موسكو تعوّل على أنقرة في «فصل المعتدلين عن الإرهابيين» بإدلب

اتهمت واشنطن بـ«تدريب» مسلحين لتخريب منشآت نفطية سورية

مقاتلون تابعون لتركيا في ريف إدلب الجنوبي أمس (رويترز)
مقاتلون تابعون لتركيا في ريف إدلب الجنوبي أمس (رويترز)
TT

موسكو تعوّل على أنقرة في «فصل المعتدلين عن الإرهابيين» بإدلب

مقاتلون تابعون لتركيا في ريف إدلب الجنوبي أمس (رويترز)
مقاتلون تابعون لتركيا في ريف إدلب الجنوبي أمس (رويترز)

جددت موسكو تعويلها على أنقرة «فصل المعارضة المسلحة عن الإرهاب» في إدلب شمال غربي سوريا، في وقت أعلن رئيس مركز المصالحة الروسي التابع لوزارة الدفاع الروسية، أوليغ جوراليف، أن 27 مسلحا سلموا أنفسهم للسلطات السورية أخيرا، أفادوا بأنهم تلقوا تدريبات على يد خبراء أميركيين، لتنفيذ هجمات تخريبية على مواقع النفط والغاز ومنشآت البنية التحتية لمواقع الجيش السوري.
وقال جوراليف بأن «شهادات أعضاء الجماعات المسلحة الذين انضموا للقوات الحكومية، أفادت بأن الأميركيين قدموا لهم أسلحة وعربات، كما قام خبراء من الولايات المتحدة بتدريبهم على القيام بعمليات تخريب ضد البنى التحتية». وأفاد الناطق العسكري أن القوات الحكومية قامت باستجواب المسلحين الذين فروا من منطقة تسيطر عليها واشنطن وسلموا أنفسهم للقوات النظامية وهم حاليا محتجزون في تدمر.
وكانت معطيات وسائل إعلام أفادت أن مجموعة مؤلفة من 27 مسلحاً تدربوا في قاعدة التنف العسكرية التي تسيطر عليها القوات الأميركية، فروا من المنطقة ليلة 13 - 14 أبريل (نيسان) بعد تبادل لإطلاق النار مع مجموعات أخرى من المسلحين، وسلموا أنفسهم للقوات النظامية.
ووفقا للمعطيات الروسية، هاجم متشددون المجموعة واشتبكوا معها لبعض الوقت، وقال جوراليف: «نتيجة الاشتباك خسر المتشددون من منطقة التنف ثلاث سيارات صغيرة. ونجح سبعة وعشرون مسلحا في الفرار. وهم الآن تحت حراسة القوات الحكومية السورية في تدمر». وأفاد بأنهم سلموا الجيش السوري العشرات من قطع الأسلحة النارية، بما في ذلك قاذفات القنابل والمدافع الرشاشة الثقيلة.
وكشف مصدر أمني سوري في وقت سابق عن انشقاق عشرات المسلحين من جيش «مغاوير الثورة» التابع للمعارضة السورية في قاعدة التنف على الحدود السورية - العراقية والمحمية من قبل القوات الأميركية شرق سوريا، لافتا إلى أنهم توجهوا إلى الجيش السوري النظامي ليل الثلاثاء- الأربعاء. وقال المصدر، إن المنشقين من قوات النخبة التابعة لفصائل المعارضة الموجودة في قاعدة التنف بريف حمص الشرقي قرب الحدود السورية العراقية.
وتقدم قوات التحالف الدعم لـ«جيش مغاوير الثورة» إضافة إلى جيش العشائر الذي كان يقاتل في ريف السويداء الشمالي الشرقي ضد تنظيم داعش والقوات الحكومية وبعد اتفاق بين الروس والقوات الأميركية خرج مقاتلو جيش العشائر إلى منطقة التنف.
في غضون ذلك، أعلن السفير الروسي في دمشق الكسندر إيفيموف أن موسكو تعول على أنقرة لاتخاذ إجراءات فصل المعارضة المسلحة المعتدلة عن الإرهابيين في إدلب وتحييدهم، منوها بأن «إعادة تسميتهم لن يغير من طبيعتهم الإرهابية».
ونقلت وكالة أنباء «نوفوستي» الرسمية عن الدبلوماسي أن موسكو تتوقع «أن يواصل الشركاء الأتراك جهودهم لفصل المعارضة المعتدلة عن الإرهابيين واتخاذ إجراءات لتحييدهم لاحقا... إعادة تسميتهم بتسميات أخرى لا يعني تغييرا في طبيعتهم الإرهابية». وزاد أن الاتفاقات الروسية - التركية ساعدت على تقليص التوتر في منطقة خفض التصعيد في إدلب، مشددا على أن الجانب التركي لا يقلل من أهمية وضرورة مواصلة الحرب ضد الإرهاب وعودة تلك الأراضي إلى سيادة الحكومة السورية، علاوة على ذلك، تؤكد مذكرة سوتشي لعام 2018 والاتفاقات الأخيرة بيننا وبين الجانب التركي على مكافحة جميع أشكال الإرهاب والقضاء على الجماعات التي تندرج تحت هذا التعريف.
وأوضح أن «إدلب لا تزال تحت سيطرة الجماعات الإرهابية العازمة على مواصلة العنف وسفك الدماء، وليس تحت سيطرة فصائل المعارضة المعتدلة، والذي بدا جليا مع بدء سريان وقف إطلاق النار في إدلب في الـ6 من مارس (آذار) الماضي الذي لم تلتزم به تلك الجماعات الإرهابية كهيئة تحرير الشام التي سعت إلى عرقلة تنفيذ الاتفاقات الروسية التركية من قصف يومي بالصواريخ للمناطق الآمنة وهجمات باستخدام الطائرات المسيرة لقاعدة حميميم». وشدد على أن «خطورة الأمر تكمن أيضا في منطقة الطريق السريع M - 4. الذي تقوم الجماعات الإرهابية باستهدافه وتعوق تسيير الدوريات الروسية التركية المشتركة في (الممر الأمني)، وتعمد إلى تفجير الجسور»، مشيرا إلى استمرار الاتصالات بين روسيا وتركيا لضمان الامتثال للاتفاقيات التي تم التوصل إليها، قائلا: «نفترض أن جميع المهام المحددة يمكن حلها، فإن الوجود العسكري التركي المتبقي في منطقة خفض التصعيد سيكون مؤقتا وفي نهاية المطاف سيحين الوقت لإنهاء وجوده هناك».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.