«فن جميل» تعزز برامج التدريب في العُلا

لتوثيق الفن الصخري المحلي وتطوير الاقتصاد التراثي

 المصور عبد الرحيم صقير
المصور عبد الرحيم صقير
TT

«فن جميل» تعزز برامج التدريب في العُلا

 المصور عبد الرحيم صقير
المصور عبد الرحيم صقير

أعلنت «فن جميل»، المؤسسة المستقلة التي ترعى الفنون والتعليم والتراث في منطقة الشرق الأوسط وأنحاء العالم، عن تكثيف جهودها الرامية إلى تعزيز جهود بناء كفاءات التوثيق الرقمي لتراث محافظة العُلا في السعودية. وفي العام الماضي، وبدعم من الهيئة الملكية للمحافظة، طورّت كل من مؤسسة فن جميل ومؤسسة فاكتوم المرحلة التمهيدية لبرنامج التدريب لكلٍ من جوهرة البلوي وعبد الرحيم صقير، وهما مصوران من سكان العُلا في المسح التصويري: التقنية التي تستخدم للتوثيق الرقمي ثلاثي الأبعاد. عُقد برنامج التدريب في مقر مؤسسة فاكتوم بمدريد، إسبانيا.
يعّد برنامج بناء الكفاءات أحد نتائج الشراكة بين فن جميل والهيئة الملكية لمحافظة العُلا، التي تقود جهود توثيق وحفظ التراث الأثري الغني في المنطقة، خاصة نماذج الفن الصخري والبتروغليفات العديدة في صحرائها. وتلتزم فن جميل، الرائدة في استخدام تقنيات التوثيق الرقمي في المملكة، بدعم جهود تطوير التراث السعودي، ومن ذلك المساعدة في توفير فرص عمل في هذا المجال التقني للمقيمين في العُلا.
يذكر أن جوهرة البلوي وعبد الرحيم صقير هما أوائل خريجي البرنامج التجريبي الذي درّب 15 مشاركاً ومشاركة في فن المسح التصويري. وبعد إكمال برنامج التدريب في مدريد، يستعد الخريجان لتطوير تدريبات أولية لسكان العلا المحليين بدعم من فن جميل وفاكتوم.
وفي معرض وصفها للتجربة التي خاضتها في مدريد، تقول جوهرة البلوي: «تعلمت خلال برنامجنا التدريبي المكثف الكثير من ممارسات المسح التصويري وكيفية تطبيق جوانبه العديدة على توثيق التراث. وأتطلع إلى مواصلة التطور في هذا المجال، وتوسيع نطاق ممارسات التصوير الفوتوغرافي في العُلا بما يحقق المساهمة في الحفاظ على تراث المملكة وآثارها. وأنا ممتنة للغاية لكادر المدربيّن، و(فن جميل)، و(فاكتوم) وكل من ساهم في تدريبي».
ومن جانبها، قالت فاطمة مازح، مديرة برامج التراث في فن جميل: «سعدنا جداً بالتقدم الذي أحرزته جوهرة وكذلك عبد الرحيم. ففي بدايتهما مع البرنامج التجريبي عام 2018 في العُلا، كانا مبتدئين ولا يعرفان الكثير عن مفهوم التوثيق الرقمي للتراث. وفي مدريد، أتقننا هذا التخصص التقني بكل كفاءة، خاصة أنه يمثل أهمية بالغة لجهود الهيئة الملكية. وبينما نعود إلى محافظة العُلا لإطلاق جولة أخرى من التدريب للشباب السعودي، بقيادة جوهرة وعبد الرحيم، نشهد تكوين أول مجموعة من مختصي المسح التصويري السعوديين، الذين سيكونون قادرين على تسجيل وتوثيق تراث بلادهم».
ومما يجدر ذكره أن محافظة العُلا تحتضن العديد من الأماكن الاستثنائية الزاخرة بالتراث الطبيعي والإنساني، ومواقع ثقافية قديمة يعود تاريخها إلى آلاف السنين، منذ عهد مملكة لحيان والنبطية. وتعتبر الحجر بمثابة الموقع الأكثر شهرة في محافظة العُلا، وهي أول مواقع المملكة العربية السعودية المسجلة في قائمة التراث العالمي لليونيسكو. وتمتد الحجر على مساحة 52 هكتاراً، وتتكون من أكثر من 100 مدفنٍ محفوظ بشكل جيد، والعديد من النقوشات الحجرية القديمة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».