بعد الارتفاع المضطرد في عدد الإصابات والوفيّات خلال الأيام الأخيرة، قرّرت الحكومة الإسبانية أمس (الأحد)، الوقف الشامل والتام لجميع الأنشطة الاقتصادية غير الأساسية حتى التاسع من الشهر المقبل، وأصدرت تعليماتها إلى جميع الموظفين بعدم مغادرة منازلهم لفترة أسبوعين بدءاً من اليوم (الاثنين)، فيما تتوقّع اللجنة الفنيّة التي تدير أزمة «كوفيد-19»، أن تبلغ أرقام الإصابات ذروتها هذا الأسبوع، مع ازدياد الضغط على مستشفيات العاصمة مدريد التي تعاني من نقص حاد في المعدات والموارد البشرية.
وتأتي هذه الخطوة بعد أن كان رئيس الوزراء بيدرو سانتشيز قد أعلن منتصف الأسبوع الماضي، حزمة دعم اقتصادي، تحت ضغط القطاع الصناعي وتجاوباً مع تداعيات الأزمة الكارثيّة. وفيما رحبت الأوساط العمّالية والاجتماعية بهذه الخطوة، وأيدتها أحزاب المعارضة رغم انتقادها لما وصفته بالقرارات المرتجلة للحكومة الاشتراكية، قال أصحاب العمل إن شلّ العجلة الاقتصادية بشكل كامل طوال هذه الفترة سيترك آثاراً مدمّرة وطويلة الأمد بعد نهاية الأزمة الصحّية.
وما يزيد من حدّة الأزمة التي تواجه إسبانيا، الثانية بعد إيطاليا من حيث عدد الوفيّات في العالم، أنها قد استنفدت هي أيضاً مثل إيطاليا كل قدراتها على الاستدانة لتمويل خطط الطوارئ ودعم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية المتضرّرة جرّاء هذا الوباء الذي يضرب هذين البلدين بقسوة كبيرة، ويُخشى أن تمتدّ قريباً إلى الدول الأوروبية الأخرى. لكن بعض المراقبين يشيرون إلى احتمال حدوث انفراج على هذه الجبهة، رغم فشل القمة الأوروبية الأخيرة في الاتفاق على آلية مشتركة لتمويل خطة إنقاذ بعد الأزمة، ويتوقعون أن تتراجع دول الشمال الأوروبي عن موقفها وتتخلّى عن تشددها في الشروط على تقاسم أعباء مواجهة الأزمة.
ومنذ إعلان حالة الطوارئ العامة قبل أسبوعين استمرّت الأحزاب السياسية، الوطنية والإقليمية، والهيئات الاقتصادية والاجتماعية، في تأييد الخطوات المتعاقبة التي أقدمت عليها الحكومة، لكنها واصلت انتقاداتها للبطء في اتخاذ القرارات وقلّة التخطيط وعدم الوضوح في الرؤية. وتأتي أشدّ هذه الانتقادات من الحكومة الإقليمية في كاتالونيا التي تعتبر حالة الطوارئ اجتياحاً لصلاحياتها وتصرّ على أنها أقدر من الحكومة المركزية على مواجهة الأزمة.
وتردّ أوساط الحكومة أنها تواجه حالة غير مسبوقة ولا توجد دولة في العالم مستعدة لها، وأن جميع الحكومات تواجه نفس المعضلة لوضع خطط معالجة الأزمة، حيث عليها التوفيق بين المقتضيات الآنية للعناية بالمصابين وإنقاذهم، وضرورة توفير المستلزمات الأساسية للمواطنين ومنع انهيار الاقتصاد وما يستتبعه من كوارث اجتماعية.
وبينما يواصل الفيروس تمدّده في أوروبا بسرعات متفاوتة بين البلدان التي تتدرّج تدابيرها في التشدّد مع ارتفاع عدد الإصابات، وتعتمد خططاً مالية غير مسبوقة لدعم الاقتصاد، ما زالت إيطاليا تشكّل البؤرة الرئيسية لانتشار الوباء في أوروبا، والمختبر الذي تراقبه الدول الأخرى لتحديد خطواتها المقبلة في التصدّي له.
وبعد أن تجاوز عدد الوفّيات في إيطاليا حاجز العشرة آلاف، بدأ المتخصصون يلمسون البوادر الأولى للانفراج مع تراجع عدد الإصابات الجديدة رغم زيادة عدد الاختبارات لتحديدها، وبعد أن تضاعف عدد حالات الشفاء 3 مرات.
لكن رغم هذا التفاؤل الحذر الذي يصرّ الخبراء على أنه لا يمكن البناء عليه لاستخلاص نتائج ثابتة، ما زالت إيطاليا تخشى انفجاراً للانتشار في المناطق الجنوبية التي لم يضربها الوباء بعد بنفس الحدّة، كما في أقاليم الشمال، لكنها تواجه منذ أسابيع خروقات وانتهاكات واسعة لتدابير العزل والحجر الصحي تخشى الأجهزة الصحيّة أن تظهر عواقبها في الأيام المقبلة. وكانت مناطق الوسط والجنوب قد شهدت موجة كثيفة من النزوح السريع لسكّان الشمال في الساعات القليلة التي سبقت تنفيذ قرار العزل التام، وحظر الانتقال بين المناطق.
ومع ازدياد المخاوف الأمنية الناجمة عن ازدياد حوادث السرقة والسطو على مخازن المواد الغذائية والصيدليات بعد «ظهور طبقة جديدة من الفقراء»، كما جاء في تقرير لوزارة الداخلية، أقرّت الحكومة الإيطالية أمس، برنامجاً للمساعدات الطارئة بقيمة 6 مليارات يورو لمواجهة الأزمة التموينية التي تواجه نحو 10 ملايين عامل فقدوا مصادر رزقهم، بسبب الأزمة. كما حذّرت إدارة مكافحة الجريمة المنظمة من ازدياد نشاط المافيا التي تستغلّ ظروف الأزمة لغسل مواردها المالية عن طريق المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي يضطر عدد كبير منها لوقف نشاطه.
إسبانيا «تشلّ» اقتصادها في مسعى لاحتواء «كوفيد ـ19»
مخاوف من تداعيات «مدمرّة» تتجاوز الكارثة الصحية
إسبانيا «تشلّ» اقتصادها في مسعى لاحتواء «كوفيد ـ19»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة