اللبنانيون يتعاملون بحذر مع «التوصيل المجاني»

حرص أكبر على النظافة من تعقيم حقيبة الطلبيات والدراجات إلى الكمامات والقفازات
حرص أكبر على النظافة من تعقيم حقيبة الطلبيات والدراجات إلى الكمامات والقفازات
TT

اللبنانيون يتعاملون بحذر مع «التوصيل المجاني»

حرص أكبر على النظافة من تعقيم حقيبة الطلبيات والدراجات إلى الكمامات والقفازات
حرص أكبر على النظافة من تعقيم حقيبة الطلبيات والدراجات إلى الكمامات والقفازات

مثل الكثير من الخدمات التي كانت جزءا من الحياة اليومية، تشهد خدمة التوصيل المجاني (دليفري) جدلا كبيرا في لبنان في زمن جائحة «كورونا»، خصوصا أنها تشهد رواجا كبيرا. فهي من الوسائل التي تساهم في تقليص عملية خروج الناس من المنزل كإجراء وقائي لمواجهة الوباء، ما يجعل عدة مناطق تسمح بها وفئات تُقبل عليها. لكن هناك بلديات أخرى مثل جبيل، أصدرت قرارا بعدم السماح بها.
فهذه الخدمة التي يُستهدف منها تسهيل إيقاع الحياة اليومية لدى مستخدميها، سيف ذو حدين في المرحلة الحالية، في ظل انتشار فيروس «كوفيد 19» (كورونا) بشكل مخيف. وضمن كل هذا الجدل يبقى السؤال ما إذا كانت خدمة الدليفري آمنة في زمن الـ«كورونا» أم لا؟. يرد دكتور جورج خليل اختصاصي أمراض داخلية وجرثومية في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هناك قاعدتان ذهبيتان يجب اتباعهما للوقاية من الوباء. تقضي الأولى بعدم طلب أي وجبة طعام باردة. فنحن لا يمكننا أن نرى كيف يجري تحضيرها في مطبخ المطعم الذي نطلبها منه. ولذلك يفضّل طلب أطباق يمكن تسخينها لأن الحرارة المرتفعة تقتل فيروس «كورونا».
أما القاعدة الثانية، فتقضي برمي أكياس أو علب الكرتون التي يصلنا بها الطبق ونحن نرتدي قفازات، نرميها هي الأخرى مباشرة بعد أدائنا المهمة. ولا يجب أن ننسى تعقيم الوعاء الذي يحتوي على وجبة الطعام من الخارج بمحلول مياه مع مادة كلوروكس. فهذا الخليط يعد الأفضل في عمليات التعقيم على أن يتم وضع 9 حصص مياه مقابل حصة واحدة من الكلوروكس، ويتم تغيير المحلول كل 12 ساعة». فيما يخص أغراض نطلبها من التعاونيات، يوضح دكتور جورج خليل اتباع «القواعد نفسها مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية غسل بعض هذه الأغراض بالماء والصابون إذا كانت زجاجية أو بلاستيكية ومعدنية».
هذه الخدمة التي تدخل في إطار رفاهية العيش، كان اللبنانيون يستخدمونها لتأمين وجبات طعام سريعة وأغراض من التعاونيات تصل منازلهم ومكاتبهم من دون تفكير أو القيام بأي مجهود يذكر. أما اليوم، فصار يحسب لها ألف حساب من قبل الكل في ظل الاحترازات التي يفرضها الوضع الحالي.
فربة المنزل صارت تتخذ احتياطات دقيقة عندما يدق باب منزلها ويطل أمامها موظف التوصيل. ومن اللحظة الأولى لوصوله تبدأ إجراءات الوقاية لتلافي عدوى «كورونا». تقول فاديا التي تعيش وحيدة في منزلها في الأشرفية: «عادة لا أفتح الباب أمام موظف التوصيل على مصراعيه، فأبقيه مغلقا وأنا أتحدث معه. وبعد تأكدي من وضعه كمامة على وجهه وقفازات بيديه أطل عليه ليسلمني الفاتورة عن بعد، وأطلب منه وضع الأكياس على الأرض». وتتابع: «وهنا تبدأ رحلتي مع ما وصلني من الطلبات، قد تستغرقني نحو 30 دقيقة لتطبيق إجراءات وقائية».
فاديا ليست الوحيدة، فالكل أصبح واعيا للمخاطر التي يمكنهم التعرض لها في حال عدم قيامهم بهذه الخطوات الوقائية، وهو ما تؤكده أيضا حملات التوعية إزاء هذه الخدمة عبر شاشات التلفزة، وضمن برامج يومية، يتم بثها في ساعات ذروة المشاهدة، كنشرات الأخبار والبرامج الحوارية التي تلحقها. ومن هنا أصبح الجميع يطبق هذه النصائح ضمن مراحل متتالية يتبعونها منذ تسلمهم أغراضهم إلى حين توضيبها في خزانات المنزل. مثلا غسل النقود المعدنية بالصابون والمياه بعد تسلمها من عامل الدليفري يمكن أن يفيد كما تقول إحدى النظريات، فيما تؤكد نظرية أخرى أن الجراثيم على النقود يلزمها بخاخ خاص يتم شراؤه من الصيدليات.
وتشرح ايفا وهي ربة منزل تعيش مع أفراد عائلتها الأربعة إضافة إلى والدتها المسنة في منزل واحد: «أغسل كل الأغراض الزجاجية والبلاستيكية والمعدنية بمحلول الماء والصابون. أما تلك المغلفة بالنايلون فأمسحها بمحلول المياه ومادة الكولوروكس ومن ثم أنشفها بفوطة نظيفة وأضعها في الخزانات الخاصة بها». كان من الطبيعي أن تُدافع المطاعم المتخصصة في توصيل المأكولات عن نفسها ووعيها بالمسؤولية.
مطعم «زعتر وزيت» في بيروت مثلا يوضح طبيعة الإجراءات الوقائية التي يتخذها «من تطبيق قاعدة النظافة في مطابخنا والتي كنا دائما نتقيد بها إلى مواكبة خطورات الوقاية من عدوى جرثومة كورونا التي تفرضها الظروف الحالية. اليوم بتنا حريصين ومتطلبين أكثر، بتعقيم المطابخ 4 مرات في الأسبوع وفرض كمامات وقفازات على كل العاملين. هذا إضافة إلى منع أي عامل يعاني من عوارض إنفلونزا أو آلام في الرأس والحنجرة الوجود في مكان العمل». هذه الإجراءات باتت جزءا من طبيعة عمليات التوصيل المجاني ككل، فهناك حرص على النظافة بشكل غير مسبوق من تعقيم حقيبة حمل الطلبيات وتعقيم تام للدراجات النارية إضافة إلى تزويد العمال بسائل التعقيم وبكمامة وقفازات.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».