اهتمت كثير من الدراسات في علم الأنثربولوجيا البيولوجية بالتحقق من صحة القدماء المصريين من خلال رصد طبقات الجير، التي تترسب على الأسنان، ولكن دراسة دولية حديثة شارك فيها باحثون من النرويج وأميركا وبلجيكا وفرنسا، نشر موقع «ذا كونفرسيشن» تقريراً عنها في شهر مارس (آذار) الجاري، هي الأولى من نوعها التي تطبق نفس المنهج على الحيوانات، وتحديداً مع قرود البابون.
و«ذا كونفرسيشن» شبكة دولية غير ربحية تنشر القصص الإخبارية التي كتبها الأكاديميون والباحثون.
واستخدمت الدراسة التي نشرت الشبكة تقريراً عنها، عينات محنطة من قردة البابون القديمة تعود إلى العصر الفرعوني المتأخر، وتوجد في متحف «ملتقى ليون» بفرنسا، ويعود أصلها لموقع جبانات القرود بالقرب من الأقصر بصعيد مصر.
ومن خلال دراسة طبقات الجير بأسنانها ومقارنتها بالإنسان القديم (النياندرتال) والحديث، توصل الباحثون إلى أن لديها مجتمع ميكروبي «ميكروبيوم» مميز عن قرود البابون الحالية.
ويعد تراكم البكتريا على سطح الأسنان، هو السبب الرئيسي لأحداث ما يعرف بـ«لويحة سنية»، وهي رواسب لزجة ليس لها لون في البداية، ولكنها عندما تتراكم وتكون الجير، تأخذ لوناً بنياً أو أصفر باهتاً، وتكون سبباً لأمراض اللثة وتسوس الأسنان.
وتحافظ طبقات الجير في الأسنان بخلاف الأنسجة الأخرى، على الحمض النووي الميكروبي، والذي أمكن للباحثين استعادته من أسنان عينات القرود القديمة، ليتوصلوا إلى أنها امتلكت مجتمعاً ميكروبياً فموياً مميزاً، يختلف عن قرود البابون الحالية.
ونقلت شبكة «ذا كونفرسيشن» عن الباحثين قولهم إنهم توصلوا لنتائج مهمة نشرت في دورية «نيتشر» أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أهمها سيطرة ميكروب يسمى «Actinobacteria»، أو الذي يعرف باسم «بكتيريا شعاوية» على المجتمع الميكروبي للقرود المحنطة.
وقال الباحثون إنهم عثروا في أحد القرود على ميكروب يعرف باسم «Methanobrevibacter oralis»، وهو نوع من العُصَوْيات غير المتحركة، إيجابية الجرام والمنتجة للميثان، وقال الباحثون إن هذه البكتريا من المحتمل أن تكون قد انتقلت إليهم عن طريق البشر، حيث تم العثور عليها في فم الإنسان القديم (النياندرتال) والمعاصر.
ويعتقد الباحثون أن القرود القديمة ربما حصلت على هذا الميكروب من البشر عند تربيتهم لها في الأسر، وذلك من خلال تناول نفس الطعام الذي يتناوله البشر، وقالوا إن أسنان البابون كشفت بشكل عام عن أنه عانى في الأسر، وربما يكون ذلك ناتجاً عن الحياة في البيئة المحصورة في المعابد.
وقرود البابون ليست من حيوانات البيئة المصرية، وتظهر النصوص والأيقونات القديمة أن قدماء المصريين قاموا برحلات استكشافية جنوب وادي النيل وإلى «أرض البونت»، التي كانت على الأرجح في شرق أفريقيا أو في شبه الجزيرة العربية، للحصول عليها، حيث كانت لها رمزية دينية عند المصري القديم.
الدكتور خالد بدران، أستاذ الآثار المصرية بجامعة المنيا يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «قرود البابون كانت تمثل المعبود (حجوتي) رب الحكمة عند المصريين القدماء، والذي تظهر أهميته في عصر الدولة القديمة من خلال الإشارة إليه بعدد من الفقرات في (نصوص الأهرام)».
ووفق بدران فإن «(جحوتي) يلعب أيضاً دوراً مهماً في العالم الآخر، وفق معتقدات المصريين القدماء، وهو ما يبدو واضحاً في المنظر المصاحب للفصل 125 من (كتاب الموتى)، حيث يظهر واقفاً أمام الميزان الذي يوزن فيه قلب المتوفى ليسجل النتيجة لتحديد مصير المتوفى».
ويجسد تمثال في متحف اللوفر في باريس أهمية قرد البابون في مصر القديمة، حيث يعد هذا التمثال الذي يعود تاريخه إلى الأسرة السابعة (نحو 2180 - 2055 قبل الميلاد) من أهم مقتنيات المتحف، كما يؤكد بدران.
أسنان قرد تكشف تاريخه الصحي بالعصر الفرعوني
أصيبت ببتكريا انتقلت لها من البشر
أسنان قرد تكشف تاريخه الصحي بالعصر الفرعوني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة