم الخسائر، وتراجع النمو، والمدة التي يحتاج إليها العالم لاستعادة عافيته.
لذلك يستميت ترمب في تسريع عجلة فتح البلاد لاستغلال شعبيته التي لا تزال نسبتها جيدة في أوساط المستقلين، رغم تراجعها الطفيف عمّا كانت عليه قبل تفشي فيروس كورونا.
وأغلب الظن أن التركيز سيتم على الولايات التي أعطت بعضها ترمب التقدم في انتخابات 2016، كبنسلفانيا وميتشغان ووسكنسن ونورث كارولينا وأوهايو، لأن إطالة الإغلاق ستدمر فعلياً حظوظه في الفوز بولاية رئاسية ثانية.
لذلك لا يزال الاعتقاد أن حظوظ ترمب في الفوز بانتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل تبقى مرتفعة، رغم تقديرات أخرى معاكسة.
فحظوظ الديمقراطيين في هزيمته لا تزال على حالها، رغم «وحدة الحزب» الشكلية الراهنة. والمشكلة أن قراءة ردود الفعل على وباء كورونا لم تأخذ في الاعتبار أن دول العالم واجهته بشكل منعزل بعضها عن بعض، وهو ما يعد النتيجة الطبيعية لانتشار الخطاب الشعبوي في العالم.
ومع شعار «الصين أولاً، وفرنسا أو ألمانيا أو أميركا أولاً»، أو غيرها، ينبغي التذكير مجدداً بأزمة الديمقراطية، وعلاقات نظمها السياسية بعضها ببعض، خصوصاً أن الوباء سيضاعف بشكل «طبيعي» من حجم «الانعزالية».
ديمقراطيو أميركا قد يكونون تمكنوا من توحيد قاعدتهم، لكنهم لم يقدموا حلولاً، ولا برنامجاً، ولا شخصية ذات كاريزما قادرة على استقطاب المستقلين والمعتدلين الجمهوريين إلى جانبهم.
ترمب لا يزال قادراً على الفوز بالرئاسة
على رغم «اصطفاف» الديمقراطيين خلف بايدن

ترمب لا يزال قادراً على الفوز بالرئاسة

لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة