كان الشهر الماضي بمثابة مناسبة الاحتفال المنتظرة للرؤية الجديدة الخاصة بالفنان دانيال ليند راموس الذي صار من الأبطال المحليين في بورتوريكو بعد اكتساب أعماله النحتية المزيد من الزخم اليومي في البلاد خلال بينالي ويتني العام الماضي.
وفي مطلع مارس (آذار) الماضي، افتتح الفنان أول معرض فردي خاص به في معرض مارلبورو في مقاطعة تشيلسي بمدينة نيويورك. ثم انتقل إلى فلوريدا للحصول على جائزة «بيريز» التي تبلغ قيمتها المادية 50 ألف دولار ممنوحة من متحف بيريز للفنون في ميامي. ثم قفل راجعاً مرة أخرى إلى نيويورك لإغلاق معرضه الفني، وزيارة بعض الزملاء من الفنانين والأصدقاء، مع إتاحة فترة من الوقت لمقابلة هواة جمع الأعمال الفنية ووسائل الإعلام الإخبارية.
وبعد ذلك بأيام معدودة، جاء وباء «كورونا» ليغلق كل شيء في وجه الجميع.
وحتى تمكن من العودة إلى بورتوريكو خلال الأسبوع الجاري، كان الفنان دانيال راموس، البالغ من العمر 66 عاماً، قد نأى بنفسه عن الجميع بنفس الطريقة المعتادة في الأزمة الراهنة، إذ عزل نفسه تماماً في شقة مستأجرة في شرق هارلم، ويقوم يومياً بجولات تكتيكية منظمة للغاية إلى السوبر ماركت لابتياع احتياجاته، ثم يعود لمشاهدة الأفلام، ويتابع أنباء الجائحة التي حلّت بالبشرية مع استماعه لأصوات صافرات سيارات الإسعاف والنشرات المريعة المتتالية بشأن الوباء عبر شبكة الإنترنت، ناهيكم بالرسم أيضاً.
يقول الفنان دانيال راموس: «علينا الاستعانة بكل ما هو في متناول أيدينا لرسم اللوحات. وأنا أبعد ما أكون عن الاستوديو خاصتي، ولكنني أملك الأوراق والألوان، والأقلام الرصاص. ولذلك يمكنني الاستجابة للموقف الحالي بصورة إيجابية».
الكوارث، في بعض صورها، هي من المعالم المألوفة لبعضهم.
ونذكر من ذلك تاريخ التهميش الذي عانى منه سكان بورتوريكو الملونين –من ذوي الأصول الأفريقية القديمة– الذين يشكّلون أصول المجتمعات الباقية حتى اليوم، مثل مجتمع لويزا الذي ينتمي إليه الفنان دانيال راموس، حيث نشأ وواصل العمل حتى اليوم. كما نذكر العقد الماضي من الأزمة المالية العالمية القاسية وما تمخض عنها من تدابير التقشف التي طالت بورتوريكو، وذلك تحت إشراف مجلس رقابي من واشنطن، ذلك الذي قضى على الدخول وأسفر عن انهيار اقتصاد البلاد.
كما نذكر أيضاً إعصار ماريا، الكارثة الطبيعية التي تفاقمت إثر الفشل الحكومي في التعامل معها، الأمر الذي أدى إلى دمار الجزيرة على نحو شبه كامل في سبتمبر (أيلول) من عام 2017، تاركاً إحصاءً رسمياً من القتلى يقارب 3 آلاف مواطن مع انهيار البنية التحتية في البلاد لدرجة استغرقت ما يقرب من عام كامل لاستعادة قدرات الكهرباء بالكامل.
وقال الفنان دانيال راموس عن ذلك: «كانت تجربة سيئة للغاية. لقد دمر إعصار ماريا كل شيء لدينا».
بيد أن الأزمات تثير أيضاً مكامن اللغات المرئية، ونظام الإشارات، حيث تتحول الأشياء المألوفة أو حتى الألوان المختلفة إلى معانٍ مغايرة تماماً، في حين تنبثق علامات أخرى من المجهول لتحتل مركز الصدارة.
تعد الطاقة الشائعة في مجموعات أعمال دانيال راموس مفعمة بالحياة، وربما بالبهجة أيضاً. فهو يستعين بجوز الهند وسعف النخيل وكرات السلة وقفازات الأيدي التي تستخدم في قرع الطبول والدق على الدفوف. وهناك روح من الدعابة البروليتارية في تجاوزه لشاشة تلفاز قديم، أو مقلاة عتيقة، أو عبوة طعام زجاجية بطل استخدامها مع بعض الأنسجة وبقايا نباتات استوائية.
يقول الفنان: «عندما تجد الأشياء ذات الصلة المباشرة بالكارثة المحدقة يمكنك حينئذ إنتاج عمل فني حقيقي. ذلك لأن هناك تاريخاً مسجلاً في هذه الأشياء، وليس فقط من حيث المصدر نفسه، وإنما تاريخ واقعي متعلق بالكارثة نفسها. لذلك يمكن إنشاء صورة تفتقر إلى التعقيد وتميل إلى البساطة في تكوينها – غير أن ذلك لا يعني أنها تفتقر إلى قوة المعنى وعمق الأسلوب، وسوف تصل إلى أذهان وأفهام الكثير من الأشخاص بقوة تأثيرها الكبيرة».
نشأ دانيال راموس في عائلة من الحرفيين، وكان يصنع الأقنعة بنفسه في مهرجان «فيستاس دي سانتياغو أبوستول» السنوي، وكان يدمج رموز المهرجان المتعددة ضمن أعماله الفنية.
وهو يستمد المواد الأولية في أعماله من الطهي، والبناء، والبستنة، والاحتفال. وأحياناً ما تشارك أحذيته القديمة في بعض أعماله الفنية. حيث يتركز أحد أعماله الفنية على مقشطة ضخمة تُستخدم في تقشير جوز الهند أو الكاسافا، تلك التي منحتها له جارته العجوز وكانت إرثاً تملكه من جدتها الراحلة.
يقول دانيال راموس: «إن مزيج الأشياء العضوية مع الصناعية، القديم منها والطبيعي، يتبدى من خلال التصاميم الفنية. وإنني أعشق هذا التباين وما يجلبه رفقته من التوتر. ولكنه يعكس قدراً من الأصالة العملية من واقع الأشياء التي بين أيدينا».
وصف فرانكلين سيرمانز، مدير متحف «بيريز» للفنون في ميامي، الفنان دانيال راموس، بأنه شخص قادم من مكان محدد للغاية، وينجح في إضفاء اللمسات السحرية على العالم الكائن خارج النطاق المحدود. وهذا ما يحدث عندما تكون لديك القدرة على الاستدلال من التقارب الغريب للغاية في الحياة الذي تشاهده في مختلف المواد من حولك.
ومع مواصلة الرسم في نيويورك، ومتابعة توسع أزمة فيروس «كورونا»، كان دفتر دانيال راموس مليئاً بشخصيات كرنفالية مع ملحقاتها، معززة بالمراجع الطبية والصحية، مواكبة للواقع من حوله، مثل المجاهر، وزجاجات المطهرات، وبعض الآلات الموسيقية، وسعف النخيل التي تثير مكامن الشفاء الطبي والروحاني. وتعد تلك الرسومات مخططات لمنحوتاته الجديدة التي سوف يعمل عليها.
يقول الفنان دانيال راموس: «نجد نوعاً من الشفاء التضامني في مجتمعاتنا. وبعد إعصار ماريا لم ننتظر الحكومة لمساعدتنا، بل قررنا مساعدة أنفسنا بأنفسنا بما نملك من موارد». وأضاف أن «دروس الوباء الحالي سوف تتبدى في المجتمع في الوقت المناسب. وما زلنا نعيش في هذا العالم لأننا لا يزال بعضنا في حاجة إلى بعض».
- خدمة «نيويورك تايمز»