«سيليكون فالي» تطفئ نصف أنوارها وتفقد بريقها

أزمة الفيروس توقف تقدم مشاريع الرقمنة الشاملة

إنهاء الخدمات في شركات «وادي السيليكون» يجري على قدم وساق وبلا سابق إنذار (رويترز)
إنهاء الخدمات في شركات «وادي السيليكون» يجري على قدم وساق وبلا سابق إنذار (رويترز)
TT

«سيليكون فالي» تطفئ نصف أنوارها وتفقد بريقها

إنهاء الخدمات في شركات «وادي السيليكون» يجري على قدم وساق وبلا سابق إنذار (رويترز)
إنهاء الخدمات في شركات «وادي السيليكون» يجري على قدم وساق وبلا سابق إنذار (رويترز)

في أقل من شهر، تغير المشهد كلياً في وادي السيليكون. فمنطقة وجود شركات التكنولوجيا والإنترنت وتقنية المعلومات في كاليفورنيا، التي كانت مكاناً للعمل المزدهر والابتكار المدهش للعالم، بجاذبية لا تضاهى للمهندسين والفنيين والمطورين والمبرمجين والمصممين برواتب خيالية، باتت بيئة طاردة الآن، وإنهاء الخدمات يجري على قدم وساق بسهولة اتصال الصوت والصورة، أي عبر مؤتمرات عن بعد بالفيديو يحصل خلالها تبليغ المستغنى عن خدماتهم بلا سابق إنذار.
ويقول مصدر في شركة معنية بصرف الموظفين إن «المهندسين وأصحاب الأفكار كانوا يفرضون شروطهم ويحصلون على الرواتب والامتيازات التي يريدون، أما الآن فأقصى طموحهم البقاء في أماكن عملهم بأي ثمن؛ حتى مع خفض رواتبهم وإلغاء امتيازاتهم بانتظار انتهاء تداعيات أزمة تفشي وباء كورونا المستجد».
ويضيف شارحاً وضعه الخاص في وسيلة إعلام محلية في سان فرانسيسكو: «قطعوا اتصالي بالبريد الإلكتروني المهني الخاص بعملي ضمن مجموعة نعمل على مشروع مشترك، ألغوا وجودي في مجموعة التواصل الخاصة بالرسائل المهنية، حتى إنهم لم يمنحوني فرصة توديع الزملاء بالنظر إلى ظروف العمل الصعبة حالياً». وقالوا لي إن «رحلتي انتهت هنا للأسف!».
ويختم ببعض المرارة قائلاً: «تركت مكتبي وخرجت ليلاً، فإذا بالمكاتب التي كانت لا تنام وأنوارها مشعة على مدار الساعة هي الآن نصف مطفأة، وأيقنت أن (سيليكون فالي) فقدت بريقها في هذه الأزمة، علماً بأنها لم تتأثر بأزمة 2008. لا بل انتعشت بقوة منذ ذلك الحين».
تغير الوضع إذن، فمع الركود الحاصل، تعيد شركات العصر الرقمي النظر في تكلفتها باتجاه الخفض. وبما أنها لا تملك مصانع وخطوط إنتاج؛ بل تعتمد على عقول ومبدعين ومطورين وأصحاب أفكار جديدة في سباق رقمنة كل شيء في هذا العالم، فإن خفض التكاليف يقع فوراً في خانة تسريح هؤلاء، خصوصاً أصحاب الرواتب العالية، سيما إذا كانت المشاريع التي يعملون على تطويرها ممكنة التأجيل لأنها غير مدرة لأي ربح حالياً طالما أنها تحت التجربة وغير جاهزة للتسويق.
ويذكر أن تكلفة «المطورين الأذكياء»، كما يصطلح على تسميتهم، ارتفعت على نحو صاروخي خلال السنوات العشر الماضية بفعل التنافس المحموم بين الشركات على جذبهم، كما بسبب تكلفة الحياة الغالية جداً في كاليفورنيا عموماً وسان فرانسيسكو وضواحيها خصوصاً.
ويؤكد أحد هؤلاء أنه يتقاضى 3 أضعاف راتب المهندس العادي، لكنه اليوم يدفع ثمن ذلك لأنه أول المطروحين على قوائم المطلوب الاستغناء عنهم لأن صرف هذه الشريحة يوفر مالاً كثيراً على الشركات... علماً بأنه لم يترك شركة سابقاً إلا برغبته الخاصة، أي أنه كان يتمتع بترف اختيار مكان عمله وطلب الراتب الذي يرغب فيه والامتيازات التي تلبي طموحات الرفاه الذي يناسبه. ويضيف: «أن يلغى عقد عملي فهذا مقبول ربما، لكن عندما يحصل ذلك لك وأنت في عمر الأربعين فهذه مشكلة كبيرة، ففي هذا العمر يصعب إيجاد الكثير من الفرص لأن شركات العالم الرقمي تفضل الشباب والخريجين الجدد».
ويوضح خبير متخصص في متابعة هذا القطاع أن أزمة «كورونا» أتت في لحظة حرجة، لأن شركات وادي السيليكون كانت عند مفترق طرق بعدما استثمرت كثيراً في مشاريع تطوير من كل نوع وبكل الاتجاهات الرقمية الممكنة والمتخيلة، ثم حان وقت التخلي عن مشاريع مكلفة ولا أفق تسويقياً واضحاً لها، أو أن تسويقها لم يجد نفعاً كبيراً من حيث الإيراد الآتي منها.
ويصف السنوات العشر الماضية بـ«الجنونية» على صعيد الأفكار التي تحولت إلى مشاريع تطويرية، ويشرح كيف أن الخيال شطح بعيداً في بحث رقمنة قطاعات لا تخطر ببال. وقامت مئات الشركات الناشئة التي استحوذت على اهتمام المستثمرين «المغامرين» الذين وضعوا فيها مليارات الدولارات على أمل نجاح تلك الشركات الناشئة والمبادرين الشباب فيها لخلق موجة جديدة من الابتكارات التقنية والمعلوماتية تجتاح مختلف مناحي الحياة. ويذكر أن الدافع الأول لتدفق رأس المال المغامر على الشركات الناشئة هو ما حصل مع إدراجات شركات مثل «غوغل» و«فيسبوك» التي خلقت شريحة أثرياء من نوع جديد خاص تفوقت بثرائها المفاجئ والسريع على أي شريحة رجال أعمال ومستثمرين في القطاعات التقليدية والتاريخية الأخرى، مثل النفط وتجارة التجزئة والصناعة أو عالم المال والمصارف.
وتشير الوقائع إلى أن قطاع الرقمنة أصيب بأزمة تفشي «كورونا» المستجد بشكل حاد. فشركة مثل «أوبر» ومنافساتها تعاني من تقييد التجول وفرض الحجر المنزلي، وكذلك الأمر بالنسبة لتطبيقات حجوزات السياحة والسفر والفنادق. والمعاناة تشمل عمالقة مثل «فيسبوك» و«غوغل» بعد هبوط إيرادات الإعلانات. وفرض ذلك اتجاهات مختلفة على صعيد ضرورة خفض الكلفة، ومن بينها تسريح العمال والموظفين، وخفض رواتبهم وإلغاء بعض امتيازاتهم، أو منح إجازات من دون راتب، أو تحويل الدوام إلى جزئي... وغيرها من القرارات التي تتخذ أيضاً في عشرات القطاعات الاقتصادية الأخرى التي تأثرت سلباً بأزمة لامثيل لها في التاريخ الحديث!


مقالات ذات صلة

ارتفاع مؤشر نشاط الأعمال الأميركي لأعلى مستوى خلال 31 شهراً

الاقتصاد يتجه المتسوقون إلى المتاجر في «وودبيري كومون بريميوم أوتليتس» في سنترال فالي، نيويورك (رويترز)

ارتفاع مؤشر نشاط الأعمال الأميركي لأعلى مستوى خلال 31 شهراً

ارتفع مؤشر نشاط الأعمال في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى خلال 31 شهراً في نوفمبر (تشرين الثاني)، مدعوماً بالتوقعات بانخفاض أسعار الفائدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

تواصل الأسهم الأميركية تعزيز تفوقها على منافسيها العالميين، ويعتقد العديد من المستثمرين أن هذه الهيمنة قد تزداد إذا تمكن دونالد ترمب من تنفيذ برنامجه.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت يتحدث خلال فعالية (رويترز-أرشيفية)

حاكم تكساس الأميركية يأمر أجهزة الولاية بوقف الاستثمار في الصين

أمر حاكم ولاية تكساس الأميركية الذي ينتمي إلى الحزب الجمهوري غريغ أبوت، الأجهزة المعنية بوقف استثمار أموال الولاية في الصين، وبيع هذه الاستثمارات في أقرب فرصة.

«الشرق الأوسط» (أوستن (تكساس))
الاقتصاد إعلان توظيف على نافذة مطعم «شيبوتل» في نيويورك (رويترز)

الطلبات الأسبوعية لإعانات البطالة الأميركية تنخفض على غير المتوقع

انخفض، الأسبوع الماضي، على غير المتوقع عدد الأميركيين الذين تقدموا بطلبات جديدة للحصول على إعانات بطالة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد مبنى الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)

مقترحات ترمب الاقتصادية تعيد تشكيل سياسة «الفيدرالي» بشأن الفائدة

قبل بضعة أسابيع، كان المسار المتوقع لبنك الاحتياطي الفيدرالي واضحاً. فمع تباطؤ التضخم وإضعاف سوق العمل، بدا أن البنك المركزي على المسار الصحيح لخفض الفائدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن، نيويورك، الولايات المتحدة (رويترز)
شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن، نيويورك، الولايات المتحدة (رويترز)
TT

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن، نيويورك، الولايات المتحدة (رويترز)
شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن، نيويورك، الولايات المتحدة (رويترز)

رفعت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، اليوم، تصنيف السعودية إلى «Aa3» من«A1»، مشيرة إلى جهود المملكة لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط.

وتستثمر المملكة، أكبر مصدر للنفط في العالم، مليارات الدولارات لتحقيق خطتها «رؤية 2030»، التي تركز على تقليل اعتمادها على النفط وإنفاق المزيد على البنية التحتية لتعزيز قطاعات مثل السياحة والرياضة والصناعات التحويلية.

وتعمل السعودية أيضاً على جذب المزيد من الاستثمارات الخارجية لضمان بقاء خططها الطموحة على المسار الصحيح.

وفي الشهر الماضي، سعى وزير الاستثمار السعودي إلى طمأنة المستثمرين في مؤتمر بالرياض بأن السعودية تظل مركزاً مزدهراً للاستثمار على الرغم من عام اتسم بالصراع الإقليمي.

وقالت موديز في بيان: «التقدم المستمر من شأنه، بمرور الوقت، أن يقلل بشكل أكبر من انكشاف المملكة العربية السعودية على تطورات سوق النفط والتحول الكربوني على المدى الطويل».

كما عدلت الوكالة نظرتها المستقبلية للبلاد من إيجابية إلى مستقرة، مشيرة إلى حالة الضبابية بشأن الظروف الاقتصادية العالمية وتطورات سوق النفط.

وفي سبتمبر (أيلول)، عدلت وكالة «ستاندرد اند بورز» نظرتها المستقبلية للسعودية من مستقرة إلى إيجابية، وذلك على خلفية توقعات النمو القوي غير النفطي والمرونة الاقتصادية.