«كوفيد ـ 19» قد يعيد التفكير في اقتصاد السوق

اشتداد الأزمة ربما يدعم اليمين المتشدد ومدارس أخرى للاقتصاد

متسوقون في سوق بالعاصمة الإيطالية روما أمس (إ.ب.ا)
متسوقون في سوق بالعاصمة الإيطالية روما أمس (إ.ب.ا)
TT

«كوفيد ـ 19» قد يعيد التفكير في اقتصاد السوق

متسوقون في سوق بالعاصمة الإيطالية روما أمس (إ.ب.ا)
متسوقون في سوق بالعاصمة الإيطالية روما أمس (إ.ب.ا)

في الوقت الذي ازداد فيه تفشي فيروس كورونا، حول العالم، ضارباً خططاً حكومية ودولية في مقتل، اتجهت الأنظار حيناً إلى قوة الاقتصادات أولاً وكيف يمكن الاستناد عليها وقت الأزمات، إلا أن ظهور أول 2000 حالة وفيات وإصابة بكوفيد 19، كان كفيلاً بإظهار الجانب الخفي لاقتصاد السوق.
تكالب المواطنون على الأسواق للشراء والتخزين، وسط محاولات حثيثة من الحكومات لتوفير المستلزمات الأولية، لفترة غير محددة، وطبع الأموال محلياً لتوفير الأموال، أمام مخاوف من انتهاء السلع، مما قد يجعل المعروض أمام الطلب بنسبة واحد إلى 100، وهو ما يرفع معدل التضخم إلى مستويات فنزويلا، (نحو 10 آلاف في المائة رسمياً في 2019 و200 ألف في المائة وفقاً لتوقعات صندوق النقد).
مع محاولات من بعض التجار ورجال الأعمال لإخفاء سلع معينة للاتجار بها وقت اشتداد الأزمة، مما رفع الأسعار وزاد الطلب. كل هذا وسط اختفاء تام لمظاهر العولمة، (وقف الطيران وإغلاق عالمي ومحلي أيضاً) مما قد يعيد التفكير في اقتصاد السوق، الذي يفقد جزءاً رئيسياً منه بتأميم الدولة لشركات ومؤسسات، وهو ما يحدث حالياً، في معظم الدول المتقدمة، التي تنادي باقتصاد السوق.
وصحيح أن أي ظروف استثنائية يجب التعامل معها بإجراءات استثنائية، فإن الإغلاقات الحالية في معظم دول العالم أكدت أن الحاجة إلى العولمة تقل أمام ظرف واقعي قد يطول أمده. ولا يغيب عن المشهد العام ما تمر به إيطاليا، التي تواجه أسوأ ركود منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما من شأنه تعزيز اليمين المتشدد.
رئيس البرلمان الألماني فولفجانج شويبله، قال أمس، إن أزمة كورونا سيكون لها عواقب اجتماعية واسعة المدى. وأوضح في تصريحات لصحيفة «أوجسبورجر ألجماينه» الألمانية الصادرة أمس السبت: «يتعين علينا إعادة تعريف العلاقة بين اقتصاد السوق والتنظيم الحكومي... لقد اهتز يقيننا بشدة في أن كل شيء سيسير على ما يرام بطريقة أو بأخرى... علينا التفكير الآن فيما إذا كان ذلك له علاقة بأننا بالغنا في تقدير كثير من الأمور». وكان الاقتصاد العالمي يتشابك أكثر فأكثر، من خلال دعوات دولية وحكومية ومؤسسات مالية، للتكامل الاقتصادي أحياناً، وتبادي المصالح أحياناً أخرى، وهو ما انتشر بشكل واسع تحت مسمى (العولمة).
غير أن شويبله ذكر أن الأزمة تكشف مشكلة التشابك العالمي، وقال: «العولمة تعني للأسف أيضاً تغير المناخ وانقراض الأنواع»، موضحاً أن الأمر لا يتعلق بتوقف آليات اقتصاد السوق، «لكن لا بد من إعادة تقييم الإطار الذي نتحرك فيه».
وإذا ما قررت الدول الإغلاق الحر، وليس إجباراً بسبب كورونا، فإن الاقتصاد العالمي سيشهد بالكاد، ظهور مدارس جديدة للاقتصاد، تحاول فرض سيطرتها من خلال تسويق نقاط قوتها، ما قد ينتج عنه حرب أسعار في السلع واتفاقات تجارية جديدة.
ومن هنا، قال رئيس البرلمان الألماني، إنه يتعين أيضاً إعادة هيكلة السوق الداخلية الحرة وحركة السياحة في أوروبا في أسرع وقت ممكن، بالإضافة إلى مراعاة عدم إلحاق أضرار إضافية بالاقتصاد عبر الرقابة المستمرة على الحدود في وقت تحتاج فيه أوروبا على نحو مُلح إلى تحسين قدرتها على التصرف.
واقتصاد السوق، الذي يخضع للعرض والطلب، لا يمكن العمل به كلية وقت الأزمات، وهو ما قد يأخذ البعض في ربطه بمحاولات الحكومات بفتح اقتصاد من جديد، حتى مع استمرار انتشار فيروس كورونا.
ويقفز على السطح هنا، أزمة الديون، التي ستتطلب وقتاً وإعادة هيكلة في أدوات الدين الحكومية لكل دولة، حتى تستطيع جدولة هذه الديون، فيما بعد. وسط إجراءات محمودة بإلغاء ديون دول فقيرة، أو تأجيلها وعدم احتساب فوائد عليها.
- محاولات فتح الاقتصاد
بينما أعلنت ألمانيا والسويد والدنمارك عن مواعيد لفتح تدريجي للاقتصاد من جديد، وإعادة دورة العمل، قرر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التصدي لإجراءات العزل، فيما باتت بلاده من كبرى دول بؤر الفيروس في العالم. فيما لا يزال أكثر من نصف سكان العالم في منازلهم بهدف الحد من انتشار الفيروس التاجي المستجد.
وقال ترمب على «تويتر»: «حرروا مينيسوتا!»، «حرروا ميشيغان!» و«حرروا فرجينيا!» فيما يستعد ناشطون، في هذه الولايات إلى تحدي قرارات العزل الخاصة بكل ولاية. وهذه الولايات الثلاث يحكمها ديمقراطيون أمروا السكان بالبقاء في منازلهم.
في الأثناء حذر صندوق النقد الدولي من أن قادة العالم يواجهون تحدياً مزدوجاً: سواء كان صحياً واقتصادياً مع ركود غير مسبوق منذ 1929 يلوح في الأفق. وبسبب عدم وجود إجراءات حماية اجتماعية، اضطر ملايين الأميركيين إلى اللجوء إلى البنوك الغذائية. واعتبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أنه لا يزال يتعين تأمين 44 مليار دولار لتمويل حملة مكافحة الأزمة الصحية والاقتصادية في أفريقيا. وفي أوروبا، بدأت بعض الدول تخفيف إجراءات العزل بحذر مثل النمسا أو الدنمارك. وأعلنت ألمانيا أن كورونا «تحت السيطرة» في البلاد، وبدت بذلك أكبر دولة أوروبية تدير الأزمة الصحية بأفضل شكل.
- خسائر فادحة
تكون الخسائر السمة الغالبة وقت الأزمات، خصوصاً قطاع الاستثمار، وتحديداً الأسهم، فقد تكبدت صناديق الثروة السيادية الأضخم في العالم خسائر بنحو 67 مليار دولار منذ بداية العام بفعل تأثير أزمة فيروس كورونا على حيازات رئيسية لها.
جاء جزء كبير من ذلك، حوالي 40 مليار دولار، من حصص في حوزة وحدة لمؤسسة الصين للاستثمار في مؤسسات مالية صينية مثل: بنك الصين للإنشاء والبنك الصناعي والتجاري الصيني وبنك الصين والبنك الزراعي الصيني، وفقاً لحسابات أجراها خافيير كابابي، مدير أبحاث الثروات السيادية لدى مركز «آي إي» لحوكمة التغيير.
حلل كابابي بيانات من 15 صندوقاً مختلفاً باستثمارات أولية تزيد على المليار دولار لتقدير الخسائر غير المحققة. وقال: «بعض الحصص الكبيرة اشتريت أثناء الأزمة المالية العالمية، وتلك الحصص في بنوك أوروبية مثل باركليز وكريدي سويس كانت تعاني».
اشترى جهاز قطر للاستثمار في كريدي سويس خلال 2008 ويحوز حاليا حصة تبلغ 5.21 في المائة، في حين يملك الصندوق النرويجي 4.98 في المائة، ويحوز الجهاز القطري 5.87 في المائة في باركليز، وفقا لبيانات رفينيتيف. وتملك تماسيك القابضة السنغافورية 16 في المائة في ستاندرد تشارترد، وهو استثمار بدأته في 2006 قبل الأزمة المالية.
وأسهم البنوك الثلاثة منخفضة بين 39 و49 في المائة منذ بداية السنة.
كان معهد التمويل الدولي قال في تقديرات له الشهر الماضي إن صناديق الثروة السيادية الخليجية قد تشهد أصولها انخفاضاً بمقدار 296 مليار دولار بنهاية العام الحالي، في خسائر سيأتي معظمها من تراجعات سوق الأسهم والبقية من تخارجات تقوم بها الحكومات التي تشتد حاجتها إلى السيولة.
ورغم ذلك، ما زال بعض الصناديق يبحث عن صفقات. فقد كون صندوق الاستثمارات العامة السعودي حصصاً في أربع شركات نفط أوروبية: رويال داتش شل وتوتال الفرنسية وإكوينور النرويجية وإيني الإيطالية، فضلاً عن 8.2 في المائة في كارنيفال كورب للرحلات البحرية.
وأوضح كابابي أن الاستثمارات التي يبدو أنها تؤتي ثمارها وسط الإغلاقات الشاملة لقطاعات ضخمة من الاقتصاد العالمي هي تلك التي في شركات المخازن واللوجيستيات.
وقال: «الكثير من المستودعات في أنحاء العالم وبخاصة في أوروبا مملوك لصناديق ثروة سيادية والاتجاه نحو التجارة الإلكترونية يدعم مع هذه الأزمة العديد من الشركات الناشئة التي تعمل في توصيل الطعام أو غيره وتسيطر عليها صناديق سيادية مثل أوبر وجراب وديدي».
يملك صندوق الاستثمارات العامة السعودي 4.27 في المائة من أوبر، وفقاً لأحدث بيانات رفينيتيف التي ترجع إلى ديسمبر (كانون الأول). وخصص الصندوق 45 مليار دولار لصندوق رؤية سوفت بنك البالغ 100 مليار دولار وهو بدوره مساهم في أوبر أيضاً.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

النفط يستهل بداية الأسبوع بتراجع طفيف

حفارات تعمل في حقل نفطي بولاية كاليفورنيا (رويترز)
حفارات تعمل في حقل نفطي بولاية كاليفورنيا (رويترز)
TT

النفط يستهل بداية الأسبوع بتراجع طفيف

حفارات تعمل في حقل نفطي بولاية كاليفورنيا (رويترز)
حفارات تعمل في حقل نفطي بولاية كاليفورنيا (رويترز)

تراجعت العقود الآجلة للنفط من أعلى مستوياتها في أسابيع وسط جني المستثمرين الأرباح مع ترقب اجتماع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) في وقت لاحق من الأسبوع، للحصول على دلالات حول الاتجاه المستقبلي لأسعار الفائدة.

لكنَّ التراجع ظل محدوداً وسط مخاوف من تعطل الإمدادات في حالة فرض الولايات المتحدة مزيداً من العقوبات على الموردَين الرئيسيَّين، روسيا وإيران.

وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت 29 سنتاً أو 0.4 في المائة إلى 74.20 دولار للبرميل بحلول الساعة 07:46 بتوقيت غرينتش بعد أن سجلت أعلى مستوى منذ 22 نوفمبر (تشرين الثاني) عند التسوية يوم الجمعة.

وتراجع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 36 سنتاً أو 0.5 في المائة إلى 70.93 دولار للبرميل بعد أن بلغ في الجلسة السابقة أعلى مستوى عند التسوية منذ السابع من نوفمبر.

وقال توني سيكامور، محلل السوق لدى «آي جي»، وفق «رويترز»: «بعد الارتفاع الأسبوع الماضي 6 في المائة ومع اتجاه النفط الخام إلى تسجيل أعلى مستوى من نطاق الارتفاعات المسجلة في الآونة الأخيرة من المرجَّح أن نشهد بعض عمليات جني الأرباح».

وأضاف أن أسعار النفط تلقت دعماً من العقوبات الجديدة التي فرضها الاتحاد الأوروبي على النفط الروسي الأسبوع الماضي، وتوقعات بتشديد العقوبات على الإمدادات الإيرانية.

وقالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، لـ«رويترز»، يوم الجمعة، إن الولايات المتحدة تدرس فرض عقوبات إضافية على ناقلات نفط «الأسطول المظلم» التي تستخدم أساليب الإخفاء لتفادي العقوبات، ولن تستبعد فرض عقوبات على البنوك الصينية مع سعيها لخفض عائدات روسيا من النفط والإمدادات الأجنبية التي تدعم موسكو في الحرب في أوكرانيا.

وتتسبب العقوبات الأميركية الجديدة على الكيانات المتعاملة في النفط الإيراني بالفعل في ارتفاع أسعار الخام المبيع للصين إلى أعلى مستويات منذ سنوات. ومن المتوقع أن تزيد الإدارة الأميركية المقبلة بقيادة دونالد ترمب الضغوط على إيران.

وقال سيكامور إن أسعار النفط تلقت دعماً أيضاً من تخفيضات أسعار الفائدة الرئيسية للبنوك المركزية في كندا وأوروبا وسويسرا الأسبوع الماضي، وتوقعات خفض أسعار الفائدة الأميركية هذا الأسبوع.

ومن المتوقع أن يخفض مجلس الاحتياطي الاتحادي أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في اجتماعه يومي 17 و18 ديسمبر (كانون الأول)، وسيقدم أيضاً نظرة محدَّثة عن مدى الخفض الذي يفكر فيه مسؤولو البنك المركزي الأميركي لأسعار الفائدة في عام 2025 وربما حتى عام 2026. ويمكن لأسعار الفائدة المنخفضة أن تعزز النمو الاقتصادي والطلب على النفط.