هل قوّض فيروس كورونا الكفاح العالمي ضد الأمراض الأخرى؟

تفشي كورونا أثر بشكل كبير على الموارد المخصصة للأمراض الأخرى (أ.ب)
تفشي كورونا أثر بشكل كبير على الموارد المخصصة للأمراض الأخرى (أ.ب)
TT

هل قوّض فيروس كورونا الكفاح العالمي ضد الأمراض الأخرى؟

تفشي كورونا أثر بشكل كبير على الموارد المخصصة للأمراض الأخرى (أ.ب)
تفشي كورونا أثر بشكل كبير على الموارد المخصصة للأمراض الأخرى (أ.ب)

بينما تحاول مختلف الحكومات حول العالم بذل كافة الجهود الممكنة للتصدي لتفشي فيروس «كورونا» المستجد، يخشى العديد من خبراء الصحة أن تتسبب هذه الجهود في تقويض الكفاح العالمي ضد الأمراض الخطيرة الأخرى التي تقتل الملايين كل عام مثل الإيدز والسل والكوليرا والملاريا.
وبحسب وكالة أنباء «أسوشييتد برس»، فقد قال الدكتور جون نكينغاسونغ، مدير المركز الأفريقي لمكافحة الأمراض والوقاية منها «تسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، في نقص في الإمدادات الطبية وتعليق بعض الخدمات الصحية، وتم توجيه الطواقم الطبية لعلاج مرضى الفيروس، الأمر الذي أثر بشكل كبير على الموارد المخصصة للأمراض الأخرى».
ويتفاقم هذا في البلدان التي لديها أنظمة رعاية صحية مثقلة بالفعل، مثل السودان.
وقد أكد عدد من الأطباء في مستشفى الرباط الوطني في العاصمة السودانية الخرطوم، أنه وفقاً للتدابير الجديدة التي تم اتخاذها بالمستشفى بعد تفشي كورونا، فقد تم تأجيل العمليات الجراحية الاختيارية إلى أجل غير مسمى، وتقليل عدد المرضى الذين يتم إدخالهم إلى غرف الطوارئ، وإلغاء الرعاية الأولية للحالات غير الحرجة، وتوجيه الأطباء الأكثر مهارة لعلاج مرضى فيروس كورونا فقط.
وتتشابه هذه التدابير مع تلك المتخذة في مناطق عدة حول العالم. فقد أكد هوغون سون، من كلية جونز هوبكنز بلومبرغ للصحة العامة، أنه حتى في البلدان التي لديها أنظمة رعاية صحية متطورة للغاية، مثل كوريا الجنوبية، تقوم المستشفيات في الوقت الحالي برفض المرضى الباحثين عن علاج لأمراض خطيرة أخرى غير «كورونا»، مثل السل.
وقال سون: «هناك نحو 10 ملايين حالة إصابة بالسل تسجل سنوياً، ومع إصدار الكثير من الحكومات أوامر لمواطنيها بالبقاء في المنزل، فمن المرجح أن يزداد عدد مرضى السل الذين لم يتم اكتشافهم بشكل كبير، مما قد يزيد الأعباء الصحية ويقوض جهود مكافحة هذا المرض».
ومن جهتها، قالت آن ماري كونور، المديرة الوطنية لمنظمة وورلد فيجن الدولية، وهي إحدى المنظمات الإنسانية «وسط تفشي فيروس كورونا في الكونغو، تجاوز عدد الوفيات الناجمة عن وباء الحصبة في الكونغو ستة آلاف شخص».
وأضافت: «من المحتمل أننا سنشهد الكثير من الوفيات غير المباشرة من أمراض أخرى».
وفي بعض البلدان، مثل الهند، حيث تم منع وسائل النقل خلال فترة الإغلاق، يصعب وصول المرضى والأطباء إلى العيادات، كما يصعب إرسال عينات الاختبار، مما يهدد جهود مكافحة الأمراض، خاصة السل.
ويوجد في الهند ما يقرب من ثلث حالات السل في العالم.
وقال الدكتور مارك بيوت، مدير العمليات في منظمة أطباء بلا حدود، إن عمليات الإغلاق ذات الصلة بفيروس كورونا عرقلت تدفق الإمدادات إلى العديد من المستشفيات، بما في ذلك الأدوية الحرجة ومعدات الحماية والأكسجين.
ويتفاقم الخوف من عودة بعض الأمراض بسبب التأخير في جهود التحصين لأكثر من 13.5 مليون شخص، وفقًا للتحالف العالمي للقاحات والتحصين.
وقال التحالف إن 21 دولة، معظمها في أفريقيا، أبلغت عن نقص في اللقاحات بعد إغلاق الحدود وتعطل السفر الجوي وتم تأجيل 14 حملة تطعيم ضد أمراض مثل شلل الأطفال والحصبة.
وحذر قادة الصحة العامة الدوليون يوم الاثنين الماضي من أن أكثر من 100 مليون طفل حول العالم معرضون لخطر الإصابة بمرض الحصبة بسبب قيام 24 دولة حول العالم بتعليق برامج التحصين الوطنية من أجل الحد من خطر تفشي فيروس كورونا المستجد.
ومن جهته، قال الدكتور جاي فينغر، الذي يرأس جهود التصدي لشلل الأطفال لمؤسسة بيل وميليندا غيتس، إن التوصية بعدم الذهاب إلى المنازل لإعطاء التطعيمات أمر خطير، ويمكن أن يؤدي إلى طفرة في الحالات.
وأودى فيروس كورونا المستجدّ بحياة ما لا يقلّ عن 137500 شخص في العالم وأصاب أكثر من مليوني و83820 شخص منذ ظهوره في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.


مقالات ذات صلة

صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )

دعوة مستثمر مصري للعمل 12 ساعة يومياً تثير جدلاً

رجل الأعمال في أثناء حديثه بالبودكاست (يوتيوب)
رجل الأعمال في أثناء حديثه بالبودكاست (يوتيوب)
TT

دعوة مستثمر مصري للعمل 12 ساعة يومياً تثير جدلاً

رجل الأعمال في أثناء حديثه بالبودكاست (يوتيوب)
رجل الأعمال في أثناء حديثه بالبودكاست (يوتيوب)

في حين أوصت دراسة من جامعة كامبريدج بتقليص ساعات العمل وتطبيق «أربعة أيام عمل في الأسبوع» لتعزيز الإنتاجية والحفاظ على الصحة النفسية للموظفين والعاملين، صرّح محمد فاروق، المستثمر ورجل الأعمال المصري المعروف بـ«الشارك حمادة»، بضرورة زيادة ساعات العمل لتحقيق النجاح الاقتصادي وزيادة الإنتاجية.

وأثارت التصريحات جدلاً عبر «السوشيال ميديا» بمصر، فبينما عدّ البعض تلك التصريحات تضر بحقوق العمال، عدّها آخرون تستهدف الحماس والتفوق في العمل.

وقال رجل الأعمال المصري محمد فاروق، إنه من الضروري العمل 12 ساعة يومياً لمدة 6 أيام في الأسبوع، وأضاف في برنامج بودكاست بعنوان «حكاية مدير» أن الدول الناجحة والمتقدمة تطبق هذا الأمر، ضارباً المثل بالصين وأن الناس هناك تعمل من 9 صباحاً إلى 9 مساء لستة أيام في الأسبوع.

وانتقد فاروق ما يروجه البعض حول التوازن بين العمل والحياة الشخصية، عادّاً هذا الحديث الذي ظهر خلال «جائحة كورونا» نوعاً من «الدلع»، مؤكداً «عدم نجاح الدول التي اتبعت هذا الأسلوب»، وفق تقديره.

وعدّ عضو مجلس النواب المصري عن حزب التجمع، عاطف مغاوري، أن «هذا الكلام يذكرنا بعقلية بدايات النظام الرأسمالي الذي كان يستنزف العمال في أوقات عمل طويلة، إلى أن تمكنت حركات النضال العمالية من تنظيم عقد عمل وحقوق عمال ومواعيد للعمل، وهذا متعارف عليه عالمياً».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «التشريعات العمالية حين منحت العمال إجازات أو حددت لهم ساعات عمل كان هذا لمصلحة العمل وليس لصالح العامل، لأنك لو استنزفت العامل فلن تكون لديه قدرة على الاستمرار، كما أن منحه إجازات يجعله يجدد طاقته ونشاطه».

وأشار إلى أن «الاجتهاد يجب أن يكون في إطار الدستور والقوانين الموجودة لدينا، لكن المنطق الذي يطرح حالياً ربما يكون الهدف منه نبيلاً، وهو تحويل المجتمع إلى مجتمع منتج، ولكن ليس باستنزاف العامل».

وزارة القوى العاملة في مصر (فيسبوك)

ولفت إلى وجود «تشريعات حديثة تدعو لاحتساب الوقت المستغرق للوصول إلى العمل والعودة منه ضمن ساعات العمل».

وينظم ساعات العمل في القطاع الحكومي (العام) في مصر والقطاع الخاص، قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وما طرأ عليه من تعديلات، بالإضافة إلى اللوائح والقرارات التنفيذية الداخلية بكل مؤسسة أو شركة، وتقر المادة 85 من قانون العمل المصري بأنه «في جميع الأحوال لا يجوز أن تزيد ساعات العمل الفعلية على عشر ساعات في اليوم الواحد».

وعدّ الخبير في «السوشيال ميديا» محمد فتحي أن «البودكاست أصبح يتم استغلاله في الدعاية بشكل لافت»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «بعض رواد الأعمال يستغلون هذه المنصة لبناء صورتهم الشخصية وعلاماتهم التجارية».

وأشار الخبير «السوشيالي» إلى سعي العديد من رجال الأعمال إلى بناء صورة إيجابية لأنفسهم وعلاماتهم التجارية من خلال المشاركة في البودكاست، حيث يمكنهم الوصول إلى جمهور واسع والتأثير في آرائه، للبحث عن الشهرة»، وفق تعبيره.

لكنه عدّ نقل الخبرات والمعرفة من الجوانب الإيجابية لظهور رجال الأعمال في البودكاست، بما يساهم في تطوير المهارات الريادية لدى الشباب، وكذلك إلهام الآخرين وتحفيزهم على تحقيق أهدافهم.

ووفق فتحي فإن «الأمر لا يخلو من جوانب سلبية لظهور رجال الأعمال في البودكاست من أهمها التسويق الخفي، بالإضافة إلى التركيز على النجاح الفردي بشكل مبالغ فيه، مما قد يخلق انطباعاً خاطئاً لدى المستمعين حول سهولة تحقيق النجاح».

وتوالت التعليقات على «السوشيال ميديا» حول تصريحات فاروق، بين من يعدّونه نموذجاً ويطالبون بتركه يتحدث، وآخرين عَدُّوه يتحدث بمنطق رجال الأعمال الذين لا يراعون العمال. وعلقت متابعة على الحلقة في «يوتيوب»، وكتبت: «المفروض يتعمل نادي لرجال الأعمال علشان يتجمعوا ويطوروا ويفيدوا بعض... وعجبتني جداً رؤية محمد فاروق للتكنولوجيا وحماسه تجاهها».

في حين كتب متابع آخر: «من السهل أن يعمل 12 ساعة وأكثر لأنها أعمال مكتبية، لا يمكن مقارنتها بعامل يقف على قدميه طوال اليوم لمدة 12 ساعة».

ويرى استشاري الأعمال الدولي، محمد برطش، أن «ساعات العمل لها قانون يحددها في أي مجتمع، لكن هناك ظروف استثنائية يمكن أن يعمل فيها الشخص 12 و20 ساعة لو هناك ما يتطلب ذلك».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «أرفض المقارنة بين مصر ودول أخرى، خصوصاً أوروبا وأميركا وأستراليا، فهذه دول تحملت الكثير لكي تصل إلى ما هي عليه الآن، وظروفها لا تشبه ظروفنا».

وتابع: «فكرة 12 ساعة عموماً يمكن الموافقة عليها أو رفضها بعد الإجابة عن عدة أسئلة، مثل: في أية ظروف وبأي مقابل، في القطاع العام أو الخاص؟ فمثلاً لو قلنا إن مصر لديها مشروع قومي لتصبح دولة صناعية حقيقية وسنطبق 12 ساعة عمل لتنفيذ مشروع قومي في مجال إنتاج بعينه حتى يتحقق الهدف من المشروع فهذا مقبول، لكن في الظروف العادية فهذا يتنافى مع قانون العمل».

وتبلغ ساعات العمل الأسبوعية في القطاعات المختلفة بمصر نحو 55 ساعة عمل أسبوعياً، وفق إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء صادرة عام 2022.