ساندرز ينسحب من السباق الرئاسي ويسلّم الشعلة لبايدن

طوابير طويلة من الناخبين في ولاية ويسكنسن تثير غضب الديمقراطيين

ساندرز (يسار) انسحب من سباق الترشح لمصلحة منافسه بايدن (إ.ب.أ)
ساندرز (يسار) انسحب من سباق الترشح لمصلحة منافسه بايدن (إ.ب.أ)
TT

ساندرز ينسحب من السباق الرئاسي ويسلّم الشعلة لبايدن

ساندرز (يسار) انسحب من سباق الترشح لمصلحة منافسه بايدن (إ.ب.أ)
ساندرز (يسار) انسحب من سباق الترشح لمصلحة منافسه بايدن (إ.ب.أ)

أعلن السيناتور برني ساندرز انسحابه من السباق الرئاسي وتسليم الشعلة لمنافسه نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن. جاء قرار ساندرز بعد اطلاعه على الأرقام الأولية لانتخابات ويسكنسن التمهيدية التي أظهرت تقدم بايدن عليه بشكل كبير، الأمر الذي قضى على أي أمل لديه بالفوز بترشيح الحزب.
وكانت ولاية ويسكنسن شهدت يوم الثلاثاء مشهداً غريباً في أيام الحجر الصحي: طوابير طويلة من الأميركيين أمام مراكز الاقتراع في ولاية ويسكنسن التي عقدت انتخاباتها التمهيدية يوم الثلاثاء على الرغم من تحذيرات الخبراء في القطاع الطبي.
فقد وقف الناخبون الذين وضعوا أقنعة على وجوههم ساعات طويلة محاولين قدر المستطاع احترام مسافة المترين بينهم. مشهد أثار حفيظة الكثيرين خاصة الديمقراطيين الذين سعوا جاهدين لتأجيل الانتخابات لكنهم قوبلوا برفض جمهوري حاسم مدعوم بقرار للمحكمة العليا يرفض تمديد الانتخابات عبر البريد. وقد دعمت المحكمة قرار الجمهوريين الذين يسيطرون على المجلس التشريعي في الولاية، الأمر الذي مكّنهم من تخطي قرار الحاكم الديمقراطي لويسكنسن بتأجيل الانتخابات إلى شهر يونيو (حزيران). وأعرب الديمقراطيون عن غضبهم الشديد من قرار المحكمة، ووصف رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية توم بيريز ما جرى باليوم الأسود في تاريخ البلاد.
ما يقصده بيريز هو إصرار الجمهوريين على عقد الانتخابات في موعدها المحدد لضمان فوز مرشحهم المحافظ لمنصب قاض في المحكمة العليا في الولاية. وهو سباق مدرج على جدول الانتخابات التمهيدية في الولاية، إضافة إلى سباق الديمقراطيين بين نائب الرئيس الأميركي جو بايدن ومنافسه بيرني ساندرز.
وقد علّق الرئيس الأميركي دونالد ترمب على قرار المحكمة بإجراء الانتخابات في موعدها فغرّد قائلاً: «لقد قررت المحكمة إجراء انتخابات ويسكنسن في موعدها المحدد. صوتوا للقاضي دانييل كيلي! وحافظوا على صحتكم»، كما دعا ترمب الناخبين إلى الخروج من منازلهم والتصويت لصالح كيلي خلال النهار الانتخابي.
وكان الديمقراطيون يسعون إلى تمديد التصويت عبر البريد في الولاية إلى الثالث عشر من أبريل (نيسان) لتفادي التصويت حضورياً، وهم استشاطوا غضباً لدى سماع قرار المحكمة برفض طلبهم فقال رئيس الحزب الديمقراطي في الولاية بن ويكلر: «سوف أنفجر! إن المحكمة العليا اتبعت أوامر ترمب وسوف يدرج هذا في كتب التاريخ».
وعلى الرغم من أن نتيجة انتخابات ويسكنسن النهائية لن تصدر حتى يوم الاثنين المقبل، فإن الأرقام الأولية أشارت إلى تقدم بايدن بشكل كبير على ساندرز.
إصرار سيناتور فرمونت على البقاء في السباق حتى يوم الأربعاء، لم يمنع بايدن بالتصرف على أنه المرشح الرسمي للحزب. فقد أجرى اتصالاً مطولاً مع الرئيس الأميركي لاستعراض رد الولايات المتحدة على فيروس «كورونا»، وذلك في خطوة نادرة للغاية لا تعكس الأجواء السياسية المتوترة التي تعيشها البلاد.
وفي بارقة أمل باهتة لفتت الانتباه ولو قليلاً عن الأزمة الحالية، أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بخصمه ووصف المكالمة التي جمعتهما بالرائعة والدافئة. وقال في المؤتمر الصحافي اليومي الذي يعقده في البيت الأبيض: «لقد جمعتنا محادثة رائعة ودافئة، كانت محادثة لطيفة جداً» وتابع ترمب: «إني أقدر اتصاله بي، هو أعطاني وجهة نظره وأنا فهمتها للغاية...».
لكن الرئيس الأميركي، الذي رفض إعطاء المزيد من التفاصيل عن فحوى الاتصال بعد اتفاق الطرفين على الحفاظ على سرية المكالمة، شدد على أنه لا يوافق بالضرورة على مقترحات بايدن.
كلمات إيجابية بين الخصمين اللدودين قلّما اعتاد عليها الأميركيون، ولم تقتصر على الرئيس الأميركي فحسب، بل كررتها حملة بايدن الانتخابية، فقالت الناطقة باسم الحملة كايت بيدينغفيلد: «الاتصال الذي جمع بينهما كان جيداً. نائب الرئيس الأميركي بايدن شارك مقترحات عدة تستطيع الإدارة أن تتخذها الآن لمواجهة الوباء، وأعرب عن تقديره للأميركيين الذين يحترمون التحديات التي تواجهها البلاد».
يأتي هذا في وقت تحاول فيه حملة بايدن الانتخابية تعزيز موقعها في الساحة السياسية الأميركية، كي لا يظهر المرشح الديمقراطي بمظهر الغائب عن جهود مكافحة الفيروس. فأرسلت الحملة رسائل إلكترونية إلى حكام الولايات الخمسين، إضافة إلى بورتو ريكو، لعرض المساعدة على من يحتاجها.
لكن هذا التعاون الحزبي النادر لم ينعكس على حملات المرشحين الدعائية، على الرغم من تحذيرات الخبراء من التأثير العكسي للحملات السلبية على الأجواء المتوترة التي تعيشها البلاد. فالديمقراطيون يهاجمون في حملاتهم رد الإدارة الأميركية المتأخر على الفيروس، وقد شاهد الأميركيون العالقون في منازلهم سلسلة من الإعلانات التي تتهم الرئيس الأميركي بمساعدة شركات الأدوية بدلاً من مساعدة الأميركيين، كما يحضّر الجمهوريون للرد من خلال حملات دعائية تستهدف بايدن والديمقراطيين وتصفهم بالمعارضين لكل الجهود الهادفة لمكافحة الوباء.
وإذ تسعى الحملات الانتخابية المختلفة إلى الاستفادة من وجود الأميركيين القسري في منازلهم أمام شاشات التلفزة وحواسيبهم لعرض إعلانات تفيد المرشحين وتستقطب أصواتهم، أعلنت اللجنة الديمقراطية الوطنية عن تخصيصها لمبلغ 22 مليون دولار للحملات الدعائية عبر يوتيوب في 14 ولاية. وستبدأ هذه الإعلانات الانتخابية بالبث في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل وحتى نوفمبر (تشرين الثاني)، موعد الانتخابات الرئاسية. وقال رئيس اللجنة توم بيريز: «اليوم وأكثر من أي وقت مضى، من المهم أن نتحدث إلى الناخبين عبر العالم الافتراضي. وسوف يساعدنا هذا البرنامج الإلكتروني على استقطاب الناخبين لنجعل من دونالد ترمب رئيساً لولاية واحدة فقط».
وكان بايدن رفض جذرياً سيناريو تأجيل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل في حال عدم السيطرة على فيروس «كورونا». وقال بايدن في مقابلة مع شبكة (إن بي سي): «لا يمكننا تأجيل انتخابات نوفمبر المطلوبة دستورياً».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟