تمسك {حزب الله} بالحكومة اللبنانية... رسالة لحلفائه قبل خصومه

تدخّل للتهدئة بين بري ودياب

TT

تمسك {حزب الله} بالحكومة اللبنانية... رسالة لحلفائه قبل خصومه

قالت مصادر سياسية على صلة وثيقة بـ«قوى 8 آذار» إن إصرار الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في كلمته، التي وجهها ليل أول من أمس (السبت) إلى اللبنانيين، على تزويد حكومة «مواجهة التحديات» ورئيسها حسان دياب بجرعة دعم من العيار الثقيل، لم يأتِ من فراغ، وإنما جاء تتويجاً للاتصالات التي تولاها معاونه السياسي حسين خليل في تنقلاته المكوكية بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ودياب، والتي أدت إلى سريان مفعول التهدئة بينهما على قاعدة دعوة مجلس الوزراء للانعقاد غداً (الثلاثاء)، ولوضع آلية لعودة من يودّ من المغتربين في أفريقياً واللبنانيين المقيمين في دول أوروبية وعربية.
وكشفت المصادر السياسية لـ«الشرق الأوسط» أن القرار الذي اتخذه بري بتعليق مشاركته في الحكومة بدءاً من مساء غد احتجاجاً على تلكؤ الحكومة في إعداد خطة تؤمن عودة المغتربين إلى لبنان لحمايتهم من تفشّي فيروس «كورونا» في بلاد الاغتراب مما أقلق رئيس الحكومة وطرح لديه تساؤلات حول ما إذا كان تهديده ينطوي على وجود قرار شيعي يدفع باتجاه البحث عن حكومة بديلة، خصوصاً أن الكيمياء السياسية بين الرئاستين الثانية والثالثة ليست على ما يرام.
لكن دياب - كما تقول المصادر - بدا مرتاحاً للرسالة التي تسلّمها من حسين خليل بالنيابة عن نصر الله، والتي تلازمت مع موقف لافت لوزير الصناعة عماد حب الله (المحسوب على «حزب الله») أكد فيه أن تعليق المشاركة في الحكومة لا يسري عليه.
ولفتت إلى أن بري بعث من خلال موقفه برسالة ضاغطة إلى دياب، وأن «حزب الله» سارع إلى احتضان رئيس الحكومة مما دفعه للاطمئنان إلى أن لا توزيع للأدوار بين «الثنائي الشيعي»، وقالت إن وضع الحكومة كاد يهتز لو لم يبادر الحزب إلى تزويدها بجرعة جاءت على لسان نصر الله الذي تصرف كأنه - كما تقول مصادر في المعارضة - وحده الآمر الناهي الذي يعود له قرار الحسم في تحديد مصير الحكومة.
وتتعامل المصادر في المعارضة مع الكلمة التي وجهها نصر الله إلى اللبنانيين - بحسب ما توافر لـ«الشرق الأوسط» من معطيات - كأنه وحده المخوّل بالنيابة عن رئيسي الحكومة، والجمهورية ميشال عون، وضع جدول أعمال للحكومة يتضمّن النظر في الأولويات.
وبكلام آخر؛ فإن نصر الله - كما تقول هذه المصادر - أوحى من خلال كلمته أن الأمر له في تحديد مصير الحكومة، وبالتالي أراد أن يُعلم حلفاءه بذلك قبل خصومه في المعارضة.كما أن نصر الله حدد جدول أعمال الحكومة التي لا يرى من مبرر لإسقاطها؛ بموضوعين اثنين لا ثالث لهما: الأول الإسراع في وضع آلية لتأمين عودة المغتربين ومن يريد في بلدان الانتشار الأخرى إلى لبنان. والثاني الضغط على المصارف للإفراج عن أموال صغار المودعين، محمّلاً إياها مسؤولية مباشرة حيال الوضع المالي المتأزّم وداعياً إلى أن تتحمل مسؤوليتها.
ومع أن نصر الله انتقد دياب على الاحتفالية التي أُقيمت وتولّت محطات التلفزة نقلها مباشرة لمناسبة قيام رئيس «جمعية المصارف» سليم صفير بتسليمه شيكاً بمبلغ 6 ملايين دولار مساهمة من المصارف في دعم الخطة الحكومية لمكافحة «كورونا» وتقديم المساعدات للعائلات الأكثر فقراً، فإنه في المقابل أغدق في مدحه رئيس الحكومة. لذلك، فإن نصر الله أخذ على عاتقه الضغط على المصارف للإفراج عن ودائع صغار المودعين، إضافة إلى أنه وجّه إليها أكثر من إنذار على خلفية أنها جنت أرباحاً مالية طائلة منذ 20 سنة حتى اليوم، وهذا ما يفرض عليها أن تعيد بعض ما حقّقته من أرباح إلى الدولة. لكن نصر الله ليس وحيداً في موقفه من المصارف، وإلا فما المبرر الذي دفع بعدد من المقربين من رئيس الحكومة، وبعضهم يصنّفون أنفسهم في خانة المستشارين له، إلى شن حملات مماثلة على المصارف، إضافة إلى الموقف الذي يتمسك به بري بخصوص معارضته لقوننة الـ«كابيتال كونترول» الذي يراد منه تشريع القيود المفروضة على السحوبات والتحويلات بالعملات الصعبة؟
إلا إن موقف دياب من المصارف لا يعني أنه يؤيد الحملات السياسية والإعلامية التي يراد منها تطويق حاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة وتحميله مسؤولية الأوضاع القاهرة والاستثنائية التي تمر بها حالياً المصارف، والتي يتزعّمها الفريق السياسي المحسوب على رئيس الجمهورية الذي هو في الوقت نفسه على تناغم مع «حزب الله»، وإن كان الأخير لا يسلّم على بياض بحصر الحصة المسيحية في التعيينات المالية والمصرفية بـ«التيار الوطني الحر» مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، رغم أن رئيسه الوزير السابق جبران باسيل لا يترك مناسبة إلا ويبعد عنه سَوْق التهم التي توجّه إليه بهذا الخصوص مع أن من يقودها هم شركاء له في حكومة اللون الواحد التي لم تعد مستقلة، وإلا فلماذا انتقل الخلاف في الحكومة من الوكلاء إلى الشركاء الفعليين في ولادتها؟
وعليه، فإنه لا مفر من ترحيل التعيينات المالية والمصرفية؛ إلا في حال تقرّر الوقوف على خاطر زعيم «تيار المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية الذي يشترط أن يسند إلى تياره السياسي منصبان وإلا فسيضطر للاستقالة من الحكومة.
وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» أن مجرد وقوف «الثنائي الشيعي» إلى جانب فرنجية يعني حقاً أنه أراد أن يمرر رسالة لمن يعنيهم الأمر، وتحديداً إلى عون ودياب، وفيها أن اتفاقهما على الخطوط العريضة الخاصة بالتعيينات لا يسري مفعوله من دون التفاهم معه انطلاقاً من ضرورة مراعاة فرنجية وعدم إغضابه لئلا تتعرض الحكومة إلى انتكاسة لا يريدها نصر الله الحريص على استمرارها؛ ونقطة على السطر.



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.