مبادرات تحمل الفرح لأطفال فلسطين في فترة العزل

نفّذ الفريق مبادراته التّطوعية على مدى أيام (الشرق الأوسط)
نفّذ الفريق مبادراته التّطوعية على مدى أيام (الشرق الأوسط)
TT

مبادرات تحمل الفرح لأطفال فلسطين في فترة العزل

نفّذ الفريق مبادراته التّطوعية على مدى أيام (الشرق الأوسط)
نفّذ الفريق مبادراته التّطوعية على مدى أيام (الشرق الأوسط)

لوّنت مجموعة من المهرجين في مدينة خان يونس الواقعة جنوب قطاع غزة، وجوههم وملابسهم بالألوان اللافتة، التي تحمل دلالات البهجة والفرح وحملوا بعض الألعاب القماشية، واستعدوا للانطلاق في رحلة عمل تطوعية جديدة، يتنقلون خلالها ضمن ساعات طويلة في اليوم، بين المناطق النائية والمهمشة حيث ينتظرهم الأطفال الراغبون في الترفيه عن أنفسهم، بكلّ شغفٍ وحبّ على شبابيك وأبواب المنازل.
وتحمل تلك الفعاليات التي جاءت ضمن مبادرة لإحدى الفرق الشبابية الترفيهية اسم «الفرحة جياكو»، وتهدف إلى رسم البسمة على وجوه الصغار والكبار، وإخراجهم من الوضع النفسي الصّعب بسبب الحجر الصّحي المنزلي، خوفاً من الأخطار الناتجة عن فيروس «كورونا»، حسب ما يقول الشابّ فايز محارب، وهو منسق الفريق المبادر في حديثٍ لـ«الشرق الأوسط». ويتابع كلامه: «ركزنا في العروض التي قدمناها خلال الأيام الفائتة، على تنفيذ الإجراءات الوقائية والاحترازية التي تضمن السلامة لنا وللأطفال المستهدفين من المبادرة، لأنّ هدفنا بالأساس توعوي، ولا نرغب في إحداث أي ضرر مجتمعي»، مضيفاً أنّ «السعادة التي يستقبل بها الناس أعضاء فريقنا الأربعة، تحفزنا على تقديم كلّ ما بوسعنا، لأجل الترفيه عنهم وإسعادهم».
وينوه بأنّ الفريق الشاب، يعاني من غياب التمويل وظروفٍ اقتصادية صعبة تحيط بأعضائه كغيرهم من المواطنين في قطاع غزة، وهذا الأمر يمنعهم من الاستمرار في مبادرتهم وتوسيع نشاطها، لتصل لكلّ مناطق قطاع غزة، إضافة لأنّه منعهم في السابق من تنفيذ الكثير من المبادرات الترفيهية والتوعوية التي خططوا لها، على حدّ تعبيره، مشيراً إلى أنّهم، ورغم ذلك الأمر، فهم مستمرون بالعمل، بما يستطيعون تجميعه من مال وإمكانيات بسيطة.
ولم تتمكن الطفلة ياسمين المصري من مدارة ضحكاتها العالية، التي كانت تبعثها للمهرج الذي وقف يداعبها ويرسل لها القبلات، بينما هي تراقبه من شرفة منزلها، الواقع في وسط مخيم خان يونس للاجئين. وراحت ياسمين المصري تنادي بصوتٍ مرتفع على أمها وباقي أشقائها لمشاهدة العرض الترفيهي الصغير، الذي خفّف عنها حدّة الملل، بسبب التزامها المنزل منذ نحو شهر.
ومن اللافت ذكره، أنّ عدداً من الشباب وأصحاب المواهب في مختلف المدن الفلسطينية، اجتهدوا منذ الإعلان عن حالة الطوارئ في بداية شهر مارس (آذار) الماضي، بالعمل على الخروج بأفكار إبداعية جديدة، نفذوا من خلالها مبادرات تطوعية متنوعة، استهدفت مختلف المناطق الفلسطينية، لا سيما المهمشة منها، والتي بات أطفالها وسكانها يعانون من العزلة، وانقطاع التواصل مع العالم الخارجي.
الشاب أنس الناظر من مدينة الخليل الواقعة في جنوب الضفة الغربية المحتلة، شكّل وأصدقاؤه في فرقة عالم سمسم الترفيهية، مبادرة شعبية، جابوا فيها المناطق المهمشة المتناثرة على أطراف المحافظة، مؤدّين عروضاً ترفيهية وفنية للأطفال الذين استقبلوهم بشوقٍ شديد، وفرحٍ بدت ملامحه واضحة مع كلّ ضحكة رُسمت على وجوههم.
ويشير الشابّ أنس إلى أنّ مبادرتهم الذاتية تأتي في وقتٍ حساس ومهم، ويجب على جميع الفئات المجتمعية التكاتف لتحفيز الناس على البقاء داخل المنازل خاصّة الأطفال، لا سيما أن أخطار الفيروس ما زالت تحيط بكثير من المدن الفلسطينية والدول المجاورة، موضحاً أنّ هدف المبادرة كذلك هو تقديم معلومات إرشادية للصّغار تجنّب الإصابة بالفيروس.
وعبّرت الطفلة سنا الشريف (9 سنوات)، عن سعادتها بمبادرة فريق «سمسم»، لأنّها ساهمت في الترفيه عنها وعن باقي أطفال القرية حيث تسكن، كونها وفرّت لهم أجواء الفرح واللعب والمتعة، بعد هذا الشعور بالضجر الشديد بسبب المكوث في المنزل لأيامٍ طويلة، والانقطاع عن المدرسة وأماكن التنزه.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».