تصاعد الخلافات بين أطراف حكومة دياب حول التعيينات

تدخل «الثنائي الشيعي» أدى إلى تأجيل بحثها إلى الأسبوع المقبل

TT

تصاعد الخلافات بين أطراف حكومة دياب حول التعيينات

تدخل حكومة «مواجهة التحديات» برئاسة حسان دياب في مواجهة من نوع آخر ليست محصورة في «التعبئة العامة» لمحاصرة تفشي انتشار «كورونا»، وإنما لقطع الطريق على إصابة الحكومة بأعطال قاتلة بسبب تصاعد الخلافات بين أطرافها حول التعيينات المالية والمصرفية التي كانت وراء ترحيلها عن جدول أعمال جلستها السابقة إلى الجلسة المقررة لمجلس الوزراء بعد غدٍ (الثلاثاء)، والتي يُفترض أن تُخصَّص لإعداد لائحة بأسماء المرشحين لهذه المناصب تمهيداً لحسمها في جلسة تُعقد الخميس المقبل برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون. وأكدت مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط» أن ترحيل التعيينات عن الجلسة الأخيرة لا يعود إلى عدم إدراج وزير المال غازي وزني، لائحة بأسماء المرشحين على جدول أعمالها وإنما إلى مبادرة زعيم تيار «المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية، إلى تفجير قنبلة سياسية من العيار الثقيل هدد فيها باستقالة الوزيرين اللذين يمثلانه في الحكومة في حال تم تهريب التعيينات لتمرير المحاصصة، خصوصاً أن من يعدّ جدول أعمال الجلسة هو رئيس الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية.
وقالت المصادر إن تحذير فرنجية استدعى تدخُّلاً من «حزب الله» لدى الرئيس عون وتياره السياسي تلازم مع موقف مماثل لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، أبلغه للرئيس دياب، ورأت أن تدخّل «الثنائي الشيعي» كان وراء تأجيل البحث في التعيينات لئلا تأتي على قياس رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل.
ولفتت إلى أن لـ«الثنائي الشيعي» حسابات سياسية لن يفرط فيها وتقوم على رفضه إلغاء حليفه فرنجية من جهة، ومن جهة أخرى إطلاق يد باسيل في التعيينات وتقديمه على أنه الممثل الوحيد للمسيحيين في الحكومة مع أن «المردة» حقق الحد الأدنى للتوازن بغياب حزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب» ورفضهما المشاركة في هذه الحكومة.
وعدّت مصادر في المعارضة أن مقولة تشكيل حكومة من المستقلين سقطت مع عدم قدرة الوزراء فيها على محاصرة الخلافات حول التعيينات ومنع تظهيرها إلى العلن، وإلا ما المبرر لتدخُّل القيادات الداعمة لها في الوقت المناسب مقابل تراجع دور الوكلاء فيها؟
وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن تسليم دياب لباسيل بمصادرة حصة المسيحيين في التعيينات المالية والمصرفية والسماح له بأن يمد يده إلى حصة السُّنة والدروز لأنه لا يتجرّأ على الاقتراب من الحصة الشيعية سيؤدي إلى إسقاط الهدنة التي أعطتها المعارضة للحكومة، خصوصاً أن قادتها بادروا إلى التحذير من إطلاق يد التيار السياسي المحسوب على الرئيس عون في السيطرة على هذه المناصب. وسألت عن مبادرة دياب إلى تدوير الزوايا مستفيداً من موقف «الثنائي الشيعي» للحد من نفوذ باسيل، إضافةً إلى موقف عون وما إذا كان سيكرر ما سبق وأبلغه لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري قبل استقالته بأن عليه البحث في معظم الأمور العالقة مع باسيل. ورأت أن لجوء عون إلى إحالة دياب على باسيل سيؤدي إلى إحراج رئيس الحكومة في الوقت الذي يتطلب منه الإفادة من موقف «الثنائي الشيعي» خصوصاً «حزب الله» الذي يلعب حالياً الدور الناظم للعلاقات داخل الحكومة لأنه لا مصلحة له في إضعافها بسبب تعذّر إيجاد البديل في المدى المنظور. وكشفت أن مشكلة دياب ليست محصورة بانقلاب المعارضة على مهادنتها للحكومة وإنما في تصاعد الخلافات بين المكوّنات الرئيسة المشاركة فيها. وسألت عن الأسباب التي ما زالت تؤخّر الإفراج عن التشكيلات القضائية بسبب إصرار وزيرة العدل ماري كلود نجم، على موقفها بعدم التوقيع عليها في مقابل إصرار مجلس القضاء الأعلى بإجماع أعضائه على رفضه الأخذ بملاحظاتها.
وفي هذا السياق، سألت المصادر عن تمادي الخلاف بين الرئيسين بري ودياب حول تأمين عودة اللبنانيين الذين لا يزالون في الخارج وعلى رأسهم المغتربون في الدول الأفريقية، خصوصاً أن رئيس المجلس لم يتردد في توجيه انتقادات غير مسبوقة للحكومة على تقاعسها في هذا المجال، وكذلك تصاعد الخلاف بين دياب وبري حول مشروع قانون الـ«كابيتال كونترول» لفرض قيود على السحوبات والتحويلات بالعملات الصعبة.
ونقلت مصادر نيابية عن بري قوله إن هذا المشروع يطبّق منذ فترة ليست قصيرة ويرتدّ سلباً على أموال المودعين، مع أن شرعنته تؤدي إلى تغيير الهوية الاقتصادية للبنان التي تقوم على الاقتصاد الحر، وهذا ما ورد في مقدمة الدستور اللبناني، وبالتالي لا بد من تعديل النص الدستوري في هذا الخصوص وهذا يتطلب أن تتقدّم الحكومة بمشروع قانون لتعديله بموافقة ثلثي أعضائها على أن يقرّه البرلمان في اجتماع الهيئة العامة بعدد مماثل.
يضاف إلى ذلك الخلاف حول ملف الكهرباء الذي حضر في الاجتماع الأخير بين دياب وبري الذي لا يرى جدوى في إنشاء معمل في سلعاتا لتوليد الطاقة كما يطالب باسيل، ويقترح إنشاء معملين؛ الأول في شمال لبنان والآخر في الجنوب.
لذلك باتت الحكومة محاصَرة بتصاعد الخلافات داخل مكوناتها، وهذا ما يبرر اندفاع «حزب الله» للإبقاء عليها تحت السيطرة وقطع الطريق على تفلُّت الوضع باتجاه تهديد التضامن الحكومي الذي يرزح حالياً تحت وطأة إصرار باسيل، كما تقول مصادر بارزة في المعارضة، على «اجتياح» التشكيلات لعلها تزيد من طموحاته الرئاسية.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.