مصريون يكسرون ملل العزل بصناعة الفوانيس

استعادوا هواياتهم القديمة

فانوس من الخرز
فانوس من الخرز
TT

مصريون يكسرون ملل العزل بصناعة الفوانيس

فانوس من الخرز
فانوس من الخرز

لكسر ملل الحجر المنزلي الذي فرضه وباء «كورونا»، استعاد مصريون هواياتهم القديمة لمقاومة العزل الذاتي عبر ابتكار أشكال جديدة من الفوانيس والإكسسوارات بجانب ممارسة هواية التصوير وصنع الحلويات ولعب الشطرنج والقراءة، في محاولة منهم لقتل الوقت بطرق مفيدة تشبع رغبات النفس التي تعبت من الجلوس طويلاً بالمنزل.
الكاتبة الصحافية المصرية منار سالم، وجدت في فانوس رمضان ضالتها لتزجية وقت فراغها، وقد استعدت منذ فترة مثل غيرها من مصممي الفوانيس وصناعها، لمواجهة متطلبات شهر رمضان، لكنّها خالفتهم في تقديم فانوس جديد صنعته من الخرز، وزودته بمصباح صغير وبطارية لإضاءته.
الفانوس الذي صنعته سالم من الخرز يتمتع بجاذبية خاصة، على الرّغم من أنّه سبقها إليه كثيرون، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «حرصت في البداية على تنفيذه من أجل الاستمتاع بأوقات فراغي، وليس بغرض التربح منه، فقلّدت النماذج المعروفة من الفوانيس، من ثمّ ابتكرت أشكالا جديدة مصنوعة من الخرز غير متداولة بالأسواق».
وترى سالم أنّ صناعة الفوانيس بالمنازل تعد حالياً وسيلة جيدة لتخفيف آلام الحجر الصحي التي يعاني الكثيرون منها كما أنّه يساهم في إسعاد الصّغار الذين اعتادوا على شرائه كل عام.
وبجانب صناعة الفوانيس اتجهت سالم إلى تقليد إكسسوارات بطلات الأفلام والمسلسلات الهندية التي تهتم بمتابعتها بشكل دائم، وتقول: «بحثت عن أماكن بيع الخامات واشتريت الكثير منها قبل أن أصل إلى مرحلة إتقان بعض فنون الحرف التراثية، على غرار الكروشيه الذي تصنع منه حقائب اليد الصغيرة للنساء والقفازات وسلال أدوات الماكياج، بجانب صناعة أقراط الأذن والكوليهات والخواتم»، مشيرة إلى أنّها «لم تكن تفكر في بيع ما تقوم به إلى أن ساقتها الصدفة، وأعجبت إحدى زميلاتها بما تقدمه من أعمال، ثم اتجهت بعد ذلك لبيعها لأحد المحال التجارية التي شجعها صاحبها على صناعة المزيد».
وتحظر السلطات المصرية تنقل الأفراد ليلاً بداية من الساعة الثامنة مساء، وحتى السادسة صباحاً، مع إغلاق تام لجميع المقاهي والنوادي الاجتماعية ودور السينما بجانب إغلاق بعض المصالح الحكومية خوفاً من انتشار فيروس «كورونا» بالبلاد.
المهندس عادل واسيلي، الذي يقيم بالقاهرة، تخلّى عن تفاصيل مهنته في أوقات الحظر، وعاد إلى هوايته القديمة التي لم يفلح عمله بالهندسة في محوها، فحمل الكاميرا الخاصة به، وقرّر النزول إلى الشارع لتسجيل لقطات استثنائية توثق الشوارع والمباني الشهيرة في «زمن كورونا»، وبدأ بتصوير الكنيسة البلجيكية ليلاً، المعروفة بـ«البازيليك»، وهي التي أنشأها البارون إمبان مؤسس مصر الجديدة بالقرب من قصره في حي مصر الجديدة (شرق القاهرة).
وذكر واسيلي أنّه صور شوارع وسط القاهرة، وميدان الحلمية الجديدة، والسيدة زينب والحسين، ورمسيس والعتبة والعباسية والفجالة، لتوثيق حالتها وهي خالية من الناس الذين كانت تكتظ بهم قبل شهرين من الآن، فلم يكن أحد يتخيل خلو ميدان العتبة من المارة، وهي لحظات لا بد من تسجيلها، بالإضافة إلى أهمية توثيق عملية إغلاق دور العبادة مثل المساجد والكنائس.
ووضع واسيلي برنامجا للتصوير أسماه «يوميات كورونا» ينفّذه بشكل محدد، وهو لا يتحرك بشكل عشوائي، وفق ما رواه لـ«الشرق الأوسط».
فيما اتبعت المخرجة منة فايد، أسلوبا مغايراً في كسر ملل العزلة، واتجهت إلى المطبخ، مستعينة بتجارب آخرين على شبكة الإنترنت في إعداد الحلويات والبسكويت، بجانب الوجبات الرئيسية، مشيرة إلى أنّ شعورها بالنجاح يأتي من التشجيع الذي يقدمه والدها لها. ولفتت إلى أنّ «الدقيق والزيت والسكر وباقي مستلزمات صناعة الحلويات صارت من المكونات الأساسية بالمنزل بعد عزل كورونا».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».