إل غريكو ومدينة طليطلة وقصة حب عمرها 400 عام

المدينة تحتفل بذكرى وفاة فنانها

المدينة الإسبانية القديمة طليطلة  -  صورة طليطلة بريشة الفنان إل غريكو
المدينة الإسبانية القديمة طليطلة - صورة طليطلة بريشة الفنان إل غريكو
TT

إل غريكو ومدينة طليطلة وقصة حب عمرها 400 عام

المدينة الإسبانية القديمة طليطلة  -  صورة طليطلة بريشة الفنان إل غريكو
المدينة الإسبانية القديمة طليطلة - صورة طليطلة بريشة الفنان إل غريكو

هل تتصور وجود مدينة خلدها فنان شهير في لوحاته رغم أنه لم يزُرها قط؟ تلك هي قصة مدينة طليطلة، المدينة الإسبانية القديمة التي حقق فيها الفنان إل غريكو أهم جزء من تاريخه الفني والمهني.
استطاع ذلك الرسام وضع مدينة طليطلة (من خلال مختلف اللوحات الزيتية المسماة «نظرة على طليطلة») في كتب التاريخ والآداب وفي أهم المتاحف على مستوى العالم. وفي هذا العام، وبعد مرور 400 عام على وفاته، تريد نفس المدينة أن تعبر عن حبها للفنان إل غريكو.
من السهل التعرف على صورة الفنان إل غريكو، الرسام الذي ولد في جزيرة كريت بالبحر الأبيض المتوسط، والذي انتقل إلى مدريد لكي يصبح فنانا في بلاط الملك فيليب الثاني. ومع ذلك لم تنَل لوحات إل غريكو الزيتية إعجاب الملك الإسباني، ومن ثم انتقل الفنان إلى مدينة طليطلة التي تحولت إلى مدينة الثقافات الثلاث (الإسلامية، واليهودية، والمسيحية) في متحفه الخاص.
ولأجل ذلك السبب فإن أفضل طريقة لتذكر ذلك الفنان هي من خلال استعادة المساحات ذات الصلة بالفنان ذاته في زيارة أطلق عليها اسم «طرائق إل غريكو»: الكنيسة، والكنيسة الصغيرة، والغرفة المقدسة، والمستشفى القديم أو الدير، كانت من بين الأماكن المختارة لعرض السياقات الأصلية حيث نفذت وعرضت أهم الأعمال الفنية.
تستعد طليطلة لاستقبال أعمال إل غريكو في أي ركن، أو باحة، أو مبنى من بقايا ثقافتها الرائعة وإرثها التاريخي الجميل، حتى إن المطاعم الرئيسية في المدينة أعدت قائمة خاصة للطعام للاحتفال بتلك الشخصية المهمة في الفن العالمي وشخصياته البشرية الخالدة.
هل أنت مستعد؟ قد تبدأ الرحلة من غرفة المقدسات بالكاتدرائية، وهي من المباني القوطية المثيرة للإعجاب حيث يشعر الزوار بقوة وسطوة الكنيسة في المملكة الإسبانية للقرن الثالث عشر الميلادي. وقد بنيت غرفة المقدسات في القرن السابع عشر، وهي غرفة مستطيلة كبيرة تعرض أعمال الفنان بيليني، وكارافاجيو، وتيتيان، وموراليس، ونريستان، من بين فنانين آخرين. ويمكن للزائر في محراب المذبح الاستمتاع باللوحة الرائعة التي رسمها إل غريكو، وهي بعنوان «إل إكسبوليو»، كما يعرفها الناس، أو «تجريد المسيح»، والتي تستقر في مكانها أعلى الغرفة. ولا يعتبر المحراب مخصصا فقط للفنان إل غريكو، حيث وضع الفنان الإسباني غويا لوحته المسماة «خيانة المسيح» في الجانب الآخر من نفس الغرفة، إلى جانب 13 لوحة من «الرسل» والتي رسمها إل غريكو، وهي واحدة من 3 مجموعات وصلت إلينا سليمة وحتى يومنا هذا.
وعلى الرغم من أن الكاتدرائية تحولت إلى معرض فني هذا العام، فلا يزال هناك برنامج رائع من الحفلات الموسيقية والتي تتخذ من ذلك المكان مسرحا مفضلا لها. يقول لنا المسؤول عن تلك الرحلة الخاصة في طليطلة: «نريد للزوار أن يستمتعوا بحفلات الكاتدرائية الموسيقية كما استمتع بها إل غريكو قديما». وقبل الخروج من الكاتدرائية، يستمتع الزائر بالمنحوتات، وبالشعور بالارتياح، وبالضياء، وهي أهم ما يميز تلك المدينة الساحرة.
تأتي المحطة التالية من جولتنا إلى كنيسة سانتو تومي. وعلى الرغم من أن المبنى الأول للكنيسة يعود إلى القرن الثاني عشر، فإنه أعيد بناء وتوسيع الكنيسة في أوائل القرن الرابع عشر على يد غونزالو رويز دي توليدو، لورد أوف أورغاز، وهو كبير المتبرعين للأسقفية. ويجب على الزائر أن يكون مستعدا عند هذه النقطة نظرا لأن الكنيسة الصغيرة، داخل الكنيسة الأم، تحتفظ بواحدة من التحف الفنية للفنان إل غريكو، وهي بعنوان «دفن الكونت أورغاز».
ويصف هذا العمل، بعد قرنين ونصف القرن من الزمان، مشهد المعجزة التي وقعت أثناء الطقوس الجنائزية لطبقة النبلاء القشتاليين، بناء على مستويين مختلفين وشديدي الوضوح: أحدهما هو اللوحة السفلية، تصور الأحداث الدنيوية، وتضم معرضا للوحات وتستأثر بالبعد النفسي للشخصيات، في حين أن المستوى العلوي يصور «السماء المفتوحة للأمجاد» ويضم سلسلة من الكائنات السماوية حي يمكن وبسهولة تقدير النزعة التعبيرية في عام 1586. ومن الأهمية بمكان عدم فقدان أي تفصيل من تفاصيل اللوحة.
وبعد الصعود إلى السماء ثم الهبوط إلى الأرض، تحاول المحطة التالية من جولتنا تلمس بدايات إل غريكو في طليطلة. حيث تأتي لوحة «الرجل القديم» في دير سانتو دومينغو، كواحدة من اللوحات في المدينة. وقد شارك الفنان في تجديد أجزاء المذبح وكانت تلك أولى مهام الفنان خلال فترة إقامته في طليطلة، والتي وظف فيها اللغة الفنية التي اكتسبها في إيطاليا، جامعا بين النمط الشخصي للتعبير والذي تدرج ناميا من حيث المكانة طوال فترة إقامته الممتدة في المدينة.
يوجد بعض من اللوحات الأصلية لذلك الدير في شيكاغو، وروسيا، ومدريد، وفي المجموعات الفنية الخاصة.
ولم يكن مستشفى تافيرا المحطة الأخيرة من جولتنا، حيث تعتبر الجولة ذاتها المحطة الأخيرة من حياة وأعمال الفنان إل غريكو. وقد بني المستشفى بجوار قبر مؤسسه الكاردينال تافيرا. وفي داخل الكنيسة الموجودة بداخل المبنى رسم إل غريكو لوحته غير المنتهية والمسماة «تعميد المسيح»، وهي من التحف الفنية التي وافت الفنان المنية قبل أن يستطيع الانتهاء منها.
بعد الاستمتاع بالفن، ينبغي على الزائر إرضاء معدته كذلك. تقدم الكثير من المطاعم قوائمها الخاصة، فهناك «قائمة إل غريكو» التي تضم مجموعة منتقاة من الأطباق التقليدية لفن الطهي في طليطلة. وأفضل طريقة للانتهاء من معرفة معالم المدينة هي عن طريق المسير حول الباحات الصغيرة في طليطلة وتناول «تاباس» (وهي أطباق صغيرة من الجبن الشهير أو اللحم). ومن الواجب أيضا عدم نسيان الحلوى: حيث تشتهر طليطلة بحلوى «مازابان» الشهيرة، وهي نوع خاص من الحلوى لينة للغاية وكأنك تتناول قطعة من السماء.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».