«كورونا» يجبر المصريين على «شم النسيم» في البيوت

بعد حظر التجمعات وإغلاق الحدائق العامة والشواطئ

بهجة احتفالات المصريين السابقة بشم النسيم ارتبطت بالخروج للمتنزهات (الشرق الأوسط)
بهجة احتفالات المصريين السابقة بشم النسيم ارتبطت بالخروج للمتنزهات (الشرق الأوسط)
TT

«كورونا» يجبر المصريين على «شم النسيم» في البيوت

بهجة احتفالات المصريين السابقة بشم النسيم ارتبطت بالخروج للمتنزهات (الشرق الأوسط)
بهجة احتفالات المصريين السابقة بشم النسيم ارتبطت بالخروج للمتنزهات (الشرق الأوسط)

اعتاد المصريون كل عام على اقتران يوم شم النسيم بالتحذيرات الصحية من فرط تناول الأسماك المملحة والحرص على الابتعاد عن شراء الأسماك مجهولة المصدر، بالتزامن مع نشر أخبار عن ضبط أجهزة التموين لشحنات من الأسماك منتهية الصلاحية، وخروج ملايين الأشخاص إلى المتنزهات والحدائق العامة والشواطئ وكورنيش النيل للاحتفال بـ«شم النسيم».
ويتخذ «شم النسيم» في مصر الذي سوف يحين موعده منتصف الأسبوع المقبل، طابعاً أقرب للمهرجان الشعبي الذي يُوافق الاحتفال به كل عام اليوم التالي لاحتفال مسيحيي مصر بعيد «القيامة»، ويشترك المصريون بمختلف أديانهم وطبقاتهم الاجتماعية الاحتفال بطقوس عيد الربيع أو «شم النسيم»، بداية من تلوين البيض المسلوق، وتناول الأسماك المملحة «الرنجة» و«الفسيخ» في سياقات اجتماعية مرحة، لا تُفرق بين أطفال وكبار سن، فتستقبل المتنزهات، وأماكن الاحتفالات التقليدية على غرار حديقة الحيوان بالجيزة، التي استقبلت العام الماضي نحو ربع مليون زائر وفق مسؤولي الحديقة، بجانب حدائق القناطر الخيرية (شمال القاهرة) والرحلات النيلية التي تنتعش في ذلك اليوم، وكلها خيارات غنية ليوم خاص تتخذه مصر عطلة رسمية منذ سنوات طويلة.
لكن على نقيض كل ما سبق، فقد تبدل الحال هذا العام بسبب جائحة كورونا، وخصوصاً بعد قرار السلطات المصرية بإغلاق الشواطئ والمتنزهات بشكل تام خلال احتفالات شم النسيم الذي من المقرر أن يحين موعده قبيل شهر رمضان بأيام قليلة، وبات المنزل هو السبيل الإجباري لقضاء ذلك اليوم.
وتمتد جذور الاحتفال بشم النسيم إلى مواريث فرعونية في احتفال ارتبط لديهم ببعث الحياة والاستمتاع بجمال الطبيعة في الربيع، وتوارث المصريون منهم تلوين البيض وتناول الأسماك المملحة، ويعتبر محمد طلبة، بائع أسماك مملحة، أنه لا يوجد تغير كبير في أسعار الأسماك المملحة هذا العام عن العام الماضي، ويقول «تتراوح أسعار كيلو الرنجة ما بين 40 إلى 70 جنيها مصريا (الدولار الأميركي يعادل 15.6 جينه مصري)، ويتراوح سعر الفسيخ ما بين 150 إلى 200 جنيه في الدرجة الأولى منه»، ويضيف طلبة لـ«الشرق الأوسط»: «المُلاحظ هذا العام هو عدم الإقبال على شراء كميات كبيرة من الأسماك كما تميل العائلات كل عام، وذلك من ناحية لأن التجمعات العائلية بشكل عام قلّت بحكم الظروف والقلق الذي فرضه علينا فيروس كورونا، فصار رب الأسرة مثلاً يشتري كمية محدودة، بعدما كان يشتري كمية كبيرة في السنوات الماضية تكفي زيارة إخوته وعائلته الكبيرة، وكذلك لأن شم النسيم هذا العام يسبق شهر رمضان بأيام قليلة، وعادة لا تتماشى طبيعة شهر رمضان مع الأسماك المالحة، وبالتالي فإن الكثيرين لن يفضلوا تخزين فائض من أسماك شم النسيم وبالتالي شراء كمية محدودة تكفي ليوم الاحتفال فقط».
ويتفنن المصريون في إعداد الأسماك المملحة والتجديد في وصفات تقديمها، وينتعش على هامشه شراء الخضراوات وخصوصاً البصل والخس والليمون، وكذلك الخبز «البلدي» التقليدي، والمشروبات الباردة، ولعل هذه الاحتفاء المُتوارث بوجبة «الفسيخ» و«الرنجة» سيحرم المصريون من بهجته المُرتبطة بالعزائم العائلية الكبيرة، التي تتراوح صخب موائدها باختلاف الطبقات الاجتماعية، وسيتم الاكتفاء بتناول الأسماك المملحة بالمنازل، وفق آية مكاوي، ربة منزل، 37 سنة، والمقيمة بحي الدقي بالجيزة، والتي تقول «اشترينا بالفعل الأسماك المملحة، واتبعنا محاذير شرائها محكمة التغليف كما توجه الإجراءات الصحية، وهذه أول مرة نقوم بشرائها، حيث اعتدنا كل عام على الاحتفال بشم النسيم في بيت والدي، ولكن هذا العام سأقوم بتدبير إعداد المائدة لعائلتي الصغيرة، وهكذا الحال بالنسبة لإخوتي الثلاثة وأبنائهم، تماشيا مع إرشادات التباعد الاجتماعي».
وتُقارن نجلاء إبراهيم، 66 عاماً المقيمة بمدينة السادس من أكتوبر (غرب القاهرة)، بين احتفالات شم النسيم في طفولتها حيث كانت تنتظر في هذا اليوم بث حفلات عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش بمناسبة عيد الربيع، وبين احتفالات أحفادها، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «سيكون الاحتفال هذا العام دون بهجة، بشكل شخصي لعدم زيارة أبنائنا وأحفادنا والتجمع سوياً، ولا حتى عبر التلفزيون الذي كنا معتادين فيه هذا اليوم على إذاعة لقاءات ومشاهد احتفال الناس في الحدائق، ونظل في المقابل نتابع أخبار تطور فيروس كورونا في كل العالم بقلق، فلم نشعر بالربيع ولا الاحتفال بقدومه».


مقالات ذات صلة

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».