هل يتفق منتجو العالم على أكبر تخفيض نفطي في التاريخ؟

فرصة ذهبية لتوحيد الصفوف بعيداً عن «الكبرياء القانوني والسياسي»

هل يتفق منتجو العالم على أكبر تخفيض نفطي في التاريخ؟
هل يتفق منتجو العالم على أكبر تخفيض نفطي في التاريخ؟
TT

هل يتفق منتجو العالم على أكبر تخفيض نفطي في التاريخ؟

هل يتفق منتجو العالم على أكبر تخفيض نفطي في التاريخ؟
هل يتفق منتجو العالم على أكبر تخفيض نفطي في التاريخ؟

أصعب ما يمكن استيعابه حالياً هو أن هذا الكم الهائل من الدول المنتجة للنفط التي تنزف وتعاني من هبوط أسعار النفط بشكل كبير ومستويات لم نرها منذ عقدين تقريباً، وسط أزمة اقتصادية هي الأشد في التاريخ حتى الآن، لن تصل إلى اتفاق يعيد الاستقرار لسوق النفط ويدعم الأسعار، لكن حتى الآن لا تزال احتمالية عدم الوصول إلى اتفاق قائمة.
إن هناك «كبرياء قانونياً وسياسياً» يمنع الكثير من الدول للدخول في مفاوضات غدٍ (الخميس) مع تحالف «أوبك+» المكون من منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها من خارج المنظمة الذين تقودهم روسيا؛ لبحث إمكانية تخفيض الإنتاج الذي قد يكون هو الأكبر في تاريخ صناعة النفط. وهناك أمور أخرى لا علاقة لها بالتحالف والمنظمة، وهي شأن سياسي خاص بين الدول لا يمكن نفيه أو تأكيده؛ مثل إصرار روسيا على مشاركة الولايات المتحدة في أي اتفاق.
وقد يكون الحل لدى وزراء طاقة مجموعة العشرين الذين سيجتمعون بعد غدٍ (الجمعة) لبحث استقرار السوق في ظل تداعيات فيروس كورونا؛ إذ إن المجموعة منوط بها الحفاظ على استقرار الاقتصاد العالمي، ولا أتصور إمكانية استقراره من دون استقرار سوق النفط؛ وكما تقول ميغين أوسليفان، من جامعة هارفارد، في مقال بالأمس، إن «النفط هو أبرز المؤشرات الاقتصادية في عالم ما بعد (كورونا)».
وحتى الآن، هناك ثلاثة أطراف في المناقشات حول هذا الخفض الذي دعت إليه في الأساس الولايات المتحدة الأميركية، والذي توقع رئيسها دونالد ترمب أن يصل إلى 10 ملايين برميل يومياً، وقد يفوق هذا إلى 15 مليون برميل يومياً. هذه الأطراف هي منظمة «أوبك» وتحالف «أوبك+» ومجموعة العشرين. وقد لقي مقترح ترمب استحسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي اعتبر أن تخفيض إنتاج كبار المنتجين في العالم بنحو 10 ملايين برميل يومياً أمر معقول.
ورغم أن المنطق السليم يقول، إن هذا الخفض في صالح الجميع، وإن الاتفاق يجب أن يكون سلساً وسهلاً، فإن التصريحات حتى الآن لا تظهر النتيجة النهائية. وهناك دول تحركها المصالح الاقتصادية الصرفة وهي على وفاق كامل مع المنتجين، مثل السعودية وباقي دول الخليج، والدول المنتجة في غرب أفريقيا والبرازيل. وهناك دول لديها مواقف سياسية وتشكل السياسية أولوية في قراراتها، مثل روسيا وإيران وفنزويلا، وهي بطبيعة الحال ليست على وفاق مع الولايات المتحدة.
أما النوع الثالث من الدول، فهي الدول المستهلكة والمنتجة في الوقت ذاته، مثل كندا والولايات المتحدة، وهذه الدول لديها مواقف سياسية ضد «أوبك»، وهي تريد من المنظمة فعل شيء، لكنها لا تريد الدخول في مفاوضات مباشرة معها، وبخاصة الولايات المتحدة التي كان أعضاء مجلس الشيوخ فيها يسعون إلى تشريع قانون «نو أوبك» لفرض عقوبات على «أوبك»، واتهامها بالتلاعب بالأسواق الدولية.
> تصريحات متسرعة... وحكمة سعودية

والذي يراقب تصريحات الدول يرى تبايناً كبيراً وتناقضات لا حصر لها، والذي يتابع الإعلام يرى كماً هائلاً من الأخبار من دون مصدر رسمي؛ وكلها مصادر تندرج تحت فئة «على اطلاع» وذات صلة.
والبداية مع تصريحات الرئيس الروسي والتي حمّل فيها السعودية مسؤولية تدهور السوق النفطية، وردت السعودية بكل حزم بأنها ليست المسؤولة عن ذلك، بل إن روسيا هي من رفض تخفيض إنتاج تحالف «أوبك+» من أجل استقرار السوق، ودعت روسيا لعدم تزييف الحقائق.
وهناك لوم خفي يوجه للسعودية من قبل المراقبين والمتابعين والمحللين في بعض الدول في «أوبك» صغاراً كانوا أم كباراً في الإنتاج، ويبدي البعض منهم سخطاً من قيام المملكة بزيادة صادراتها النفطية إلى مستوى تاريخي هذا الشهر وتقديم تخفيضات هي الأعلى منذ ما لا يقل عن عشر سنوات على خاماتها النفطية الخمسة التي تنتجها يومياً. بل إن الكثير يشككون في قدرتها على بيع هذه الكمية خاصة مع هبوط الطلب الحاد بنحو 20 مليون برميل يومياً هذا الشهر، وأن هذه الزيادة في الإنتاج ستضر السوق والأسعار بشكل أكبر.
وفي حقيقة الأمر، لا أرى أن السعودية قامت بأي تصرف غير منطقي وعقلاني حتى وإن بدأ للجميع غير ذلك. ماذا كان مفترضاً من المملكة فعله؟ لو خفضت المملكة مليوناً أو مليوني أو ثلاثة ملايين برميل سيصل إنتاجها إلى 6 أو 7 ملايين برميل يومياً ولن يتغير الوضع وستهبط الأسعار بسبب هبوط الطلب.
وبالنسبة لدولة استثمرت مليارات الدولارات لبناء طاقة إنتاجية قدرها 12.5 مليون برميل يومياً، أبقت منها 2 إلى 3 ملايين برميل فائضاً طيلة عقد من الزمن، أمر غير منطقي استثمارياً أو حتى إنتاجياً - فإقفال كل هذه الآبار بسرعة كبيرة أمر ليس جيداً، ومهندسو البترول يعرفون هذا. واقتصادياً، فإن إقفال هذه الآبار التي لا تزيد تكلفة إنتاج البرميل فيها على 5 دولارات لصالح المنتجين في العالم الذين يحتاجون إلى 20 و30 دولاراً للبرميل أمر غير منطقي. والحل المنطقي الوحيد هو أن يشارك الجميع في التخفيض.
أما الولايات المتحدة، فموقف الصناعة فيها مختلف عن موقف الحكومة. ففي الوقت الذي تجري فيه هيئة السكك الحديدية في تكساس تنسيقاً لمشاركة منتجي تكساس في الاتفاق الدولي للتخفيض، يخرج الرئيس الأميركي بتصريحات عدائية ضد «أوبك» وتهديد روسيا والسعودية بفرض رسوم على صادراتهم النفطية إليها. وهناك تباين في الصناعة كذلك، حيث يرفض معهد البترول الأميركي دخول الشركات الأميركية في أي اتفاق للتخفيض.
وبعيداً عن كل هذا، خرجت إيران كالعادة بتصريح مليء بالمغازي السياسية، حيث صرح وزير نفطها بيجن زنغنه، الذي يعتبر من أقدم وزراء النفط في منظمة «أوبك» حالياً، بالأمس بعد إجرائه محادثات مع نظرائه في الجزائر، التي تترأس «أوبك» في دورتها هذا العام، وروسيا والكويت، قائلاً إنه يجب على كندا والولايات المتحدة وباقي المنتجين الدخول في الاتفاق، وليس هذا وحسب، بل إنه يجب الاتفاق على المستوى الذي سيتم منه تخفيض الإنتاج قبل الاجتماع.
لا أريد الخوض في النوايا، لكن طيلة السنوات التي تابعت فيها «أوبك»، فإن الحديث عن الشهر الذي يجب استخدامه لتحديد مستوى الإنتاج قبل التخفيض، هو في الغالب محاولة لتعطيل الاتفاق. وهذا الأمر تكرر كثيراً، آخرها في اتفاق عام 2016، وتوقعي أن الكثير من الدول التي لا تستطيع رفع إنتاجها مثل إيران المطالبة باستخدام شهر مارس، لمنع الدول الأخرى التي رفعت إنتاجها مثل السعودية والعراق والكويت والإمارات من الحصول على حصة أكبر إذا ما استخدموا مستوى شهر أبريل (نيسان).
أما الولايات المتحدة، فقد جاوب رئيسها على ذلك للصحافيين قائلاً، إن «أوبك» لم تضغط عليه لتخفيض إنتاج الشركات الأميركية، واكتفى بقوله، إن إنتاجها سينخفض طبيعياً بسبب عوامل السوق. ومن المتوقع أن يتم احتساب مساهمة الولايات المتحدة بالتخفيض الطبيعي وليس الطوعي، وهو أمر استخدمته المكسيك في اتفاق «أوبك+»، حيث اعتبرت أي هبوط طبيعي في الطلب مساهمة منها.
وحتى الآن لم تخرج السعودية رسمياً للحديث عن أي رقم للتخفيض، وهذا أمر حكيم لأن الدول لا يمكن أن تتوقع حجم التخفيض من دون اجتماع، والرقم الأميركي - الروسي (10 ملايين برميل) لن يفيد كثيراً إذا كان الهبوط في الطلب بنحو 20 إلى 35 مليون برميل يومياً. ويبدو واضحاً أن العالم سيحتاج إلى تخفيض تاريخي أكبر، وإلى تفاهم أعمق.
إن فيروس كورونا لا يجب أن يكون حدثاً عابراً، بل محطة تحول لخلق نظام جديد، مثلما حصل بعد الحرب العالمية الثانية، واتفاق «بريتين وودز» الذي أدى إلى قيام نظام مالي ونقدي جديد ومؤسسات جديدة. لكن هذا الأمر يتطلب فكراً وعقلية جديدين، للأسف لا أراها متوافرة اليوم لدى غالبية دول العالم، خصوصاً الغربية التي أصبحت في صدارة المنتجين بفضل دعم «أوبك» للأسعار لسنوات طويلة. ولعل اجتماع قادة مجموعة العشرين أواخر العام، يدعم وضع أسس لهذا النظام الجديد في عالم ما بعد «كورونا».



«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)
جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)
TT

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)
جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)

قال الدكتور عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو)، إن المنظمة ستُشارك بقوة خلال فعاليات مؤتمر الأطراف «كوب 16» لمواجهة التصحر، الذي ينعقد في السعودية مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أنه يتوقع خروج المؤتمر -وهو الأول من نوعه الذي يعقد في منطقة الشرق الأوسط- بمخرجات مهمة.

تعليقات الواعر جاءت على هامش لقاء «مائدة مستديرة»، أعده المكتب الإقليمي لـ«فاو» في مقره بالعاصمة المصرية، القاهرة، بحضور ممثلين محدودين لوسائل إعلام مختارة، وذلك لشرح شكل مشاركة المنظمة في المؤتمر المقبل، وتأكيد أهمية ما يُعرف باسم «ثالوث ريو» (Rio trio)، وهي الاتفاقية التي تربط مؤتمرات الأطراف الثلاثة لحماية الأرض التابعة للأمم المتحدة في مجالات تغيُّر المناخ، وحماية التنوع البيئي، ومكافحة التصحر.

وقالت فداء حداد، مسؤول برامج إعادة تأهيل الأراضي والتغيُّر المناخي في منظمة الفاو، إن اتفاقيات الأطراف الثلاثة غاية في الأهمية والتكامل، وإن المؤتمر المقبل في السعودية سيركز على الأراضي والمياه، وإعادة تأهيلهما والإدارة المستدامة لهما.

الدكتور عبد الحكيم الواعر المدير العام المساعد لمنظمة فاو يتوسط لقاء «مائدة مستديرة» مع خبراء وصحافيين في مقر المنظمة بالقاهرة (الشرق الأوسط)

وأشارت فداء حداد إلى أن نحو 90 بالمائة من منطقة الشرق الأوسط تعاني الجفاف، إلا أنه على الرغم من ذلك، تمكَّنت المجتمعات المحلية والحكومات العربية في كثير منها في اتخاذ إجراءات لمواجهة الجفاف والتصحر.

وكشفت فداء حداد أن «فاو» نجحت للمرة الأولى في وضع موضوع النظم الغذائية على أجندة اجتماعات مؤتمر الأطراف لمواجهة التصحر، الذي يعقد في السعودية، لتتم مناقشة أهمية إعادة تأهيل الأراضي في تحسين السلاسل الغذائية وأنظمتها.

من جانبه، أوضح الواعر أن «فاو» لديها دور كبير في تحقيق الهدف الثاني الأممي من أهداف التنمية المستدامة، وهو القضاء على الجوع، ومن ثم فهي تشارك بقوة وفاعلية في مؤتمرات الأطراف لمواجهة تغيُّر المناخ والتصحر وحماية التنوع، التي تخدم ذات الهدف.

وأكد الواعر أن المنظمة تحاول إبراز دور الغذاء والزراعة وتحول النظم، بحيث تكون أكثر شمولاً وكفاءة واستدامة، من أجل تحقيق إنتاج وتغذية أفضل لحياة أفضل، مشيراً إلى نجاح المنظمة في إدخال هذه الرؤية إلى أجندة الاتفاقيات الثلاث التي تهدف لحماية الأرض، والإسهام مع عدد من الدول المستضيفة في بعض المبادرات.

جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)

وأضاف المسؤول الأممي أن هناك تواصلاً كبيراً مع السعودية لدعم بعض المبادرات خلال استضافتها «كوب 16»، خصوصاً أن هذه الاستضافة تعد مهمة جدّاً من أجل دول المنطقة، كونها الأكثر معاناة فيما يتعلق بندرة المياه والجفاف والتصحر، إلى جانب مشكلات الغذاء والزراعة وغيرهما... ولذا فإن أمام هذه الدول فرصة لعرض الأزمة وأبعادها والبحث عن حلول لها، وإدراجها على لوائح المناقشات، ليس في الدورة الحالية فقط؛ ولكن بشكل دائم في مؤتمرات «كوب» التالية.

وأكد المدير العام المساعد لمنظمة الفاو، أن العالم حالياً أكثر انتباهاً واهتماماً بمشكلة التصحر، لكونها بدأت في غزو مناطق لم يسبق لها أن شهدتها في تاريخها أو تصورت أن تشهدها، على غرار جنوب أوروبا أو مناطق في أميركا اللاتينية مثلاً، وهذه الدول والمناطق بدأت تلاحظ زحف التصحر وانحسار الأراضي الزراعية أو الغابات بشكل مقلق، ومن ثم بدأت النظر إلى المنطقة العربية تحديداً لتعلُّم الدروس في كيفية النجاة من هذه الأزمة عبر قرون طويلة.

وأفاد الواعر بأن «فاو» ستشارك في «كوب 16» بجناحين، أحدهما في المنطقة الزرقاء والآخر في المنطقة الخضراء، وذلك حتى يتسنى للمنظمة التواصل مع الحكومات، وكذلك الأفراد من المجتمع المدني ورواد المؤتمر.

كما أوضح أن «فاو»، بالاتفاق مع السعودية والأمم المتحدة، ستقوم بقيادة التنسيق في يومي «الغذاء» و«الحوكمة» يومي 5 و6 ديسمبر، إضافة إلى مشاركتها القوية في كل الأيام المتخصصة الباقية خلال فعاليات «كوب 16» لمكافحة التصحر.

الدكتور عبد الحكيم الواعر المدير العام المساعد لمنظمة فاو يتوسط لقاء «مائدة مستديرة» مع خبراء وصحافيين في مقر المنظمة بالقاهرة (الشرق الأوسط)

وحول أبرز الموضوعات والمحاور التي جرى إدراجها للنقاش في أروقة «كوب 16» بالرياض، أوضح الواعر أن من بينها «الاستصلاح والإدارة المستدامة للأراضي» في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، والتي تعد مسألة مهمة وأساسية في محاولة استرجاع وإعادة تأهيل الأراضي المضارة نتيجة التصحر، خصوصاً من خلال المبادرات المتعلقة بزيادة رقعة الغابات والمناطق الشجرية، على غرار المبادرات السعودية الخضراء التي تشمل خطة طموحاً لمحاولة زراعة 50 مليار شجرة بالمنطقة العربية.