«أحلام العصافير» يواجه متاعب الحياة

خالد سرور يُحيي بلوحاته براءة الطفولة في القاهرة

تنشغل جماليات اللوحات بالنقاء واتساع الأفق والخيال (الشرق الأوسط)  -  الألوان الساخنة تعكس دفء المشاعر
تنشغل جماليات اللوحات بالنقاء واتساع الأفق والخيال (الشرق الأوسط) - الألوان الساخنة تعكس دفء المشاعر
TT

«أحلام العصافير» يواجه متاعب الحياة

تنشغل جماليات اللوحات بالنقاء واتساع الأفق والخيال (الشرق الأوسط)  -  الألوان الساخنة تعكس دفء المشاعر
تنشغل جماليات اللوحات بالنقاء واتساع الأفق والخيال (الشرق الأوسط) - الألوان الساخنة تعكس دفء المشاعر

في خضم متاعب الحياة وتقلباتها نفقد الكثير من أحلامنا البسيطة ونسمح لها أن تتلاشى ويطويها النسيان، منشغلين بصراعاتنا المستمرة مع الواقع، إلا أن الفنان خالد سرور جاء ليذكرنا بهذه الأحلام، ويوقظها داخلنا من جديد، عبر مجموعة من أعماله التي يضمها معرضه المقام الآن بقاعة «الزمالك للفن» بالقاهرة.
فإذا كنا قد تخلينا في منتصف الطريق عن أحلامنا الصغيرة أو «أحلام العصافير» - كما يطلق عليها الفنان في عنوان معرضه - عن عمد أو غير عمد - أو سقطت هي بفعل تغيرات الزمن وتبدل حساباتنا وتوازناتنا الخاصة، فإنه لا تزال أمامنا فرص لاستدعائها واستعادة «حلاوة» الإحساس بها، ولذة تمني تحقيقها، ففي رسالة أمل وإحياء للأماني القديمة يذكرنا سرور بأنه «لا يزال بإمكاننا إحياء براءة طفولتنا ونقاوتنا؛ واستعادة الأحلام التي فقدناها عبر السنين أثناء مواجهاتنا العنيفة للواقع وصراعنا الشرس معه».
ومن المؤكد أن الفنان الدكتور خالد سرور، رئيس قطاع الفنون التشكيلية في مصر، لا يرمي إلى العمل على تحقيق الأماني نفسها بكل بساطتها و«طفولتها» و«سذاجة» معظمها، والدليل على ذلك أننا لا نلتقي فقط داخل لوحاته بساحات للبهجة واللعب يمارس فيها الصغار غريزتهم الطفولية بتلقائية أو نشاهد دمى على مسرح العرائس تؤدي أدواراً مفعمة بالبراءة والمرح، لكننا أمام أطفال يتمتعون بنظرات تحاول إعادة قراءة الواقع، وتحمل الكثير من المعاني والإيحاءات، ويغلفها حال من الترقب والانتظار. وإذا كان سرور نجح أن يحفزنا على الاستمتاع بحكايات سطوحه والاستماع إلى حديث شخوصه الصغار بشغف، فإنه استطاع أن يطمئنا بأنه رغم كل شيء «لسه الأماني ممكنة»، على حد تعبيره، وأنه «لا ينبغي لنا أن نستغني عن طزاجة أفكارنا واتساع خيالنا وجنون آمالنا مثلما كنا نفعل في سنوات عمرنا الأولى!».
إلى هذا، تزود تجربته الإبداعية المتلقي بطاقة نور داخلي، وتبث داخله الحماس لمزيد من الأحلام، ولا سيما أنه نجح أن يمازج ما بين معايشة الواقع وشاعرية أحاسيسه الخاصة وثراء «درامية» أسلوبه، ذلك كله جاء أيضاً متضافراً مع جماليات اللوحات التي تشغل بالنقاء واتساع الأفق والخيال، وكأنها عمل أدبي يضطرنا إلى الوقوف أمام مرآة صادقة لأنفسنا.
إلى هذا، تدهشك على مسطح لوحاته مساحات الألوان الناصعة المبهجة والحالة التعبيرية التي يشكلها من خلال خطوط بسيطة مرحة حررها من القيود الأكاديمية، لتحقق مبتغاه في تجريد الأشكال والتسطيح مع الإيحاء للمتلقي بالبعد الثالث، مستعيناً في ذلك بالألوان وبتكوين منتقى لعناصر اللوحة يستند إلى وضع عنصر ضخم في مقدمتها وآخر صغير في الخلفية، ليشكلا معاً التوهم بالبعد الثالث داخل لوحات مفعمة بالأحاسيس التي تتدفق عبر حركة الأطفال التلقائية ونظراتهم الصادقة.
ومن اللافت أيضاً في أعماله بالمعرض، الممتد إلى 4 أبريل (نيسان) الحالي، احتفاؤها بالرمزية، التي تتخذ مستويات عدة؛ ويقول سرور لـ«الشرق الأوسط»، «عندما أريد توصيل رسالة لا بد من التأكيد على أشياء معينة، وهنا تبرز أهمية الرموز بدلالاتها»؛ ولذك يسترجع من التراث ويستمد من البيئة بعض المفردات والموتيفات المهمة مثل الهلال، والبيوت القديمة، والنجمة الفرعونية، والسمكة، والمراكب الورقية الصغيرة، وبعض الطيور المتحررة من أقفاصها، إلى جانب المساحات البيضاء التي ترمز إلى النقاء والشفافية، وانتقائه للألوان الصريحة من دون تدرجات لونية بما يساعده على تحميل اللوحات مزيداً من الرمزية، فلا يزال محتفياً بالحضور البارز للألوان الساخنة، ولا سيما الأحمر والبرتقالي والأصفر في محاولة إلى بث دفء المشاعر وتعميق الإحساس بالحماس داخلنا تجاه أحلامنا، وجاء اهتمامه باستخدام اللون الأسود ليؤكد ويبرز وضوح هذه الألوان وحميمتها، لتخليص أرواحنا من هموم ومشاكل الواقع رغم أنف «كورونا»، على حد وصفه.



مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت، وغيرها من اللقى الأثرية.

وتوصلت البعثة المشتركة بين مصر وإسبانيا من خلال جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم، إلى هذا الكشف الأثري أثناء عمليات التنقيب بمنطقة البهنسا في محافظة المنيا (251 كيلومتراً جنوب القاهرة).

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر الدكتور محمد إسماعيل خالد، أهمية هذا الكشف، واعتبره سابقة في الاكتشافات الأثرية، قائلاً: «للمرة الأولى يتم العثور بمنطقة البهنسا الأثرية على بقايا آدمية بداخلها 13 لساناً وأظافر آدمية ذهبية لمومياوات من العصر البطلمي، بالإضافة إلى عدد من النصوص والمناظر ذات الطابع المصري القديم، والتي يظهر بعضها لأول مرة في منطقة البهنسا؛ مما يُمثل إضافة كبيرة لتاريخ المنطقة، ويسلط الضوء على الممارسات الدينية السائدة في العصر البطلمي»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

لوحات ومناظر تظهر لأول مرة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة المشتركة الدكتور حسان إبراهيم عامر، أنه تم العثور على جعران القلب موجود في مكانه داخل المومياء، في إحدى المقابر المكتشفة، بالإضافة إلى العثور على 29 تميمة لـ«عمود جد»، وجعارين وتمائم لمعبودات مثل «حورس» و«جحوتي» و«إيزيس». في حين ذكر رئيس البعثة من الجانب الإسباني الدكتور أستر بونس ميلادو، أنه خلال أعمال الحفائر عثرت البعثة على بئر للدفن من الحجر المستطيل، تؤدي إلى مقبرة من العصر البطلمي تحتوي على صالة رئيسة تؤدي إلى ثلاث حجرات بداخلها عشرات المومياوات متراصّة جنباً إلى جنب؛ مما يشير إلى أن هذه الحجرات كانت قد استُخدمت كمقبرة جماعية.

وأضاف رئيس البعثة أنه «إلى جانب هذه البئر تم العثور على بئر أخرى للدفن تؤدي إلى ثلاث حجرات، ووجدوا جدران إحدى هذه الحجرات مزينة برسوم وكتابات ملونة، تمثل صاحب المقبرة الذي يُدعى (ون نفر) وأفراد أسرته أمام المعبودات (أنوبيس) و(أوزوريس) و(آتوم) و(حورس) و(جحوتي)».

إلى جانب ذلك، تم تزيين السقف برسم للمعبودة «نوت» (ربة السماء)، باللون الأبيض على خلفية زرقاء تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل «خبري» و«رع» و«آتوم»، حسب البيان.

مناظر عن العالم الآخر في مقابر البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكان اللافت للانتباه، وفق ما ذكرته البعثة، هو «وجود طبقة رقيقة من الذهب شديدة اللمعان على وجه المومياء التي يقوم بتحنيطها (أنوبيس)، وكذلك على وجه (أوزوريس) و(إيزيس) و(نفتيس) أمام وخلف المتوفى». وأوضحت أن «هذه المناظر والنصوص تمثل صاحب المقبرة وأفراد أسرته في حضرة معبودات مختلفة، وهي تظهر لأول مرة في منطقة البهنسا».

وقال الخبير الأثري المصري الدكتور خالد سعد إن «محتويات المقبرة توضح مدى أهمية الشخص ومستواه الوظيفي أو المادي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر وجدت الكثير من الدفنات المماثلة من العصرين اليوناني والروماني، وكانت الدفنة سليمة؛ لم يتم نبشها أو العبث بها».

ويوضح الخبير الأثري أن «الفكر الديني في ذلك الوقت كان يقول بوضع ألسنة ذهبية في فم المومياوات حتى يستطيع المتوفى أن يتكلم كلاماً صادقاً أمام مجمع الآلهة».

ألسنة ذهبية تم اكتشافها في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أما بالنسبة لتلابيس الأصابع (الأظافر الذهبية)، فهذا تقليد كان ينتهجه معظم ملوك الدولة الحديثة، وتم اكتشافها من قبل في مقبرة «توت عنخ آمون»، وكانت مومياؤه بها تلابيس في أصابع اليد والقدم، وفي البهنسا تدل التلابيس والألسنة الذهبية على ثراء المتوفى.

وتعدّ قرية البهنسا (شمال المنيا) من المناطق الأثرية الثرية التي تضم آثاراً تعود للعصور المختلفة من المصري القديم إلى اليوناني والروماني والقبطي والإسلامي، وقد عثرت فيها البعثة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي على عدد كبير من القطع الأثرية والمومياوات، من بينها 23 مومياء محنطة خارج التوابيت، و4 توابيت ذات شكل آدمي.

مناظر طقوسية في مقابر منطقة البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وفسّر الخبير الأثري العثور على مجموعة من الأواني الكانوبية في المقابر بأنها «تحفظ أحشاء المتوفى، وهي أربعة أوانٍ تمثل أربعة من أولاد (حورس) يرفعون أطراف الكون الأربعة، وفقاً لعقيدة الأشمونيين، ويتمثلون في ابن آوى والقرد والإنسان والصقر، ويوضع في هذه الأواني المعدة والأمعاء والقلب والكبد، وكانت على درجة عالية من الحفظ، نظراً للخبرة التي اكتسبها المحنّطون في السنوات السابقة».

وأشار إلى أن «اللقى الأثرية الأخرى الموجودة بالكشف الأثري مثل الأواني الفخارية والمناظر من الجداريات... تشير إلى أركان طقوسية مرتبطة بالعالم الآخر عند المصري القديم مثل الحساب ووزن القلب أمام ريشة (ماعت)؛ مما يشير إلى استمرارية الديانة المصرية بكافة أركانها خلال العصر اليوناني والروماني، بما يؤكد أن الحضارة المصرية استطاعت تمصير العصر اليوناني والروماني».

بدورها، أشارت عميدة كلية الآثار بجامعة أسوان سابقاً الدكتورة أماني كرورة، إلى أهمية منطقة البهنسا، واعتبرت أن الكشف الجديد يرسخ لأهمية هذه المنطقة التي كانت مكاناً لعبادة «الإله ست» في العصور المصرية القديمة، وفق قولها، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة كانت تضم العديد من المعابد والمنشآت العامة، فهناك برديات تشير إلى وجود عمال مكلفين بحراسة المنشآت العامة بها؛ مما يشير إلى أهميتها».