«في أصل الآخرين»... توني موريسون تحلل «رومانسية الرق»

ضم سلسلة محاضرات ألقتها في جامعة هارفارد عام 2016

«في أصل الآخرين»... توني موريسون تحلل «رومانسية الرق»
TT

«في أصل الآخرين»... توني موريسون تحلل «رومانسية الرق»

«في أصل الآخرين»... توني موريسون تحلل «رومانسية الرق»

(هذه ترجمة للصفحات الأولى من كتاب صدر عام 2017 للكاتبة الأمريكية الراحلة توني موريسون بعنوان «أصل الآخرين». موريسون، التي عرفت بأعمال روائية أدت إلى فوزها بجائزة نوبل عام 1993، تقف إلى جانب أهم الكتاب في تاريخ الأدب الأمريكي والعالمي، وهي في هذا الكتاب، الذي يجمع سلسلة محاضرات ألقتها في جامعة هارفارد عام 2016، تحلل الجوانب اللاإنسانية للرق في التاريخ الأمريكي. الكتاب قدم له تا نيهيسي كوتِس وهو صحفي وروائي من الجيل الأصغر من الكتاب الأفروأميركيين الذين حققوا نجاحاً واسعاً).
كنا لا نزال نلعب على الأرض، أختي وأنا، فلا بد أن الفترة كانت بين 1933 و1935، عندما سمعنا أنها ستأتي. مليسنست ماكتين، أم جدتنا. كان من المقرر أن تزور، وهي التي يستشهد بها غالباً، بوصفها أسطورة، بيوت كل الأقارب في الحي. كانت تعيش في ميتشيغان، قابلة يبحث عنها الجميع. كانت زيارتها لأوهايو منتظرة منذ فترة طويلة لأنه كان ينظر إليها على أنها كبيرة الأسرة، الحكيمة، التي لا تناقش. وكانت الفخامة واضحة عندما حدث شيء لم أره من قبل بدخولها إلى الغرفة: وقف الذكور جميعاً من دون أي إلحاح عليهم.
أخيراً، بعد سلسلة من الزيارات لبعض الأقارب، دخلت غرفة جلوسنا، طويلة، منتصبة الظهر، تتكئ على عصا كان من الواضح أنها لم تحتجها، وحيت أمي. بعدئذٍ نظرت بحدة إلى أختي وإلي ونحن نلعب أو أننا كنا جالستين لا أكثر على الأرض، أشارت بعصاها إلينا وقالت: «لقد عبث أحد بهؤلاء الأطفال». اعترضت أمي (بتوتر)، ولكن الضرر كان قد حصل. كانت أم جدتي فاحمة السواد، وكانت أمي تعلم بالضبط ماذا كانت تقصد: نحن، أطفالها، وبالتالي أسرتنا القريبة، كنا مختلطين، لسنا خالصي الانتماء.
تعرفي في مرحلة مبكرة على المكونات التي تجعل الإنسان أقل لأنه آخر (أو كوني عُلّمت ذلك حين كنت لا أعرف غيره) لم يترك أثراً عندئذٍ، ربما لأني كنت وعلى نحو غيبي معتدة بنفسي ومكرسة إعجابي لذاتي بطريقة مهيمنة. عبارة أنه «عبث أحد بهؤلاء» بدت مثيرة للدهشة في البدء - مثل شيء مرغوب به. ولكن حين رفضت أمي جدتها، صار واضحاً أن تلك العبارة دلت على الدونية، إن لم تعنِ الآخرية تماماً.
إن من الصعب العثور على كتابات تصف الاختلافات الثقافية والعرقية والجسمانية وتتوقف عند «الآخرية»، ولكنها تبقى متحررة من التصنيفات القائمة على القيمة أو المستوى. كثير من النصوص الأدبية التي تصف العرق تتراوح بين المراوغة والمرهفة التي تدعي أنها «مثبتة» بشكل يدعي العلمية. ولدى الجميع مبررات وادعاءات بالدقة للاحتفاظ بالهيمنة. نعي أن هناك استراتيجيات للبقاء في العالم الطبيعي: تشتيت الانتباه/ التضحية لحماية العش؛ الصيد الجماعي/ مطاردة الطعام بسرعة.
ولكن بالنسبة لنا نحن البشر بوصفنا نوعاً متطوراً، ثمة تاريخ طويل لميلنا نحو فصل أولئك الذين ليسوا من عشيرتنا والحكم عليهم أنهم أعداء، إنهم الضعاف والمصابون بخلل وبحاجة إلى من يسيطر عليهم، تاريخ يتجاوز حدود الحيوانات أو الإنسان ما قبل التاريخي. كان العرق باستمرار محدداً للاختلاف، مثلما كانت الثروة، والطبقة، والجنس – كل منها يتمحور حول السلطة وضرورة السيطرة.
يكفي أن نقرأ كيف نظر الطبيب ومالك العبيد الجنوبي ساميول كارترايت لتحسين النسل لكي نفهم الأمداء التي يمكن للعلم، إن لم تكن السياسة، أن تذهب إليها في توثيق الحاجة إلى السيطرة على الآخر.
كتب كارترايت في «تقرير حول الأمراض والخصائص الجسمانية للعرق الزنجي» (1851): «حسب القوانين الفسيولوجية الثابتة لا تستطيع قدرات الزنوج العقلية، حسب قانون عام ليست له سوى استثناءات قليلة، أن تتيقظ بقدر كافٍ لتلقي الثقافة الأخلاقية، وأن يستفيدوا من التعاليم الدينية أو غيرها، إلا تحت السلطة الجبرية للرجل الأبيض... إنهم، فيما عدا أن يكونوا تحت منبه ضاغط، ونتيجة لكسلهم الطبيعي يمضون حياتهم في نعاس تكون فيه قدرة الرئة على امتصاص الهواء في حالة لا تتجاوز نصف التمدد، وذلك نتيجة لنقص التمرين... الدم الأسود الذي يصل إلى المخ يقيد الذهن في حالة جهل وخرافة وبربرية، ويوصد الباب ضد الحضارة، وضد الثقافة الأخلاقية والحقيقة الدينية». وأشار الدكتور كارترايت إلى مرضين، أطلق على أحدهما اسم «درابيتومينيا، أو المرض الذي يجعل العبيد يهربون». أما المرض الثاني فقد شخصه على أنه «دايسيسثيزيا آيثيوبيكا» – وهو نوع من الخمول الذي جعل الزنجي «يشبه شخصاً شبه نائم» (ما شاع بين المحتفظين بالعبيد على أنه «طبيعة الأوغاد»). وللمرء أن يتساءل: إذا كان العبيد عبئاً وتهديداً بهذا الشكل، لماذ يجري شراؤهم وبيعهم بلهفة. لكن الإجابة لا تتأخر: «الممارسة (المفروضة) على الزنجي تنصرف في زراعة... القطن والسكر، والأرز والتبغ، التي، لولا جهوده... تظل غير مزروعة، ونتاجها مما لا يفيد منه العالم. كلا الطرفين مستفيد؛ الزنجي والسيد».
لم تكن هذه الملاحظات مجرد أفكار عرضية. إنها منشورة في مجلة «نيوأورليانز» الطبية الجراحية. القضية هي أن السود مفيدون، ليس بالضبط مثل الحيوانات، ولكنهم ليسوا ممن يمكن القول إنهم بشر.
إساءات مشابهة نجدها لدى كل جماعة بشرية على وجه الأرض تقريباً – سواء لها أو ليست لها سلطة – وذلك لفرض معتقداتها عبر آخر تصطنعه.
أحد أهداف العنصرية العلمية هو تحديد شخص من الخارج بقصد تحديد هوية الذات. هدف آخر هو إمكانية المحافظة على (أو حتى الاستمتاع بـ) الاختلاف الذاتي من دون احتقار للاختلاف التصنيفي لمن اعتبر آخر. والأدب بشكل خاص وواضح قادر على إظهار تعريف الذات والتأمل فيه سواء هاجم أو دعم الوسائل التي بواسطتها أمكن تحقيق ذلك التعريف.
كيف يصبح الإنسان عنصرياً وجنسوياً؟ بما أنه لا أحد يولد عنصرياً أو جنسوياً، وأنه لا توجد تهيئة لأحد قبل ولادته ليكون جنسوياً، فإن المرء يتعلم التحويل إلى آخر ليس من خلال المحاضرة أو التعليم بالقدوة.
لقد كان من الواضح للعالم أجمع - للبائعين كما لمن بيعوا - أن العبودية حالة لا إنسانية، على الرغم من أنها مدرة للمال. لم يرغب البائعون بالتأكيد أن يُستعبدوا؛ ومن جرى شراؤهم كانوا في الغالب ينتحرون لتفادي العبودية. لذا يكون السؤال: كيف نجح الاسترقاق؟ إحدى الطرق التي تعاملت بها الشعوب مع ما يتضمنه الرق من إهانة هي القوة الغاشمة؛ الطريقة الأخرى هي تحويلها إلى شيء رومانسي.
في عام 1750 انطلق شاب إنجليزي من الطبقة العليا، شاب لم يرث على الأرجح شيئاً طبقاً لقوانين وراثية تحول دون ذلك، ليصنع ثروته في البدء في وظيفة مشرف ثم بوصفه مالكاً للعبيد ولمزرعة سكر في جامايكا. اسمه توماس ثسلوود، وقد قام دوغلاس هول بالبحث في سيرته وأعماله وأفكاره وتدوينها بدقة ضمن سلسلة من النصوص الموثقة، ضمن سلسلة دراسات ماكميلان الكاريبية في جامعة وريك (Warwick)، وأعيد طبعه لاحقاً في مطبعة جامعة الويست إنديز. هذا المجلد تحديداً يتضمن مقتطفات من أوراق ثسلوود إلى جانب تعليقات دوغلاس هول التي نشرت عام ١٩٨٧ تحت عنوان «العبودية البائسة».
احتفظ ثسلوود، كما فعل ساميول ببيس، بيوميات مفصلة - يوميات بلا تأملات أو أحكام، مجرد وقائع. الأحداث، مقابلة الناس الآخرين، الطقس، التفاوضات، الأسعار، الخسائر، كلها إما استرعت انتباهه أو شعر بأنها جديرة بالتنويه. لم تكن لديه نية لنشر ما سجله أو مشاركة الآخرين بما فيه من معلومات. قراءة يومياته تكشف أنه، مثل معظم أبناء بلاده، كان لديه التزام لا تردد فيه تجاه الوضع القائم. لم تكن لديه تساؤلات حول أخلاقيات الرق أو حول موقعه هو في تلك الأخلاقيات. لقد اكتفى بالعيش في العالم كما وجده وسجله. إنه هذا الانفصال عن الحكم الأخلاقي غير المستغرب هو الذي يسلط الضوء على القبول بالرق. ما بين سمات ملاحظاته المستقصية توجد تفاصيل لحياته الجنسية في المزرعة (لا تختلف عن ممارساته الشبابية وبشكل خاص في بريطانيا).



حملة في أبوظبي لدعم القراءة وتكريس الثقافة بالمجتمع

سعيد حمدان الطنيجي المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للغة العربية خلال إطلاق الحملة المجتمعية لدعم القراءة (الشرق الأوسط)
سعيد حمدان الطنيجي المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للغة العربية خلال إطلاق الحملة المجتمعية لدعم القراءة (الشرق الأوسط)
TT

حملة في أبوظبي لدعم القراءة وتكريس الثقافة بالمجتمع

سعيد حمدان الطنيجي المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للغة العربية خلال إطلاق الحملة المجتمعية لدعم القراءة (الشرق الأوسط)
سعيد حمدان الطنيجي المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للغة العربية خلال إطلاق الحملة المجتمعية لدعم القراءة (الشرق الأوسط)

بالتزامن مع شهر القراءة الوطني، أُطلقت في عاصمة الإمارات أبوظبي الحملة المجتمعية لدعم القراءة، والتي تتضمن نحو 1700 نشاط إبداعي منها 250 فعالية ومبادرة رئيسة، تُنفذ بالتعاون مع 100 جهة حكومية وخاصة، وبمشاركة 100 مبدع، مستهدفة أكثر من 50 ألفاً من مواطني دولة الإمارات والمقيمين فيها.

وأطلق الحملة مركز أبوظبي للغة العربية، الخميس الماضي، في متحف «اللوفر - أبوظبي»، بحضور نخبة من وجوه الثقافة والإعلام والفكر والأدب في دولة الإمارات. وتتزامن الحملة مع إطلاق الدورة الجديدة من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، وتأتي الحملة تحت شعار: «مجتمع المعرفة... معرفة المجتمع»، انسجاماً مع إعلان دولة الإمارات عام 2025 «عام المجتمع»، في ضوء استراتيجية المركز الهادفة لدعم حضور اللغة العربية، وتكريس ثقافة القراءة في المجتمع.

وتتوزع فعاليات المبادرة على 14 مجالاً تغطي معظم اهتمامات المجتمع، وتشمل: أندية قرائية، وجلسات حوارية، وورشات كتابة إبداعية، ومحاضرات فكرية، وندوات فنية، وبرامج تعليمية ترفيهية، ودورات متخصصة، وقراءات شعرية، وقراءات قصصية، وبرامج إذاعية، ومسابقات ثقافية، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، ومقاطع فيديو، وإطلاق كتب جديدة.

د. علي بن تميم رئيس مركز أبوظبي للغة العربية (الشرق الأوسط)

ترسيخ ثقافة القراءة

وفي تصريح له، قال الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية: «تعكس الحملة المجتمعية للقراءة المستدامة جهود مركز أبوظبي للغة العربية الهادفة إلى تعزيز حضور اللغة العربية بين أفراد المجتمع كافة، وترسيخ ثقافة القراءة ودمجها في نسيج الحياة اليومية لأفراده على اختلاف تصنيفاتهم العمرية والفكرية».

وأكد أن «القراءة المستدامة هي الضامن الأساسي لتحقيق تنمية معرفية مستدامة، وهي إحدى أهم الركائز في عملية بناء قدرات وتنمية كفاءات أبناء المجتمع، خاصة الأجيال الجديدة؛ ليكونوا دائماً على اتصال واعٍ ومتفاعل مع معطيات العصر في الفكر والثقافة والتكنولوجيا».

في حين قال سعيد حمدان الطنيجي، المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للغة العربية إن «المركز يراعي في مشاريعه توافر الاستدامة والنمو، وخدمة المجتمع؛ ولذلك جاء تصميم هذه الحملة المجتمعية للقراءة المستدامة لترفع نسب النمو المستدام في ثقافة القراءة بما يتناسب مع فئات المجتمع كافة على اختلاف اهتماماتهم، وتصنيفاتهم العمرية».

وأضاف: «الحملة معدة وفق معايير مبتكرة، تثري ثقافة أفراد المجتمع بمعارف مستمدة من الإرث الحضاري الكبير للثقافة العربية ولغتها، بما يتناسب مع الإطار القيمي والسنع الراقي لثقافة دولة الإمارات».

سعيد حمدان الطنيجي المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للغة العربية (الشرق الأوسط)

شراكات أدبية

ومن أبرز أنشطة الحملة التي أُعلن عن تفاصيلها، 11 جلسة حوارية ينظمها نادي «كلمة للقراءة» بمشاركة 30 مبدعاً، وخمسة برامج تستضيفها منصات المركز الرقمية، موجهة للأجيال الجديدة، منها «نقرأ للأطفال» بالتعاون مع شبكة أبوظبي للإعلام، و«كلمة في كتاب» الذي يتناول فيه الإعلامي أحمد علي الزين كتباً من إصدارات المركز.

وتبني الحملة عدداً من الشراكات الأدبية من خلال مشروع «كلمة للترجمة» مع كل من قصر الحصن، وبيت العائلة الإبراهيمية، ومكتبة الأطفال، لتنظيم سلسلة جلسات أدبية حول الشعر الفصيح، والشعر النبطي، وعادات الشعوب وروحانياتهم في شهر رمضان، وقراءات وورش تثقيفية للأطفال.

ومن ضمن مبادرات الحملة مبادرة لقراءة قصص باللغة العربية للأطفال من إنتاج مشروعَي «كلمة للترجمة»، و«إصدارات» التابعين لمركز أبوظبي للغة العربية، يشارك فيها 18 راوياً، في حين ينظم برنامج «قلم للكتابة الإبداعية» ورشتين؛ الأولى في فن كتابة القصة القصيرة، والثانية في فن رسم القصص التراثية.

وفي إطار الحملة أيضاً، يطلق المركز أنشطة تتضمن «تجربة مبدع»، وبرامج للتدريب على الكتابة الإبداعية، وورش عمل تستهدف الخبراء والفنيين، و10 محاضرات متخصصة في اللغة العربية، من ضمنها جلسة تعريفية بمسابقة أصدقاء اللغة العربية، إلى جانب عشرات الفعاليات التي تتوزع داخل الدولة وخارجها، من بينها مبادرة «القراءة في الأماكن الحيوية»، ومشروع «خزانة الكتب»، كما تستضيف الحملة عدداً من الفائزين بالجوائز التي يقدمها المركز، وأبرزها جائزة الشيخ زايد للكتاب، لتقديم ملتقيات فكرية تضيء على تجاربهم الإبداعية.