خيام ومجالس بلا حاضرين... «كورونا» يعيد بدو سيناء لماضيهم

كورونا أعاد لسيناء تقاليدها القديمة (الشرق الأوسط)
كورونا أعاد لسيناء تقاليدها القديمة (الشرق الأوسط)
TT

خيام ومجالس بلا حاضرين... «كورونا» يعيد بدو سيناء لماضيهم

كورونا أعاد لسيناء تقاليدها القديمة (الشرق الأوسط)
كورونا أعاد لسيناء تقاليدها القديمة (الشرق الأوسط)

«السلام بالعين يا الربع» قالها الأربعيني عواد خضر، بعد أن ألقى التحية على مجموعة من أصدقائه يتخذون من بساط على الأرض فراشاً لجلسة جمعتهم خلف خيمة نصبت للتو، وتتوسطهم كومة حطب تلاحق أعوادها النيران من كل جانب وبجوارها «دلة» قهوة وبراد شاي.
لجأ خضر إلى مقولة قديمة يتوارث بدو سيناء ترديدها في حالة وجود خطر في تلامس الأيدي، وأزاحت الحرج عن أصدقائه للنهوض ومصافحته، ليتخذ القادم عليهم من بعيد موضعاً قريباً منهم، ويأخذ جميعهم الحديث بعد الاطمئنان على بعضهم لتذكر إرث يصفونه بـ«المنجي» لهم في «زمن كورونا» احترازاً من وصوله، ودعوا ديارهم التي بنوها قبل 20 عاماً وعادوا لحياة آبائهم وأجدادهم يرفعون عماد خيامهم في عمق الصحراء ويحيون تقاليد قديمة تتيح التأقلم مع كل خطر، وتطبيق معايير السلامة للنجاة من عدو كل العالم.
ويشكل البدو الغالبية من سكان شبه جزيرة سيناء البالغ عددهم وفق إحصاءات رسمية عام 2019 في محافظة جنوب سيناء 106 آلاف و866 نسمة، وفي محافظة شمال سيناء 450 ألفا و528 نسمة، ويحتفظون بتقاليدهم كما يحتفظون بملامحهم التقليدية في المسكن والملبس ويوميات الحياة.
«هم كغيرهم من سكان الصحراء في عموم العالم،  توقفت من يوميات حياتهم عادات الرحيل وسكن الخيام المنسوجة من وبر الإبل وصوف الغنم، تدريجياً خلال الـ40 عاماً الأخيرة» يقول عواد خضر،  متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» بعد أن يرتشف فنجان شاي مطعم بالنعناع الجبلي يلتقطه من يد صديقه بمجلسهم الجديد في بطن وادي وتير وسط جبال نويبع بجنوب سيناء.
وتابع خضر: «اندمج البدو بركب حياة عصرية واستقرت مجموعات كل عائلة في ديارها داخل مساكن حملت اسم عائلاتهم واسم القرية، وتغيرت طبيعة أعمالهم من الرعي والزراعة لبدو الشمال ووصولاً إلى الإرشاد والخدمات السياحية في الجنوب».
مشاهد جلسة خضر ورفاقه تتكرر في مناطق مختلفة على امتداد شبه جزيرة سيناء، وخصوصاً في المناطق الجبلية بوسط وجنوب سيناء، وهي كما يقول جازي سعد عضو مجلس النواب المصري عن منطقة وسط سيناء تطبيقاً لمقولة «البَر بَره» التي يرددها بدو سيناء في إشارة إلى أن الذهاب لمناطق «البر» فائدة للبدن، وفي زمن جائحة كورونا هي الملاذ الآمن وفيها لن يعاني البدوي المتأقلم مع الصحراء على مواجهة صعابها فهو يملك مفاتيح أسرارها.
واعتبر عتيق العليقي، وهو من أبناء قبيلة العليقات بجنوب سيناء، أن جائحة «كورونا» أعادتهم لماضيهم، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لقد توقفنا تماماً عن الذهاب للمدن للتزود بحاجتنا خوفاً من التقاط الفيروس، وعزلنا أنفسنا تلقائياً، وأصبحت الجبال التي سبق وكانت الحصن لأجدادنا هي وجهتنا».
لم تكن عادات التجمع والمصافحة وأماكن الحركة هي فقط ما تغير في حياة بدو سيناء، إذ فك فيروس «كورونا» رابطاً اجتماعياً مهماً وهو المجالس والدواوين التي تتميز بها كل عائلة وتحشد الحاضرين من الأهل والأقارب، ويقول محمد المسعودي، وهو مزارع من أبناء قبيلة الأحيوات بوسط سيناء، لـ«الشرق الأوسط» إن «بعض مجالسنا اختفى روادها تماماً بعد أن كانت عامرة بالحضور والمسامرة، ومع تفشي خطر (كورونا) التزم الغالبية بيتهم، بينما لجأ آخرون البر (الصحراء) مسكناً له، والكل بحسب حالته، فمن يملكون الإمكانيات بنوا الخيام في الخلاء، والبسطاء ذهبوا للمراعي مع أغنامهم وجمعوا ما بين البحث عن مأكل واختلاق مأوى».
الجلسات العرفية ذات الطابع الخاص في سيناء هي الأخرى، تأثرت بفعل «كورونا»، إذ أعلن سالم العقيلي، وهو قاضٍ عرفي بمنطقة بئر العبد بشمال سيناء، وكذلك قال القاضي العرفي، يحيى الغول، الذي يسكن مدينة العريش لـ«الشرق الأوسط» إن «وقف الجلسات، وإغلاق مجالس القضاء العرفي هي سابقة لم تحدث من قبل في سيناء، حيث تعلق الجلسات فقط خلال شهر رمضان كل عام، وتطبيقاً لإجراءات العزل أصبح إغلاقها منعاً للتجمع أمراً واجب النفاذ، وهو ما نفذناه بالفعل».


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.