المغاربة يترقبون رمضان استثنائياً في ظل الحجر الصحي

انتقادات لاذعة لصفحات الطبخ على مواقع التواصل الاجتماعي

يترقب المغاربة بقلق ما إذا كانت حالة الطوارئ ستنتهي قبل رمضان (إ.ب.أ)
يترقب المغاربة بقلق ما إذا كانت حالة الطوارئ ستنتهي قبل رمضان (إ.ب.أ)
TT

المغاربة يترقبون رمضان استثنائياً في ظل الحجر الصحي

يترقب المغاربة بقلق ما إذا كانت حالة الطوارئ ستنتهي قبل رمضان (إ.ب.أ)
يترقب المغاربة بقلق ما إذا كانت حالة الطوارئ ستنتهي قبل رمضان (إ.ب.أ)

«ربما لا نستطيع الاستمتاع بشهر رمضان هذه السنة، يا رب بلغنا رمضان سالمين من هذا الداء».. هذا دعاء ضمن أدعية كثيرة يرددها المغاربة مع اقتراب شهر رمضان الكريم الذي سيحل في ظروف استثنائية تعيشها البلاد، بعد فرض الحجر الصحي لمنع انتشار فيروس كورونا.
ويترقب المغاربة بقلق ما إذا كانت حالة الطوارئ ستنتهي في 20 أبريل (نيسان) الحالي، أياماً قليلة قبل رمضان، أم سيجري تمديدها تبعاً للحالة الوبائية في البلاد، ويتساءلون عما إذا كانت الحياة ستعود إلى طبيعتها بعد انتهاء فترة الحجر الصحي، أم أن الأمر سيتطلب وقتاً أطول، وبالتالي يترقب الجميع رمضاناً «استثنائياً» تمنع فيه التجمعات العائلية، وتقل فيه حركة البيع والشراء، على غير العادة. إلا أن تطمينات السلطات بتوفر المواد الغذائية بوفرة خلال شهر رمضان يخفف من حالة الخوف والقلق لدى كثيرين.
وبسبب هذه الظروف، استعد كثير من الأسر المغربية باكراً لاستقبال شهر رمضان، وذلك بمجرد إعلان السلطات عن اتخاذ إجراءات احترازية لمحاصرة الوباء، مثل إغلاق المطاعم والمقاهي والمساجد.
فقبل أسابيع، شهدت المحلات التجارية إقبالاً غير مسبوق من قبل الأسر المغربية من أجل اقتناء المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، خوفاً من نفادها، أو تحسباً لارتفاع أسعارها بسبب كورونا، رغم تطمينات السلطات بأن تموين الأسواق لن يعرف أي تغيير في ظل حالة الطوارئ الصحية.
وكانت مستلزمات شهر رمضان ضمن قائمة المواد الاستهلاكية التي نفدت بسرعة من الأسواق في الأسابيع الماضية، وأبرزها الدقيق بمختلف أنواعه، والتمور، ثم العسل والسمسم واللوز، وهي مواد أساسية لتحضير بعض الوصفات الخاصة برمضان، وأشهرها «سلو» و«الشباكية».
ومع اقتراب شهر رمضان، ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي منافسة كبيرة في تقديم وصفات رمضان لجذب أكبر عدد من المشاهدات والمتابعات، إلا أنه، وخلافاً للأعوام الماضية التي كانت تلقى فيها الصفحات المخصصة للطبخ استحساناً واسعاً قبل وخلال رمضان، فقد اختلف الوضع هذا العام، إذ واجهت بعض الصفحات انتقادات لاذعة، بسبب عدم مراعاة الظروف الخاصة التي تعرفها البلاد، مما دفع مسيري تلك الصفحات إلى توخي الحذر قبل نشر أي شريط فيديو بمحتوى «غير ملائم» أو «مستفز»، أو الاكتفاء بإعادة نشر الوصفات التي نشرت قبل شهر رمضان الماضي.
أما السبب في هذا التحول، فيعود إلى أن كثيراً من الأسر تعاني وضعية مالية صعبة، بعد أن فقد عدد من أفرادها عملهم بسبب كورونا، ولم يكن بإمكانها اقتناء مستلزمات رمضان، وحتى المواد الغذائية اليومية، في انتظار الحصول على الدعم المالي من الدولة.
وفي هذا السياق، تلقت صفحات «الطبخ المغربي» على «فيسبوك» سيلاً من الانتقادات، بعدما نشرت إحدى المساهمات في الصفحة، وهي حنان زويقر، مقاطع فيديو عن تحضيرات مسبقة لشهر رمضان، عن كيفية تجميد الخضراوات والفواكه في الفريزر. ومثل هذه الفيديوهات كانت عادية، وتروج بكثرة على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي قبل رمضان، إلا أن استقبالها هذا العام كان مختلفاً. فكتبت أسماء أقلعي معلقة: «اللهم ارزقنا القناعة؛ رمضان ليس التجميد والتخزين، خصوصاً في هذه الظروف التي نعيشها». وأضافت مستغربة: «الناس تموت وانت لديك رغبة في تخزين الخضر في الثلاجة».
ومن جهتها، علقت أسماء الصقلي بالقول: «الله يرزقنا الصحة والعافية، نريد أن تعود الحياة كما كانت من قبل، وعندما يأتي رمضان يحن الله علينا». وفي المقابل، عبر عدد من متابعات الصفحة أنه ليس لديهن أي رغبة أو حماس لتحضير وصفات رمضان بسبب الخوف من إصابتهن أو أحد أقربائهن بالفيروس، لا سيما أن عدد المصابين بالفيروس بالمغرب في ارتفاع، وكذا عدد الوفيات.
ودأبت معظم الأسر في المغرب على تحضير الوصفات التقليدية الخاصة بشهر رمضان في البيت، إلا أن هناك من يفضل اقتناءها جاهزة من المتاجر والمخابز، لا سيما النساء العاملات. وبما أن «كورونا» أجبر كثيراً من الموظفات والعاملات على التوقف عن العمل، أو العمل لساعات محدودة من البيت، فقد عد هذا الوضع بالنسبة لكثير من المغربيات ملائماً لتحضير وصفات رمضان في البيت، لأسباب صحية بالدرجة الأولى، رغم أن السلطات سمحت بالخروج من المنزل لشراء المستلزمات الغذائية، واقتناء الخبز والحلويات من المخابز. وعبرت كثير من السيدات على حساباتهن عن أنهن وجدن متعة في العودة إلى تحضير وجبات منزلية كانت ظروف العمل تحرمهن منها، وتفرض عليهن اقتناءها جاهزة، لا سيما المخبوزات، وهو ما قد يستمر في رمضان إذا ما طال الحجر الصحي.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)