مورغان أورتاغوس لـ«الشرق الأوسط»: طهران تكذب ولا تراجع عن «الضغوط القصوى»

قالت إن بلادها تعمل خلف الكواليس لإعادة جميع معتقليها... وبحث في كيفية مواصلة تفتيش المواقع الإيرانية

المتحدثة باسم الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس خلال مؤتمر صحافي الشهر الماضي (أ.ف.ب)
المتحدثة باسم الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس خلال مؤتمر صحافي الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

مورغان أورتاغوس لـ«الشرق الأوسط»: طهران تكذب ولا تراجع عن «الضغوط القصوى»

المتحدثة باسم الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس خلال مؤتمر صحافي الشهر الماضي (أ.ف.ب)
المتحدثة باسم الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس خلال مؤتمر صحافي الشهر الماضي (أ.ف.ب)

قللت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس من «حملة التضليل الإيرانية، التي تروج لنظريات مؤامرة عبر اتهام الولايات المتحدة بإنتاج فيروس (كوفيد19)، ومحاولات طهران الحصول على تخفيف أو رفع للعقوبات بدعوى أنها تعوق قدرة النظام على مكافحة الوباء».
وتسربت تلك الحملة إلى بعض وسائل الإعلام الأميركية والمراكز البحثية قبل أن تجد طريقها إلى الكونغرس الأميركي؛ حيث أرسل 9 مشرعين ديمقراطيين خطاباً، الاثنين الماضي، يناشدون فيه وزيري الخارجية والخزانة الأميركيين تجميد العقوبات على إيران.
وقالت أورتاغوس في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» إن المسؤولين الإيرانيين «ليسوا مبدعين؛ لقد سرقوا أسلوب الدعاية هذا من الحزب الشيوعي الصيني، نعلم أن الفيروس بدأ في مقاطعة ووهان ويتحمل الحزب الشيوعي الصيني مسؤولية ما يحدث للعالم الآن من انتشار هذا الفيروس».
وشددت أورتاغوس على أن «حملة الضغوط القصوى» مستمرة، وأنه «لا يوجد تغيير أو تخفيف في العقوبات الأميركية المفروضة على النظام الإيراني»، موكدة أن «إيران لديها الفرصة في أي وقت لتأتي إلى الطاولة وتتصرف كدولة مسؤولة وتتفاوض مع الرئيس دونالد ترمب ووزير الخارجية مايك بومبيو»، وأضافت: «حينها يمكن وقف هذه العقوبات على الفور، وهذا الخيار مطروح دائماً على الطاولة».
وقالت أورتاغوس: «من المهم التوضيح مرة أخرى أن سياسة العقوبات مستقلة تماماً عن قنوات المساعدات الإنسانية والإغاثة لمساعدة إيران على مكافحة تفشي وباء كورونا»، متهمة النظام بالتقاعس في حماية شعبه.
وبذلك ألقت أورتاغوس باللوم على النظام الإيراني «لعدم اتخاذه إجراءات للحد من تفشي الفيروس، على غرار إجراءات الولايات المتحدة التي أوقفت الرحلات الجوية إلى الصين»، غير أنها ذكرت أن «النظام هدد وسجن العشرات من الإيرانيين الذين كانوا يحاولون قول الحقيقة، وشجع التجمعات الكبيرة».
وجددت أورتاغوس التأكيد على أن الإدارة الأميركية لا تزال تدعو إيران لإعادة التفكير، والسماح لفريق منظمة «أطباء بلا حدود» بدخول إيران، وعدّت خطوة إيران بطرد المنظمة «تلحق أضراراً بالشعب الإيراني»، وقالت أيضاً: «ما زلنا ندعو النظام الإيراني لقبول المساعدة من الولايات المتحدة، لأننا نهتم بشدة بالشعب الإيراني ولا نريده أن يستمر في المعاناة من سوء إدارة النظام وانعدام الشفافية».
وأكدت المتحدثة باسم «الخارجية» أن واشنطن تواجه حملة التضليل بكل قوة، ونوهت بأنه «لا يوجد عالم أو طبيب يشك في صحة أن الفيروس جاء من مقاطعة ووهان من الصين، وما يجب أن نركز عليه كيفية مكافحة هذا الوباء العالمي، وهذا ما تقوم به إدارة ترمب ووزارة الخارجية الأميركية». وأضافت: «الإيرانيون يكذبون فيما يتعلق بالإمدادات الطبية، وهم بارعون في إلقاء اللوم على الآخرين في سوء إدارتهم وافتقارهم للشفافية، وأبرز مثال على ذلك قيامهم بطرد فريق منظمة (أطباء بلا حدود)».
وكررت المتحدثة باسم الخارجية تصريحات كثير من المسؤولين الأميركيين حول استثناء العقوبات الأميركية المفروضة على إيران المساعدات الإنسانية والمعدات الطبية والأدوية، واستشهدت برفض طهران المساعدات الإنسانية والفنية التي عرضتها واشنطن علانية وبشكل خاص. وقالت في هذا الصدد إن «المساعدات متاحة بنسبة 100 في المائة للشعب الإيراني في أي وقت، وهي مستقلة تماماً عن العقوبات، والأمر في يد النظام الإيراني ليحصل عليها».
من جانب آخر، ذكرت أورتاغوس أن «الأمم المتحدة، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، والولايات المتحدة، وكثيراً من المنظمات متعددة الأطراف، تبحث في كيفية مواصلة عمليات تفتيش المواقع الإيرانية في ظل هذا الوباء، وهو أمر مثير للقلق؛ ما بين ضرورة الاهتمام بأمن وصحة المفتشين، وتصريحات النظام الإيراني العلنية بعدم التقيد بالتزاماتهم الدولية وتخطي حدود تخصيب اليورانيوم».
ورداً على سؤال عن النقاشات خلف الأبواب حول صفقات تبادل المعتقلين بين واشنطن وطهران، ومطالبة وزير الخارجية مايك بومبيو النظام الإيراني بالإفراج عن جميع المعتقلين الأجانب المحتجزين، وقيام إيران بالإفراج عن المعتقل الأميركي في سجونها مايكل وايت، أعربت أورتاغوس عن سعادة بلادها بمنح مايكل وايت إفراجاً صحياً مؤقتاً، وطالبت بالإفراج عن كل المعتقلين الأجانب مع ازدياد القلق من انتشار فيروس «كورونا» بين السجناء. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية: «ليس لديّ شيء نعلنه حول الإفراج عن مزيد من المعتقلين الأميركيين، ونحن نعمل بجد خلف الكواليس لإعادة جميع الأميركيين المعتقلين بشكل خاطئ في إيران إلى بلادهم».
ولم تحدد أورتاغوس ماذا كانت واشنطن ستلجأ إلى استخدام الـ«فيتو» ضد طلب قدمته طهران للحصول على قرض بقيمة 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، لمواجهة تداعيات تفشي وباء «كورونا»، غير أنها ذكرت أن وزارة الخزانة الأميركية تتولى هذه الأمور.



ما المتوقع عراقياً في استراتيجية إيران؟

إيرانية تمرّ أمام لوحة إعلانية مناهضة لإسرائيل كُتب عليها بالعبرية: «في الدم الذي سفكتَه ستغرق» (إ.ب.أ)
إيرانية تمرّ أمام لوحة إعلانية مناهضة لإسرائيل كُتب عليها بالعبرية: «في الدم الذي سفكتَه ستغرق» (إ.ب.أ)
TT

ما المتوقع عراقياً في استراتيجية إيران؟

إيرانية تمرّ أمام لوحة إعلانية مناهضة لإسرائيل كُتب عليها بالعبرية: «في الدم الذي سفكتَه ستغرق» (إ.ب.أ)
إيرانية تمرّ أمام لوحة إعلانية مناهضة لإسرائيل كُتب عليها بالعبرية: «في الدم الذي سفكتَه ستغرق» (إ.ب.أ)

كتب مرّة الصحافي الأميركي توماس فريدمان أن العالم أصبح مسطّحاً (Flat) بسبب الثورة التكنولوجيّة. هي نفسها الثورة التي جعلت العالم معقدّاً جدّاً، خاصة مع هجمة الذكاء الاصطناعي.

في مكان آخر، أراد الكاتب الأميركي فرنسيس فوكوياما إيقاف التطوّر التاريخيّ بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وبشّر بالليبراليّة الديمقراطيّة بوصفها نموذج أوحد لدول العالم.

يشهد عالم اليوم فوضى في كل المجالات. عادت القوميات والآيديولوجيات، وكثرت الحروب، الأمر الذي يُبشّر بمرحلة خطرة جدّاً قبل تشكّل نظام عالمي جديد، وعودة التوازنات الكونيّة.

باختصار، عاد الصراع الجيوسياسيّ إلى المسرح العالمي لكن مع ديناميكيّة سريعة جدّاً تسببت بها الثورة التكنولوجيّة، وفيها تبدّلت العلاقة العضوية بين الوقت والمسافة، إذ سُرّع الوقت وتقلّصت المسافة في الأذهان.

تسعى الدول عادة إلى تحديد مسلّماتها الجيوسياسيّة. وهي، أي المسلمات، قد تتقاطع مع مسلّمات الدول الأخرى خاصة القريبة جغرافياً. لكنها أيضاً قد تتضارب.

عند التقاطع الإيجابيّ يكون التعاون. وعند التضارب يقع الصراع وصولاً إلى الحرب. يحدّد خبراء الجيوسياسّة أهميّة دولة ما من خلال ثلاثة معايير هي: الموقع، والثروات المؤثرة في الاقتصاد العالمي، كما الدور الذي تلعبه هذه الدولة في النظام العالميّ. إذا توفّرت هذه الشروط كلها في دولة ما، فهي قوّة عظمى أو كبرى بالتأكيد.

إيرانيون يحرقون علماً إسرائيلياً في مظاهرة وسط طهران يوم 18 أكتوبر 2024 (رويترز)

الاستراتيجيّة الإيرانيّة في المنطقة

في عام 1985، وإبان الحرب العراقيّة - الإيرانيّة، وبعد تراجع قدرات العراق العسكريّة، طلب المرشد الإيراني الأول الخميني من الرئيس السوري السابق حافظ الأسد التعاون لإسقاط العراق وفتح الباب إلى القدس.

رفض الأسد الطلب لأن سقوط العراق يعني خسارة دولة عازلة لسوريا مع إيران. وهو، أي الأسد، وإن قبل بإسقاط العراق، فسوف يكون لاعباً ثانوياً (Junior) بسبب التفاوت في القدرات بين سوريا وإيران.

حقّقت الولايات المتحدة الأميركيّة حلم الخميني في عام 2003. سقط العراق، وبدأ المشروع الإيرانيّ الإقليميّ بالتشكّل. تعد إيران أن هذا المشروع من المسلّمات الجيوسياسيّة الأهم. فهو يحميها، ويحقق مردوداً جيوسياسيّاً أكبر بكثير من حجم الاستثمارات فيه.

لكن هذه المسلمات تضاربت مع العديد من مسلّمات القوى الإقليميّة، كما مع مسلمات الولايات المتحدة. وإذا كانت أميركا قادرة على التعويض الجيوسياسيّ في مواجهة المشروع الإيرانيّ، فإن التعويض غير ممكن لكثير من دول المنطقة. فما تربحه إيران قد يكون خسارة لهذه الدول لا يمكن تعويضها.

وبسبب هذا التضارب في المسلّمات، بدأ الصراع وصولاً إلى الحرب الحالية. فمع إسرائيل ضرب المشروع الإيراني الأمن القومي الإسرائيلي في العمق، إن كان في غزّة أو في لبنان. ومع دول المنطقة، تجلى المشروع الإيراني من خلال جماعات مسلحة قوية في العمق العربي، لا سيما في لبنان وسوريا والعراق.

المنطقة جيوسياسيّاً

تعد استراتيجيّة الاتجاه غرباً (Look West Strategy) أمراً ثابتاً بالنسبة لإيران، إن كانت في ظل الإمبراطورية الفارسيّة أو مع الدولة الإسلاميّة. فإيران لم تُّهدد من شرقها إلا مرّة واحدة من قبل أفغانستان عام 1722، وبعدها استعاد السيطرة نادر شاه.

أما من الغرب، فقد أسقط الإسكندر الأكبر، الإمبراطور داريوس الثاني. ومن الغرب أيضاً حاربها صدّام حسين، ومن بعده أتى الأميركيون، ثم تنظيم «داعش» بعد خروج الأميركيين.

ماذا يعني العراق لإيران؟

* يشكّل العراق مركز ثقل في وعي الأمن القومي الإيرانيّ. لا تريد إيران دولة عراقيّة قويّة معادية لها قادرة على تهديدها من الغرب. من هنا دعمها لجماعات مؤيدة لها تحاول توسيع نفوذها داخل الدولة العراقيّة. تلعب هذه الجماعات دوراً هجيناً. هي في الدولة، وهي خارجها في الوقت نفسه. ترتبط مالياً بخزانة الدولة العراقية، لكنها في الحرب والسياسة ترتبط بإيران.

* يعد العراق مركز ثقل لإيران من ضمن ما يُسمّى محور المقاومة. فهو جغرافياً نقطة الانطلاق للتأثير الإيراني في الهلال الخصيب. أما سوريا، فهي المعبر والممر من العراق إلى لبنان. فيها بنى تحتيّة تربط لبنان بالعراق، ثم إلى الداخل الإيرانيّ.

أنظمة صواريخ لـ«الحرس الثوري» خلال عرض جنوب طهران (أ.ب)

طوفان الأقصى بعد سنة ونيّف

على الورق، سقطت حركة «حماس» عسكرياً. تدخّل «حزب الله» للربط معها، فسقط هيكله التنظيمي. مع ذلك، لم يخسر الحزب حتى الآن، ولم تخسر «حماس» أيضاً. وبناء عليه لم تحسم إسرائيل الأمر نهائيّاً.

لكن الأكيد أن «حزب الله» لم يعد قادراً على لعب الدور الأهم الذي أعد له في الاستراتيجيّة الإيرانيّة. بالتالي، ستحاول إسرائيل والولايات المتحدة استغلال هذا الضعف. وإذا لم تعد إيران – على الورق - قادرة على استغلال جبهتها المتقدّمة ضد إسرائيل من خلال «حماس» و«حزب الله»، فإن هناك من يعتقد أنها ستركز اهتمامها السياسي والميداني في محيطها المباشر، حيث مناطق نفوذها في العراق، وهو أمر يسلّط الضوء بلا شك على ما يمكن أن تشهده الساحة العراقية في الفترة المقبلة، خصوصاً في ظل التهديدات الإسرائيلية بشن هجمات على فصائل عراقية تدعمها إيران.