الوباء يعيد اللبنانيين إلى أريافهم ويخفف التلوّث

دفع فيروس «كورونا» اللبنانيين إلى النزوح من المدن إلى الريف وتُظهر الصورة جانباً من منطقة عمّيق في سهل البقاع بشرق لبنان (رويترز)
دفع فيروس «كورونا» اللبنانيين إلى النزوح من المدن إلى الريف وتُظهر الصورة جانباً من منطقة عمّيق في سهل البقاع بشرق لبنان (رويترز)
TT

الوباء يعيد اللبنانيين إلى أريافهم ويخفف التلوّث

دفع فيروس «كورونا» اللبنانيين إلى النزوح من المدن إلى الريف وتُظهر الصورة جانباً من منطقة عمّيق في سهل البقاع بشرق لبنان (رويترز)
دفع فيروس «كورونا» اللبنانيين إلى النزوح من المدن إلى الريف وتُظهر الصورة جانباً من منطقة عمّيق في سهل البقاع بشرق لبنان (رويترز)

فرض فيروس «كورونا» شروطه على حياة اللبنانيين، إلا أنها لم تكن سلبية في كل جوانبها. فقد سُجِّل انحسار لعدد الحوادث المرورية، وبالتالي لعدد القتلى والجرحى على الطرقات. كما لاحظ اللبنانيون، وبالعين المجردة، تراجع مستويات التلوث، لا سيما فوق العاصمة بيروت ومناطق أخرى.
لكن يبدو من المبكر التكهن بتبعات هذا الوضع، بحسب ما يقول الكاتب البيئي الأستاذ الجامعي المتخصص في الفلسفة البيئية حبيب معلوف لـ«الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن «الحجر المنزلي، تجنباً لتفشي فيروس «كورونا»، أسفر عن تدني نسبة تلوث الهواء والتلوث بالضجيج الناتجين عن الحركة اليومية. إلا أنه من المبكر الاستنتاج بشأن تغيير المناخ نتيجة تراكم الانبعاثات في الهواء، وإن خفّت نسبتها. ذلك أن علاقة الفيروس بالمناخ لا تقف عند هذا الحد».
ويضيف معلوف أن «النتائج المنظورة لصفاء الهواء، واستعادة السماء زرقتها في الأيام الأخيرة فوق بيروت وضواحيها، بيّنت أن قطاع النقل هو المسبب الرئيسي لتلوث الهواء وتغيّر المناخ، وليس قطاع الطاقة. فمع بقاء الناس في منازلهم، انخفضت الانبعاثات الناجمة عن قطاع النقل إلى أكثر من 90 في المائة، في حين لم يتغير قطاع إنتاج الطاقة كثيراً لناحية الاستهلاك في المنازل، وفي معامل الإنتاج والمولّدات الخاصة، بل إن استهلاك الطاقة المنزلي ربما زاد في فترة الأزمة».
ومن الملاحظ أيضاً أن «كورونا» أدى إلى بدء موسم الاصطياف قبل أوانه نتيجة الإجراءات المرافقة لمواجهة انتشار الفيروس. فقد فضّل عدد كبير من أبناء مختلف المناطق اللبنانية الريفية، ممن استقروا في المدن بسبب متطلبات عملهم ودراسة أولادهم، العودة إلى قراهم، وذلك لأسباب كثيرة، بينها أن الالتزام بالحجر المنزلي في الأرياف أسهل مما هو عليه في المدن، لا سيما لمن لا يستوجب عمله البقاء في بيروت، أو غيرها من المدن الكبرى، بحسب ما تقوله لـ«الشرق الأوسط» فاطمة عبد الله التي تعيش حالياً في إحدى قرى منطقة الشوف (جبل لبنان)، وتضيف: «الحجر المنزلي في بيروت يُشعر الإنسان بأنه معتقل خلف 4 جدران، أما هنا فلا نشعر بالفيروس، وإن كنا لا نزال نلتزم بالوقاية لجهة عدم الاقتراب بعضنا من بعض، وتجنب المصافحة والعناق بين الأهل. لكن يكفي أننا نخرج إلى الحدائق المحيطة بالمنازل أو إلى الطرق الجبلية».
أما سارة، وهي أم لثلاثة أطفال، فقد قررت الانتقال من بيروت إلى قريتها الجنوبية في وقت مبكر من هذا العام، ولم تنتظر حتى أواخر يونيو (حزيران)، كما هي عادتها. وعن ذلك، قالت: «في قريتي الجنوبية، يستطيع أولادي أن ينفّسوا طاقتهم في اللعب قرب المنزل من دون أي خوف. والأهم أنهم يبتعدون عن الألعاب الإلكترونية والتناحر فيما بينهم لحساب الركض وتسلّق الأشجار واستكشاف الطبيعة حولنا، فهم ما يكادون ينجزون فروضهم المدرسية المطلوبة، حتى يخرجوا إلى المروج حول المنزل، حيث الهواء النظيف».
وعن العودة إلى الأرياف، يقول الكاتب البيئي معلوف إن «ما تقوم به كورونا على هذا الصعيد كان يجب أن تقوم به الدولة، وفق سياسة الإنماء المتكامل، وليس الإنماء المتوازن على الطريقة الطائفية، إن لجهة تخفيف ساعات العمل من المكاتب، وترجيح كفة العمل من المنازل، وإن لجهة تأمين الخدمات في مختلف المناطق اللبنانية، عوضاً عن مركزيتها في العاصمة والمدن الكبرى، وإن لجهة توجيه كل منطقة للاهتمام بالإنتاج الزراعي المناسب لطبيعة أرضها ومناخها، عوضاً عن الاكتفاء بزراعة ما هو رائج تجارياً».
ويرى معلوف أن «العودة إلى الأرياف تخفف بالتأكيد من انتشار فيروس كورونا، بفعل تجنب الاختلاط، وتجنب التعرض لمصادر التلوث التي تفرضها الحياة في المدن. ففي القرى، تساهم المسافات بابتعاد الناس بعضهم عن بعض، وتخفف من الاستهلاك والتنقل. وتشجع الإنسان على الاهتمام بأرضه، وزراعة بعض ما يحتاج إليه. كما تعيد النفايات العضوية إلى الأرض، سواء بتخميرها ثم تسميد الأرض بها، أو رميها مباشرة لتعود تراباً، عوضاً عن تكديسها في الأكياس البلاستيكية، وإرسالها إلى المكبات والمطامر».
لكن الأهم، كما يرى معلوف، أن «عودة الإنسان إلى الريف تؤدي إلى مصالحته مع نفسه، وتحسين نوعية تفكيره، بعيداً عن التشويش الناتج عن الضجيج، وعن متطلبات الحياة اليومية في المدن. ففي القرى، تنتهي مثل هذه الضغوط». لكنه يشير إلى «ضرورة توفير الخدمات الأساسية في المناطق النائية، وتحديداً خدمة الإنترنت، وتوافر السلع الأساسية، وتسهيل إنجاز المعاملات الضرورية، كما هي الحال في المدن ومناطق الاصطياف الجبلية التي تتوافر فيها كل هذه التجهيزات والخدمات».


مقالات ذات صلة

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)
أوروبا أحد العاملين في المجال الطبي يحمل جرعة من لقاح «كورونا» في نيويورك (أ.ب)

انتشر في 29 دولة... ماذا نعرف عن متحوّر «كورونا» الجديد «XEC»؟

اكتشف خبراء الصحة في المملكة المتحدة سلالة جديدة من فيروس «كورونا» المستجد، تُعرف باسم «إكس إي سي»، وذلك استعداداً لفصل الشتاء، حيث تميل الحالات إلى الزيادة.

يسرا سلامة (القاهرة)

سكان العراق أكثر من 45 مليون نسمة... نصفهم من النساء وثلثهم تحت 15 عاماً

عراقيات في معرض الكتاب ببغداد (أ.ب)
عراقيات في معرض الكتاب ببغداد (أ.ب)
TT

سكان العراق أكثر من 45 مليون نسمة... نصفهم من النساء وثلثهم تحت 15 عاماً

عراقيات في معرض الكتاب ببغداد (أ.ب)
عراقيات في معرض الكتاب ببغداد (أ.ب)

يزيد عدد سكان العراق على 45 مليون نسمة، نحو نصفهم من النساء، وثلثهم تقل أعمارهم عن 15 عاماً، وفق ما أعلن رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، اليوم (الاثنين)، حسب الأرقام غير النهائية لتعداد شامل هو الأول منذ عقود.

وأجرى العراق الأسبوع الماضي تعداداً شاملاً للسكان والمساكن على كامل أراضيه لأول مرة منذ 1987، بعدما حالت دون ذلك حروب وخلافات سياسية شهدها البلد متعدد العرقيات والطوائف.

وقال السوداني، في مؤتمر صحافي: «بلغ عدد سكان العراق 45 مليوناً و407 آلاف و895 نسمة؛ من ضمنهم الأجانب واللاجئون».

ونوّه بأن «الأسر التي ترأسها النساء تشكّل 11.33 في المائة» بالبلد المحافظ، حيث بلغ «عدد الإناث 22 مليوناً و623 ألفاً و833 بنسبة 49.8 في المائة» وفق النتائج الأولية للتعداد.

ووفق تعداد عام 1987، كان عدد سكان العراق يناهز 18 مليون نسمة.

وشمل تعداد السنة الحالية المحافظات العراقية الـ18، بعدما استثنى تعداد أُجري في 1997، المحافظات الثلاث التي تشكل إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي منذ 1991.

وأعلن الإقليم من جهته الاثنين أن عدد سكانه تخطى 6.3 مليون نسمة؛ من بينهم الأجانب، طبقاً للنتائج الأولية، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأرجئ التعداد السكاني مرات عدة بسبب خلافات سياسية في العراق الذي شهد نزاعات وحروباً؛ بينها حرب ما بعد الغزو الأميركي في 2003، وسيطرة تنظيم «داعش» في 2014 على أجزاء واسعة منه.

ولفت السوداني إلى أن نسبة السكان «في سنّ العمل» الذين تتراوح أعمارهم بين «15 و64 سنة بلغت 60.2 في المائة»، مؤكداً «دخول العراق مرحلة الهبّة الديموغرافية».

وأشار إلى أن نسبة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً تبلغ 36.1 في المائة، فيما يبلغ «متوسط حجم الأسرة في العراق 5.3 فرد».

وأكّد السوداني أن «هذه النتائج أولية، وسوف تكون هناك نتائج نهائية بعد إكمال باقي عمليات» التعداد والإحصاء النوعي لخصائص السكان.

وأظهرت نتائج التعداد أن معدّل النمو السنوي السكاني يبلغ حالياً 2.3 في المائة؛ وذلك «نتيجة لتغيّر أنماط الخصوبة في العراق»، وفق ما قال مستشار صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق، مهدي العلاق، خلال المؤتمر الصحافي.