إيليا كازان... سيرة مخرج عانى ما يكفي من السياسة

شهد على رفاقه خلال الحملة المكارثية

من اليمين: جون غارفيلد ودوروثي ماغواير وغريغوري بك في «اتفاق جنتلماني»
من اليمين: جون غارفيلد ودوروثي ماغواير وغريغوري بك في «اتفاق جنتلماني»
TT

إيليا كازان... سيرة مخرج عانى ما يكفي من السياسة

من اليمين: جون غارفيلد ودوروثي ماغواير وغريغوري بك في «اتفاق جنتلماني»
من اليمين: جون غارفيلد ودوروثي ماغواير وغريغوري بك في «اتفاق جنتلماني»

إحدى التظاهرات السينمائية الملغاة في إطار ما تقدمه جامعة UCLA في لوس أنغليس واحدة عمادها أفلام المخرج المعروف إيليا كازان. ذلك السينمائي التركي المولد (1909)، اليوناني الهوية الذي شارك الآلاف سواه في تعرضه وعائلته إلى التفرقة العنصرية خلال العقد العاشر من مطلع القرن الماضي عندما كانت عائلته تعيش وتعمل في مدينة إسطنبول.
عكس بعض تلك الذكريات في كتابه «أميركا أميركا» الذي تحوّل إلى فيلم من إخراجه سنة 1963 حيث وصف فيه ما تعرّض له وأسرته من اضطهاد وكيف قرر الهجرة إلى الولايات المتحدة محملاً برغبته في الانعتاق من الماضي والقبول على عالم جديد حيث دخل مدرسة الدراما سنة 1932 ليؤسس بعد ذلك فرقة مسرحية ثم ليدخل السينما من العام 1945 وما بعد.
شق كازان طريقه بصعوبة لكن ما ذلل مشاقه اندفاعه الشديد وموهبته في تشكيل سينما تسرد ما يمكن للمشاهد أن ينجذب إليه في كل عنصر من عناصر العمل، انطلاقاً من اختيار الموضوع إلى اختيار الممثلين، و- بالطبع - طريقة الإخراج.
أول مسرحية قُدمت باسمه كانت «بشرة أسناننا» تأليف ثورنتون وايلدر، تبعها بمسرحية «عربة اسمها اللذة» لتنيسي وليامز. أخرج كذلك نسخته من مسرحية آرثر ميلر «موت رجل أعمال» قبل أن يعود إلى رحاب تنيسي وليامز ليخرج «قطة فوق صفيح ساخن».
بعد نحو عشر سنوات من العمل في المسرح جرّب الإخراج السينمائي بفيلم قصير (مفقود اليوم) عنوانه «أناس كمبرلاند» (1937) ثم عاد للمسرح حتى سنة 1945 عندما قرر إخراج «شجرة تنمو في بروكلين»، المقتبسة عن رواية للمؤلفة بَتي سميث بعد عامين أنجز فيلماً أفضل وأهم هو «ارتداد» (Boomerang). دانا أندروز، من نجوم الفترة، لعب دور وكيل النيابة الذي يكتشف أن من سيعمل على إدانته هو بريء مما أسند إليه. هذا الفيلم من أفضل أعمال كازان ومن أكثرها تعرضاً لتجاهل النقاد والمؤرخين حين يقارنون بينه وبين «عند الميناء» و«قطة على صفيح ساخن» عندما قام كازان بتحويل المسرحيتين إلى فيلمين بارزين في منتصف الخمسينات.
- شيوعي سابق
قبل ذلك، وفي سنة 1947 قام بتحقيق «اتفاق جنتلماني»(Gentleman‪‬s Agreement) عن رواية لموس هارت حول الصحافي الذي ينطلق في تحقيق يكتشف من خلاله مواقف معادية للسامية.
في العام التالي كوفئ الفيلم بأربع جوائز أوسكار كأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل تمثيل نسائي أول (لوريتا يونغ) وأفضل ممثلة مساندة (سيليستا هوم) وذلك من بين ثمانية ترشيحات في الإجمال.
بعد فيلم لم يحرز أي نجاح اسمه «بينكي» (1949) قام بإخراج «ذعر في الشوارع» Panic in the Streets). هنا حاول المخرج استحضار المعالجة التسجيلية لحكاية تدور في رحى يومين نرى فيهما محاولة طبيب عسكري (رتشارد ودمارك) والأجهزة الأمنية اكتشاف مكان اختباء قاتل مصاب بجرثومة قد تشكل وباء. ينتمي الفيلم إلى السينما التشويقية وفيه عدد من كبار المشخصين (Character Actors) من بينهم زيرو موستل والممثلة باربرا بل جيديس. كذلك كان الدور الأول للممثل جاك بالانس.
اختار كازان الممثل زيرو موستل مصراً على إسناد الدور الذي قام به في الفيلم، رغم أن موستل كان على قائمة مكارثي كشيوعي ما أدّى إلى امتناع هوليوود عن العمل معه. لكن المخرج بعد عامين وجد نفسه في المحكمة المكارثية ماثلاً أمام لجنة التحقيقات التي طلبت منه الإفصاح عن أسماء الفنانين والمثقفين الذين كانوا معه في الحزب الشيوعي.
كان كازان انضم للحزب الشيوعي في مطلع الثلاثينات ثم ترك الحزب بعد نحو عامين ووجد نفسه بعد كل تلك الفترة مهدداً بضمه إلى لائحة الممتنعين عن الإدلاء بشهاداتهم وما سيجرّه ذلك عليه من ردود فعل هوليوود. تمنّع في البداية ثم كشف عن أسماء ثمانية من رفاقه وبذلك أمّن استمراره، لكن لم يؤمّن الكثير من علاقاته إذ وضعه ذلك في موقف حرج أمام رفاق وزملاء اعتبروا ما قام به خيانة. أحدهم كان الكاتب آرثر ميلر الذي قطع علاقته معه.
- مع براندو
كتب كازان في مذكراته ما يلي: «اكتشفت باكراً أن الميول التي قادتني للانضمام إلى الحزب كانت مثالية. لكن العالم ليس كذلك. اعترضت على ما واجهته من محاولة استئثار في الرأي وتحكيم نظم كانت تقيّدني أكثر مما تفيدني».
وعلى صفحة أخرى نقرأ: «كان لدي كل سبب جيد لكي أؤمن بأن ذلك الحزب عليه أن يُطرد من مخابئه، لكني لم أفعل شيئاً في البداية حتى لا يُقال عني إني خائن. ما فعلته (لاحقاً) فعلته لأني صادق مع نفسي».
لكن الحياة تستمر وها هو كازان يقدم على إخراج «عربة اسمها اللذة» سنة 1951 ثم «عند الميناء» (أو On the Water Front) . وهما الفيلمان اللذان حققا له تألقاً كبيراً رغم أن أولهما عانى من حصر معظم مشاهده داخلياً. لم يكن بإمكان كازان فعل الكثير أمام مسرحية كتبها وليامز على أساس وقوعها في غرفة واحدة، لكن معظم النقاد آنذاك تجاوز هذا الوضع وخرج الفيلم بأربع جوائز أوسكار ليس من بينها أوسكار كان مارلون براندو يستحقه في هذا اللقاء الأول بينه وبين كازان الذي تكرر مرتين لاحقاً.
بدوره نال «عند الميناء» ثماني جوائز أوسكار من بينها أوسكار أفضل ممثل وذهبت إلى براندو الذي ميّز الفيلم بحضوره وأدائه المتميز. بين الفيلمين ظهر براندو تحت إدارة كازان في فيلم متوعك عنوانه «فيفا زاباتا» (1953). وفي حين واصل المخرج تقديم سلسلة لامعة من الأفلام بينها «وجه في الزحام» (1957) و«بديع على العشب» (1961) بدأ المخرج يحوم حول تحقيق فيلم عن تجربته الشخصية فكان «أميركا أميركا» سنة 1963. آخر فيلمين لكازان لم يكن مستواهما بمستوى ما سبق وهما «الزائران» (1972) و«التايكون الأخير» (1976) الذي كان آخر أعماله وأنجزه قبل 27 سنة من وفاته.
في لقاء معه تم خلال دورة لمهرجان القاهرة قال لهذا الناقد: «لا أندم على أي شيء قمت به عن قناعة. وما قمت به آنذاك (الحقبة المكارثية) كنت مقتنعاً به. كنت أفرق بين السينما والسياسة ولم أترك عملي يضيع بسبب مواقف سياسية كدت أن أتورط بها».
- وراء الكاميرا
> وافقت الحكومة الأميركية على تقديم منحة مالية لأصحاب الصالات السينمائية الذين اضطروا لإغلاق أبواب صالاتهم في الولايات المتحدة وكندا. المنحة هي جزء من تريليونين و200 مليار دولار كان الكونغرس قد توصل إلى إبرامها.
قررت محطة NBC تأجيل عرض حلقة درامية من مسلسل «نيو أمستردام» كان من المقرر بثها في الأسبوع المقبل. كان تصوير الحلقة تم قبل انتشار «كورونا» وتناولت حكاية تفشي وباء غامض بين الأميركيين.
من الأفلام التي توقف العمل عليها الجزء الجديد من «جوراسيك وورلد» الذي تقود بطولته برايس دالاس هوارد وكريس برات. الممثلة هوارد كانت كذلك في صدد إخراج فيلمها الأول «الأصليون».


مقالات ذات صلة

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم، منذ أيام الفراعنة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من الفيلم تجمع «شاهيناز» وأولادها (الشركة المنتجة)

«المستريحة»... فيلم مصري يتناول النصّابين يمزج الكوميديا بالإثارة

تصدَّرت مجسّمات دعائية للأبطال دار العرض عبر لقطات من الفيلم تُعبّر عنهم، فظهرت ليلى علوي في مجسّم خشبيّ جالسةً على حافة حوض استحمام مليء بالدولارات.

انتصار دردير (القاهرة )

شاشة الناقد: قضية المرأة في أفعانستان

«لقتل حصان مونغولي» (بلوتو فيلم)
«لقتل حصان مونغولي» (بلوتو فيلم)
TT

شاشة الناقد: قضية المرأة في أفعانستان

«لقتل حصان مونغولي» (بلوتو فيلم)
«لقتل حصان مونغولي» (بلوتو فيلم)

TO KILL A MONGOLIAN HORSE ‫★★★⭐︎‬

* إخراج: جيانغ شياو شوان | Jiang Xiaoxuan

‫* هونغ كونغ / ماليزيا

من بين كثير من المشاهد اللافتة يوجد في هذا الفيلم مشهدان متباعدان، في الأول يربت ساينا على رأس فرسه الذي يستجيب لحنان صاحبه ويميل برأسه فوق كتفه بحنان ظاهر. في المشهد الثاني قبيل النهاية يتقدم ساينا صوب الحصان نفسه يربت على وجهه، لكن الحصان ينظر إليه سريعاً ومن ثَمّ يشيح بوجهه بعيداً عنه. تمر بين المشهدين أحداث تنعكس على تلك العلاقة، فساينا مُخيّر بين أن يبيع حصانه ويعتزل المهنة التي توارثها بصفته مدربَ خيول وفارساً، أو البقاء في ذلك العمل. الحصان لا بد بات يشعر بأن صاحبه لم يعد ذلك الرجل الواثق من نفسه وقد يضحي بالفرس متى شاء.

«لقتل حصان منغولي» يطرح طوال الوقت (85 دقيقة) مسألة بين الأمس واليوم. إنها صحاري منغوليا الجافة التي لم تعُد تشهد مطراً كافياً لإنبات الأرض. السبب في الأزمة التحوّلات البيئية، وهذه واحدة من المسائل المطروحة بوضوح. تشكل عصباً مهماً كون صلب الموضوع يتعلق بحياة تتغير لا يستطيع ساينا فعل شيء حيالها. إنه مرتبط عاطفياً بتقاليد فروسية ومعيشية متوارثة في حين أن المتغيرات طرقت باب تلك التقاليد ولا مجال للحفاظ على الوضعين معاً. على ساينا ترك الماضي أو الانضمام إلى الحاضر. قدمٌ هنا وقدمُ هناك، والفيلم ينتهي بقرار يرتاح المُشاهد إليه.

كانت المخرجة الصينية الشابة جيانغ شياو شوان صوّرت فيلماً قصيراً في تلك الأنحاء وتعرّفت على مدرّب الخيول ساينا وراقبته في عمله. هذا ما أوحى إليها بإخراج هذا الفيلم عنه وعن البيئة وأزمة الوجود بين عالمين على المرء أن يختار بينهما. ساينا ممثلاً لديه القدرة على استخدام عدم حرفيّته في تناسب مع الشخصية التي يؤديها. رجل لديه من المتاعب مع والده السّكير والمديون ومطلّقته. في مشهد آخر يذكّره والده بأنه هو من وضعه فوق الفرس لأول مرّة عندما كان طفلاً صغيراً. يحاول ساينا فعل ذلك مع طفله، لكن طفله يخاف. هي فعلاً حياة أخرى تندثر سريعاً.

الفيلم معزّز بالألوان والإضاءات المناسبة داخلياً وخارجياً. الإيقاع متمهّل، لكنه ليس مُملاً وفيه ملامح من بعض أفلام الوسترن الأميركية التي تحدّثت بدورها عن غروب حياةٍ وبدء أخرى.

* عروض مهرجان البحر الأحمر.

★★★⭐︎‬SIMA‪’‬S SONG

* رويا سادات | ‪Roya Sadat‬

‫* هولندا، فرنسا، أسبانيا ‬

لعلها صدفة لم تستطع المخرجة رويا سادات تحاشيها، وهي أن بداية فيلمها هذا شبيهة ببداية فيلم أفغاني القضية أيضاً، حققته ساهرا ماني في فيلمها التسجيلي «Bread ‪&‬ Roses» الذي شوهد في 2023. كلاهما يبدأ بمظاهرة نسائية في كابل تنادي بحقوقها. بعد 3 دقائق ينفصل الفيلمان بالضرورة ويعود «أغنية سيما» من زمن «طالبان» الحالي إلى عام 1973 عندما كانت أفغانستان على وعد مع التقدم المجتمعي. سورايا (مزهدة جمالزاده) هي إحدى المتظاهرات ومع عودة الفيلم إلى فترة سابقة نجدها حين كانت لا تزال شابة تؤمن بمبادئ التحرر عموماً وتحرر المرأة خصوصاً. في الواقع الحكاية التي نشاهدها هي حكايتها وليس حكاية سيما (نيلوفار كوقحاني) صاحبة الصوت الجميل التي حين تغني، في أحد المشاهد، تثير إعجاب الحضور.

«أغنية سيما» (بلوتو فيلم)

حينها، يقول الفيلم، كان بالإمكان للفتاة الظهور بتنانير والرجال بربطات عنق. صداقة سورايا وسيما قوية لدرجة رفضها الإفصاح عن مكان صديقتها سيما وزوجها عندما انضما إلى حركة «طالبان» وبدأت الحكومة الأفغانية سلسلة الاعتقالات والتحقيقات. مع اعتقال سورايا والإفراج عنها واحتلال الفيلا حيث كانت تعيش مع أهلها يدخل الفيلم جوّاً داكناً في أجوائه كما في تأطير مشاهده. يزداد التوتر وتبدأ رسالته بالتبلور صوب مراميها على نحو أفضل. إنه فيلم عن آخر فترة من حياة ثقافية ومجتمعية واعدة قبل دخول الاتحاد السوفياتي للدفاع عن الحكومة والولايات المتحدة لتأييد «طالبان».

يذكر الفيلم أن الأحداث مأخوذة عن قصّة واقعية، لكن هذا ليس ضرورياً، خصوصاً أن الشخصيات معروفة. ما يمكن التنويه إليه حقيقة أن التصوير وظّف أطراف مدينة أثينا بنجاح لافت.

* عروض مهرجان البحر الأحمر

في الصالات

* Juror‪#‬2 ‫★★★★‬

- دراما محاكِم نوعها غير معهود، للمخرج كلينت إيستوود، عن عضو لجنة محلّفين يحاول إخفاء جريمته.

* Nosferatu ‫★★★⭐︎‬

- يُعيد المخرج روبرت إيغرز سرد حكاية «نوسفيراتو» (1922) بزخم وطاقة جديدتين. يتضمن لحظات مرعبة.

* Carry‪-‬on ‫★★★‬

- تشويق جيد من جومى كوليت سيرا، حول رجل أمن في مطار مهدد باغتيال حبيبته إذا لم يهرّب متفجرة إلى طائرة.

* The Substance ‫★★⭐︎‬

- المخرجة الفرنسية كورالي فارجيت، تضع ديمي مور في بطولة فيلم عن امرأة تنشد شباباً وأنثوية دائمين.