بوريس فيان... عمر قصير أكبر من الحياة

صدرت أعماله في 50 مجلداً عن «بلياد» بمناسبة مئويته

غلاف رواية «زبد الأيام»
غلاف رواية «زبد الأيام»
TT

بوريس فيان... عمر قصير أكبر من الحياة

غلاف رواية «زبد الأيام»
غلاف رواية «زبد الأيام»

تمر هذه الأيام ذكرى مرور مائة عام على ولادة بوريس فيان (1920 - 1959)، الذي كان متعدّد المواهب، فهو شاعر وروائي ومغنٍّ وممثل ومسرحي وسيناريست وعازف جاز ورسام ونحّات وناقد ومترجم ومهندس ولاعب شطرنج أيضاً. ومن أعماله الشعرية: «لا أريد أن أموت»، التي تضمّ القصائد التي كتبها بين عامي 1951 و1959. ومن رواياته المشهورة: «زبدَ الأيام»، و«سأذهب لأبصق على قبوركم»، و«خريف بكين»، «والعشب الأحمر» و«انتزاع القلب» وغيرها.
كما ستصدر مخطوطة لم يكملها الكاتب أثناء حياته بعنوان «نحن لا نهرب»، إضافة إلى مراسلاته 1932 - 1959 وأكثر من 400 خطاب غير منشور، ومعظمها موجه إلى أسرته، وناشريه وأصدقائه وقرائه، وهي مكتوبة بخط اليد مع بعض البطاقات البريدية. وبهذه المناسبة، وتحت شعار «فيان لا يزال على قيد الحياة»، سوف تُقام زيارات عديدة إلى شقته التي تحوي الأثاث الأصلي منها مكتب كبير، محاط برفوف صنعها بنفسه أثناء استقراره مع زوجته الثانية أورسولا كوبلر. وتمتلئ الجدران بمئات الكتب والقواميس واللوحات السريالية والوثائق، مع آلتي بيانو وغيتار ورقعة شطرنج كبيرة. كما تحتوي الشقة على أسطوانات جاز لكل من أوسكار بيترسون، الكونت باسي ولويس أرمسترونغ. ونلاحظ وجود تمثالين معدنيين لولد صغير وفتاة صغيرة، هما كولن وكلوي، شخصيتان من روايته «زبد الأيام» التي نقلها المخرج «ميشال كوندري» إلى الشاشة، والتي يقول في مقدمتها الكاتب الراحل «لا يوجد سوى شيئين: حبُ الفتيات الجميلات، وموسيقى نيو أورليانز وما تبقى فهو القبح ويجب أن يذهب».
درس بوريس فيان في مدرسة سيفر ثم ثانوية هوش في فرساي حتى عام 1936. في ذلك الوقت، ظهر شغفه بالابتكارات. وغالبا ما كان ينقطع عن مدرسته بسبب الحوادث الصحية. رغم حمى التيفوئيد في سن الـ16. نجح في الحصول على شهادة البكالوريا اللاتينية اليونانية بدرجة امتياز، في عام 1937 حصل على شهادة البكالوريا الثانية (الفلسفة والرياضيات والألمانية)، ثم نال بعد ذلك بخمس سنوات دبلوم الهندسة. في يوليو (تموز) 1940. بعد هرب عائلته من المنطقة المحتلة، استقرت في منطقة كابريتون، ثم انتقل إلى باريس، وهناك طلب يد زوجته الأولى ميشيل، وتزوجها في كنيسة سان فنسنت دي بول في باريس.
كان مرهف الأحاسيس، ومليئا بالسخرية والنقد والروح الإنسانية، وكان مولعاً بموسيقى الجاز. وفي فيلم «سأذهب لأبصق على قبوركم»، يتحدث عن السريالية بقوله: «لا وقت لدي لمعرفة الكلاب السوداء في المكسيك التي تنام بدون أحلام، والقردة العارية التي تلتهم المناطق الاستوائية، والعناكب الفضيّة ذات الأعشاش المحشوة بالفقاعات»... وفي تلك الفترة، بدأ بكتابة روايته الأولى، ويُقال إنها تعود لعام 1939. وهو تاريخ غير مؤكد لأن أعماله وملاحظاته ومخططاته ومراسلاته ومقالاته غير المنشورة لم تكن مؤرخة. استخدم بوريس فيان أسلوباً مباشرا يعتمد على الصور السريالية، وفيها كان يسخر وخاصة في مسرحياته، من القادة العسكريين والكنيسة والحكومة، وقد عُرضت مسرحيته «الجنرال» بعد مرور سبع سنوات من رحيله، واستوحاها من قصة الجندي برادلي، وترجمها إلى الفرنسية.
وكتب أيضاً ولحّن الأغاني العديدة لكبار المغنيين الفرنسيين أمثال: سيرج ريجاني، جاك هيجيلين، هنري سلفادور، وآخرين. ولاقت أعماله إشادات خاصة في أنحاء فرنسا ومن القراء مباشرة، وكذلك خارج فرنسا وخاصة في البلدان الفرانكوفونية مثل بلجيكا ورومانيا وأوكرانيا وسويسرا.
كان لعائلته البرجوازية التي ولد فيها، تأثير كبير على توجهه الأدبي والفني، إذ اكتسب منها حبّه للمطالعة وللموسيقى (كانت أمه عازفة على آلتي البيانو والهارب)، وهو الثاني في عائلة تألفت من أربعة أبناء. وعانى من الفقر ومرض الروماتيزم والأزمة الاقتصادية في 1929. وكان مكان اهتمام والدته وقلقها، وقد جسّد تلك العلاقة في رواية «العشب الأحمر» و«انتزاع القلب». وباع مليون نسخة من طبع رواياته في سلسلة كتب الجيب 10-18. في عام 1970، خصص ملحق صحيفة «لوموند» «عالم الكتب» صفحة مزدوجة لـ«ظاهرة بوريس فيان».
تعلم بوريس فيان العزف على بعض الآلات الموسيقية بعد انضمامه إلى نادي «هوت كلاب دي فرانس»، برئاسة لويس أرمسترونغ وهوغيس باناسي في عام 1937. وبدأ مع شقيقه ليليو العزف على الأكورديون والغيتار، فيما كان شقيقه الآخر يعزف على الطبل، وشكلوا فرقة موسيقية، وانضمت إلى أوركسترا الهواة لكلود أبادي في 1942. وبعد ذلك بعامين، التقى كلود لوتر وانضم إليه لافتتاح نادٍ لموسيقى الجاز في نيو أورليانز. ولجأ إلى موسيقى الجاز والحفلات للتعويض عن الملل.
توفي في باريس عن عمر ناهز 39 عاماً بسكتة قلبية بعد أن تنبأ بذلك كما قالت فرنسواز كانيتي التي دفع والدها المنتج الشهير بوريس فيان إلى الغناء على خشبة المسرح بأنه أخبر والدها في عام 1954 بأنه لن يعيش إلى ما بعد عمر الأربعين عاماً! وقد صحّت نبوءته.


مقالات ذات صلة

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي

امرأة تلد في سن الـ61 وتصبح أكبر أم جديدة في مقدونيا الشمالية

امرأة مع طفلها المولود (رويترز - أرشيفية)
امرأة مع طفلها المولود (رويترز - أرشيفية)
TT

امرأة تلد في سن الـ61 وتصبح أكبر أم جديدة في مقدونيا الشمالية

امرأة مع طفلها المولود (رويترز - أرشيفية)
امرأة مع طفلها المولود (رويترز - أرشيفية)

أصبحت سيدة تبلغ 61 عاماً أكبر امرأة تلد طفلاً في مقدونيا الشمالية، وفق ما أعلنت السلطات الصحية في الدولة الواقعة في منطقة البلقان، الثلاثاء.

ولجأت الأم الجديدة -التي لم يُكشف عن هويتها- إلى التخصيب المخبري، وفق مديرة العيادة الجامعية لأمراض النساء والتوليد في سكوبيي إيرينا، ألكسيسكا بابستييف.

وأضافت ألكسيسكا بابستييف أن المرأة الستينية خضعت سابقاً لعشر محاولات تلقيح اصطناعي، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

ولا تفرض مقدونيا الشمالية أي حد عمري على النساء اللائي يسعين إلى التخصيب في المختبر.

وخرجت الأم والمولود الجديد من المستشفى الثلاثاء، ويبلغ الأب 65 عاماً، حسب السلطات.

وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن معدل الخصوبة في مقدونيا الشمالية بلغ 1.48 طفل لكل امرأة في عام 2023.

ومنذ استقلالها في عام 1991، واجهت البلاد هجرة جماعية على خلفية ركود الاقتصاد.

ويبلغ عدد السكان حالياً 1.8 مليون نسمة، أي بانخفاض 10 في المائة تقريباً في أقل من 20 عاماً، وفق بيانات التعداد السكاني الأخير عام 2021.