تنسيق إيطالي ـ إسباني يستبق اجتماعاً أوروبياً حاسماً

«كوفيد ـ 19» خطف مائة طبيب إيطالي

اثنان من الطاقم الطبي كتبا على أيديهما «سي لا فارمو» أي «سنخرج من هذه الأزمة» في مستشفى بمدينة فاريسي الإيطالية أمس (رويترز)
اثنان من الطاقم الطبي كتبا على أيديهما «سي لا فارمو» أي «سنخرج من هذه الأزمة» في مستشفى بمدينة فاريسي الإيطالية أمس (رويترز)
TT

تنسيق إيطالي ـ إسباني يستبق اجتماعاً أوروبياً حاسماً

اثنان من الطاقم الطبي كتبا على أيديهما «سي لا فارمو» أي «سنخرج من هذه الأزمة» في مستشفى بمدينة فاريسي الإيطالية أمس (رويترز)
اثنان من الطاقم الطبي كتبا على أيديهما «سي لا فارمو» أي «سنخرج من هذه الأزمة» في مستشفى بمدينة فاريسي الإيطالية أمس (رويترز)

لم يكن الاتحاد الأوروبي بحاجة لمن ينكأ الجراح المفتوحة بين أعضائه وتسميم الأجواء الملبّدة التي تخيّم على معالجته المتعثّرة لأزمة «كوفيد - 19» منذ مطلع الشهر الماضي. فالاستياء الذي يعمّ عواصم الجنوب الأوروبي، وبخاصة روما ومدريد ولشبونة، من موقف دول الشمال الرافضة لتقاسم أعباء خطة الإنقاذ المشتركة بعد نهاية الأزمة، وما يرافقه من تبادل بالسهام الحادّة، يضع المشروع الأوروبي برمّته أمام أعسر امتحان منذ تأسيسه ويهدّد بتقويض دعائمه المترنّحة منذ سنوات تحت وطأة الانتكاسات والصدمات المتعاقبة.
لكن صحيفة «دي فيلت» الألمانية الواسعة الانتشار، قرّرت أن تصبّ المزيد من الزيت على النار الأوروبية، وصدرت أمس الخميس بعنوان كان له وقع الصدمة في إيطاليا التي كانت تعدّ الضحية المائة بين أطبّائها الذين يكافحون الوباء الذي ينتشر في الهشيم الأوروبي، حيث زاد عدد الوفيّات عن ٦٠ ألفا من أصل ٨٨ ألفا في العالم.
«المافيا في انتظار أموال الاتحاد الأوروبي» هو العنوان الذي أشعل الغضب الإيطالي، بعد أن ناشدت الصحيفة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل «الثبات في موقفها وعدم الرضوخ للضغوط الإيطالية من أجل إصدار سندات كورونا». وجاء في افتتاحية الصحيفة: «التضامن يجب أن يكون سخيّاً، لكن بلا حدود ومن غير ضوابط؟! لا بد أن يكون واضحاً لإيطاليا، حيث المافيا القويّة تترقّب هطول المساعدات من بروكسل، إن هذه الموارد يجب أن تنفق على النظام الصحّي فحسب، وفقاً للقواعد والمبادئ الأساسية المرعيّة في الاتحاد».
ويذكر أن حزب «الخضر» الذي يشارك في الائتلاف الألماني الحاكم كان قد ناشد ميركل التراجع عن تصلّبها والتجاوب مع مطالب إيطاليا وإسبانيا، وأيدّته في ذلك وسائل إعلام مثل «بيلد» ومجلة «در شبيغل» النافذة، التي قال رئيس تحريرها ستيفين كلوسمان في افتتاحيته: «على ألمانيا أن تتذكّر من شارك في تمويل إعادة إعمارها بعد الحرب».
وعشيّة استئناف المفاوضات في المجلس الأوروبي لوزراء المال الذي كان قد فشل في التوصل إلى اتفاق حول آلية تمويل خطة الإنقاذ بعد ١٤ ساعة من المناقشات الحامية التي شهدت صداماً عنيفاً بين الوزيرين الهولندي والإيطالي، كان البرلمان الهولندي قد عقد جلسة طارئة مساء الأربعاء اعتمد فيها قراراً يدعو الحكومة إلى عدم القبول بإصدار سندات كورونا التي تقترحها إيطاليا وإسبانيا والإصرار على وضع شروط للاقتراض من صندوق الإغاثة التي تأسس بعد أزمة ٢٠٠٨ المالية.
وتقول مصادر دبلوماسية إن الصدام الهولندي الإيطالي الذي احتشدت وراءه دول أخرى في مواجهة واضحة بين الشمال والجنوب، قد أعاد الحرارة إلى المحور الفرنسي - الألماني الذي كان يمرّ في مرحلة من الفتور منذ فترة. وتسعى برلين وباريس إلى التوفيق بين المواقف المتضاربة انطلاقاً من الاقتراح الذي تقدّم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإصدار سندات أوروبية، تموّل صندوق الإنقاذ بشروط ميسرّة للدول الأكثر تضرراً من الأزمة. وكان الممثل الأوروبي للسياسة الخارجية جوزيب بورّيل قد أعرب عن تأييده للاقتراح الفرنسي، الذي قال إنه يتيح للدول الأعضاء التي توقفّت فيها عجلة النشاط الاقتصادي مواجهة المرحلة التالية على قدم المساوة في سوق المال مع الدول الأخرى.
من جهته، أجرى رئيس الوزراء الإيطالي جيوزيبي كونتي اتّصالاً مطوّلاً أمس الخميس مع نظيره الإسباني بيدرو سانتشيز، قالت مصادر دبلوماسية إنه تناول تنسيق المواقف بين الطرفين. وفيما صرّح كونتي قائلا: «إما أن تكون أوروبا في مستوى هذا التحدّي، أو علينا أن نتخلّى نهائياً عن الحلم الأوروبي ويذهب كلٌّ منا في طريقه»، قال سانتشيز: «لا أحد بإمكانه أن يواجه وحده مثل هذه الكارثة الصحّية والاقتصادية والاجتماعية».
وكان سانتشيز قد دعا الأحزاب السياسية إلى الاجتماع لوضع خطة إنقاذ وطنية للاقتصاد بعد نهاية الأزمة، التي ينتظر أن تؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى ٢٠٪ وتراجع إجمالي الناتج القومي بنسبة ٩٪. لكن بعد التصدّع العميق الذي شهدته الجبهة السياسية في الأيام الأخيرة والانتقادات الشديدة التي وجهتها المعارضة اليمينية والانفصالية للحكومة بسبب إدارتها للأزمة، ليس من الواضح أن الأحزاب السياسية سوف تتجاوب مع هذه الدعوة، خاصة أن معظمها يتحرّك وراء بوصلة المرحلة المقبلة التي تلوح فيها الدعوة لانتخابات جديدة. وفي مداخلة له أمام مجلس النواب، ظهر أمس الخميس، رجّح سانتشيز أن يعود مجدداً إلى البرلمان بعد ١٥ يوماً ليطلب تمديد حالة الطوارئ واستمرار العزل المفروض منذ ثلاثة أسابيع.
وإذ تواجه إسبانيا صعوبة كبيرة في تعداد الوفيّات التي تراجعت أمس إلى ٦٨٣ بعد أن تجاوز عددها الإجمالي ١٥ ألفاً، حذّرت مجموعة من الأخصائيين الأوروبيين في علوم الجراثيم والأوبئة، من ألمانيا وهولندا وإسبانيا وإيطاليا والنمسا وبريطانيا، من أن الوسائل والطرق المستخدمة لتشخيص الإصابات ليست موثوقة في معظمها، وأنها تستند في الغالب إلى التجربة الصينية التي تختلف في كثير من نواحيها وظروفها عن الواقع الأوروبي. وكانت هذه المجموعة قد أجرت دراسة على ٣١ نموذجاً يستخدمه الأطباء الأوروبيون، وقالت إن الخطورة تزداد عندما تتحوّل هذه النماذج إلى تطبيقات إلكترونية يلجأ إليها الأطباء تحت الضغط، وفي حالات التردد ويستندون في قرارتهم العلاجية إلى نتائجها.
وفي مدريد أفادت دراسة أجرتها مجموعة من الباحثين حول تداعيات «كوفيد - 19» على الأطفال، أنهم يواجهون نفس المخاطر على صعيد الإصابة، لكنهم لا تظهر عليهم عوارض خطيرة. كما بيّنت الدراسة أن نسبة الإصابات بين الأطفال في إسبانيا تزيد عشرين ضعفاً عن النسبة في الصين، حيث بلغت ٠.٦٪ من مجموع الإصابات.
وعن دواء «كلوروكين» الذي أثير جدل واسع على الصعيد العالمي حول استخدامه ومدى فعاليته وخطورته في معالجة «كوفيد - 19»، أفادت مصادر طبية إسبانية أن عدداً من المستشفيات يجرّب هذا الدواء رغم تحذيرات منظمة الصحة العالمية. ويقول أحد الاختصاصيين الذين جرّبوا هذا الدواء في علاج المصابين بفيروس كورونا: «ما نعرفه حتى الآن عن هذا الدواء الذي وقع في غرامه الرئيس الأميركي هو أنه فاعل فقط في بعض الحالات في المرحلة الأولى من الإصابة».


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟