«داعش» في العراق... خطر يتنامىhttps://aawsat.com/home/article/2192491/%C2%AB%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4%C2%BB-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%AE%D8%B7%D8%B1-%D9%8A%D8%AA%D9%86%D8%A7%D9%85%D9%89
آثار الدمار في مدينة الموصل بعد تحريرها من {داعش} (غيتي)
في أواخر عام 2017، أعلن العراق دحر تنظيم «داعش»، عسكرياً، بعد معارك استمرت نحو 3 سنوات (احتل تنظيم «داعش» الموصل في التاسع من يونيو/ حزيران عام 2014)، وتمدد في محافظات صلاح الدين والأنبار وكركوك وديالى، ووقف عند تخوم بغداد. وعلى أثر معارك طاحنة، تمكنت القوات العراقية من دحر هذا التنظيم، وإنهاء ملف ما سماه «دولة الخلافة» التي أعلنها زعيمه السابق أبو بكر البغدادي، الذي قتل في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، في أول ظهور له بجامع النوري في الموصل.
ومع أن الهزيمة العسكرية لم تكن كافية لانهيار التنظيم، فإن السلطات العراقية لم تتعامل بما فيه الكفاية مع الحاضنة المجتمعية والفكرية لهذا التنظيم في تلك المناطق التي استوطنها طوال السنوات الثلاث قبل هزيمته. وبسبب إشكالات عديدة، رافقت عمليات القتال ضد التنظيم، منها عدم عودة النازحين في العديد من تلك المناطق، فضلاً عن عدم تخصيص الأموال الكافية لإعمارها، فقد عاد التنظيم، لينتعش من جديد إلى الحد الذي بدأت التقارير الغربية، خصوصاً الأميركية، تشير إلى أنه عاد ليشكل خطراً كبيراً.
الخبراء الاختصاصيون في العراق، وإن تفاوتت آراؤهم بشأن ما يمكن أن يشكله «داعش» من خطر، بعد نحو 3 سنوات على هزيمته، يتفقون على أن هذا التنظيم لا يزال يشكل خطراً تتوجب مواجهته. وبالفعل، فإن قيادة العمليات العراقية المشتركة كانت شنت العام الماضي (2019) ثماني عمليات عسكرية كبرى أطلقت عليها «إرادة النصر» لمواجهة تمدد التنظيم.
وحول ما بقي من «داعش» في العراق، يقول الدكتور هشام الهاشمي، الخبير المتخصص بشؤون الجماعات المسلحة، لـ«الشرق الأوسط»، إن التنظيم «لديه هيكلية متكاملة تشبه إمكانات التنظيم في مرحلة التأسيس عام 2013 - 2014»، مبيناً أن «لديه أموالاً كبيرة وقيادات لها خبرات وشبكة علاقات داخلية وجغرافية دفاعية واسعة في الجبال والصحراء والوديان والبوادي». ويضيف الهاشمي أن «لدى التنظيم تمدداً في أرياف المدن الحضرية ومضافات ومعسكرات وأنفاقاً وقوة بشرية ناشطة بين 3500 إلى 4000 عنصر قتالي منتشرين في نحو 11 قاطعاً عملياتياً في المحافظات الغربية والشمالية العراقية».
أما الخبير الأمني فاضل أبو رغيف، فيرى في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن «بالإمكان القول إن تنظيم (داعش) يحاول إعادة تسويق نفسه في مناطق يعتقد أنها كانت بمثابة أرض التمكين له»، مبيناً أن التنظيم «خرج الآن من حرب المدن إلى حرب الحدود، ومن حرب القرى إلى حرب الموالين عن بعد، حيث بدأ يعتمد على أتباعه من أبناء المقتولين والهاربين والمعتقلين من عناصره».
وأضاف أبو رغيف أن «مناطق غرب نينوى تكاد تكون مناطق مشجعة جداً له مثل العياضية والحضر والقيروان وتلعفر وعند الحدود العراقية - السورية التي لا تبعد أكثر من 125 كم، بالإضافة إلى مناطق في تكريت وشرق تكريت، حيث يمكن أن تكون ملاذاً له». ويتابع أبو رغيف أن هناك مناطق في صحراء الأنبار مثل عكاشات ووادي حوران ومرتفعات بادوش في الموصل، تتيح للتنظيم بيئة مناسبة، موضحاً أن «مناطق شمال ديالى هي الأخطر في محاولات إعادة تسويق التنظيم، حيث إن التنظيم بدأ يستقطب بعض الذين كانوا يعارضون سياساته، لا سيما من النقشبندية ومن شباب البعثيين، حيث بدأ يستقطب هؤلاء تحت وحدة مفهوم العداء للعملية السياسية بصورة عامة».
وأكد أبو رغيف أنه «انطلاقاً من هذه المعطيات فإن التنظيم بدأ ينشط من جديد، وبدأ يحاول أن يستقطب أتباعه من خلال تكثيف ومضاعفة الكفالات (الرواتب)، وبالتالي فإنه الآن حيال مرحلة جديدة يمكن له من خلالها البدء بتنفيذ عمليات جديدة خلال الأشهر المقبلة، حيث باتت لديه مجسات حيال الوضع السياسي، وبالتالي فإننا حيال مرحلة ضبابية في سياق العلاقة مع هذا التنظيم».
في السياق نفسه، يرى رئيس المركز الجمهوري للدراسات الاستراتيجية الدكتور معتز محي الدين، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أنه «بعد مرور 5 أشهر من إخراج القوات المدعومة من قبل الولايات المتحدة (داعش) من آخر جيب له في سوريا، بدأ التنظيم بإعادة تجميع قواته وشن هجمات بأسلوب حرب العصابات في العراق وسوريا، كما قام بتجهيز شبكاته المالية، وتجنيد أشخاص جدد في المخيمات، وهذا ما كشفته تقارير للمخابرات الأميركية في الأيام الماضية عن عودة هؤلاء إلى المناطق التي يكونها نهر دجلة مثل مناطق الثرثار وغيرها غير المأهولة، التي يجري تهيئتها، لاستقبال هؤلاء، فضلاً عن مناطق أخرى جرى إعدادها لهم، خصوصاً في جبال حمرين».
وأضاف محي الدين أن «الجانب المالي مهم جداً للإمدادات، حيث يملك (داعش) الآن إمدادات مالية ضخمة جداً تقدر بنحو 400 مليون دولار تم إخفاؤها في كل من العراق وسوريا، كما تم استثمارها في مشاريع تجارية مثل تربية الأسماك وتجارة السيارات، فضلاً عن بعض أنواع الزراعة مثل القنب، وبعض أنواع المخدرات في شمال العراق، الأمر الذي يعطي دلالة مؤكدة على أن (الدواعش) موجودون، ويحاولون تنظيم أمورهم التدريبية في المعسكرات داخل العراق، وكذلك مخيم الهول في سوريا، الذي رفعت أميركا أيديها عنه».
وأشار محي الدين إلى أن تنظيم «داعش»، «يستخدم التكنولوجيا الحديثة في جس نبض قوات التحالف الدولي والقوات العراقية، ومراقبتهم مراقبة دقيقة، وحقق انتصارات في مسك الأرض مرة أخرى، لا سيما في المناطق التي تحررت، ولم يعد أهلها إليها، كما يحدث حالياً في قضاء الحضر بالموصل، حيث هناك نحو 100 قرية لا تزال غير مأهولة استأثر بها التنظيم».
شهدت تركيا مصادمات عنيفة بين الشرطة ومحتجين على عزل 3 رؤساء بلديات من حزب موالٍ للأكراد، مع استمرار التوتر على خلفية اعتقال أحد رؤساء البلديات في إسطنبول.
ألقى ريتشارد بينيت، المقرر الخاص للأمم المتحدة، باللوم على المجتمع الدولي، بسبب الاستجابة غير الموحدة تجاه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في أفغانستان.
قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إن الحكومة السورية ليست على استعداد للتوصل إلى اتفاق وإنهاء الصراع مع المعارضة السورية أو تطبيع العلاقات مع تركيا.
سعيد عبد الرازق (أنقرة)
«حماس» في ميزان الربح والخسارة بعد حرب طاحنةhttps://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/5068333-%D8%AD%D9%85%D8%A7%D8%B3-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%8A%D8%B2%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D8%AD-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%B7%D8%A7%D8%AD%D9%86%D8%A9
يوشك هجوم 7 أكتوبر على تغيير وجه الشرق الأوسط بعد عام من حرب طاحنة (د.ب.أ)
حتى بعد مرور عام على 7 أكتوبر (تشرين الأول)، لم يعرف أحد على وجه الدقة الهدف من الهجوم المباغت لحركة «حماس» الفلسطينية على إسرائيل، الذي يوشك اليوم على تغيير وجه الشرق الأوسط، ويجرّ خلفه 3 حروب، واحدة مدمرة في غزة، وثانية دموية في لبنان، وثالثة صامتة طويلة الأمد في الضفة الغربية، وعدة حروب باردة مع إيران وأذرعها في العراق واليمن وسوريا.
من المبكر الحكم على نتائج الهجوم الذي فاجأ إسرائيل، تحديداً لجهة إقامة دولة فلسطينية. ثمة وجهتا نظر، تفيد الأولى بأن 7 أكتوبر ستنتهي إلى مسار الدولة، ويزعم الثاني أن الباب قد فُتح لإسرائيل، ليس للقضاء على حل الدولتين، بل احتلال أجزاء من دول أخرى في المنطقة.
لكن بالنسبة لـ«حماس» التي بدأت الهجوم وتلقت الردّ عليه، يمكن القول إنها دفعت ثمناً لم تكن تتخيله يوماً. فماذا حدث خلال عام؟ وكيف أصبحت الحركة في ميزان الربح والخسارة؟
قبل الهجوم، كانت «حماس» بالنسبة للفلسطينيين والإسرائيليين قوة لا يستهان بها، وليس من الوارد أن تضحي بموقعها ومكاسبها في حرب مدمرة، وكان هذا سر الهجوم، قبل أن يكلفها الكثير لاحقاً.
وإذا كانت الحرب قد بدأت بضربة «حماس» وغارات جوية إسرائيلية لاحقة، فالأكيد أن الحركة لم تكن تتوقع أن الحرب البرية ستكون بهذا الزخم الذي طال جميع مناطق غزة، متراً بمتر، وشبراً بشبر.
اليوم، فقدت «حماس» وجناحها المسلح، الكثير من الأشياء، كما أنها في المقابل كسبت أشياء أخرى.
حساب الربح... إحصاء الخسارة
على الأقل، فقدت «حماس» دعماً سياسياً ولو كان خافتاً من قبل دول أوروبية ودولية، ومثله دعم مالي لتمويل مشاريع حكومية ومؤسساتية وخدماتية لسكان غزة، وإلى حد ما تضررت علاقة الحركة بدول إقليمية دعمتها في الصراع ضد إسرائيل، أو ما يتعلق بالمصالحة مع حركة «فتح».
وبعد هجومها الكبير، نّدت دول بـ«حماس»، وبقي هذا الموقف يتصاعد مع مرور الأيام في ظل الحملة الإعلامية الإسرائيلية التي صاحبت هجوم 7 أكتوبر.
وخلال ذلك، ظهرت مؤشرات قوية على خسارة الحركة لكثير من شرعيتها التي اكتسبتها لسنوات بتطوير علاقات كانت صعبة مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول عربية، وعلى وجه الخصوص تضررت إلى حد ما العلاقة مع مصر وقطر، إذ قالت مصادر موثوقة لـ«الشرق الأوسط»، إن «علاقة (حماس) بهاتين الدولتين العربيتين لم تعد كما كانت».
ويفهم قياديون في «حماس»، وفقاً للمصادر، أنه «في لحظة ما قد تطالبهم قطر بالخروج (...) كما أن الوضع مع مصر لم يعد على أحسن حال».
وتطالب مصر اليوم، وتعمل على عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، ويشمل ذلك تسليمها معبر رفح البري، وليس إسرائيل أو «حماس».
مقابل ذلك، زاد دعم «حماس» في «محور المقاومة» المدعوم من إيران، لكن هذا الأخير تعرض لخسائر عدة على أصعد مختلفة بفعل الحرب.
وكسبت الحركة أيضاً تأييداً من دول مثل تركيا وروسيا، وإلى حد ما من الصين، الأمر الذي دفع مراقبين إلى الاعتقاد بأن «حماس» تموضعت في استقطاب إقليمي حاد، في لحظة تقترب فيها المنطقة من شفا حرب مفتوحة.
شعبية «حماس» ونفوذها
أيام قليلة بعد 7 أكتوبر 2023، ارتفعت شعبية «حماس» بشكل كبير في مناطق غزة والضفة الغربية. كان يمكن ملاحظة كيف أن الإعجاب بالهجوم المباغت طغى على كل شيء، ولكن سرعان ما تبدد كل ذلك، خصوصاً في القطاع، مع استمرار الهجمات الإسرائيلية التي كبدت الغزيين خسائر مريرة في الأرواح والأملاك.
وباتت غالبية من سكان غزة يُحمّلون «حماس» مسؤولية ما حلّ بهم، الأمر الذي أدى إلى تراجع تأييد الحركة بشكل كبير، وأفقدها ميزة الدعم الكبير.
رغم كل هذا التراجع، فإن الحركة ما تزال ترى نفسها جزءاً واضحاً من مستقبل غزة والقضية الفلسطينية، وأن لديها القدرة على البقاء سياسياً وعسكرياً ومدنياً وشعبياً حتى حكومياً.
ومع ذلك، فإن الحكم على قدرة «حماس» على البقاء من عدمه سيكون حين تنتهي الحرب، ويتبين شكل الشرق الأوسط في اليوم التالي، لكن الأكيد أن الحركة لم تعد قادرة على حكم القطاع الذي يحتاج إلى دعم دولي واسع لإنقاذ سكانه وإعادة إعماره، وإحياء اقتصاده المنهار.
قيادات «حماس»... مَن بقي؟
فقدت «حماس» أهم قياداتها السياسية والحكومية والعسكرية، وجزءاً لا يستهان به من مسلحيها، إلى جانب ناشطين في المجالات الدعوية والاجتماعية والاقتصادية.
مع بداية الحرب، وصلت إسرائيل إلى زكريا أبو معمر وجواد أبو شمالة من أعضاء المكتب السياسي للحركة، وأيمن نوفل وأحمد الغندور وهما قائدا لواءي الوسط والشمال في «كتائب القسام»، إلى جانب أيمن صيام قائد الوحدة الصاروخية في الكتائب.
وقد دأبت «حماس» على نعي جميع الشخصيات التي فقدتها خلال الحرب وإعلان أسمائهم، قبل أن تغير هذا النهج لتخفي معلومات قادتها والمسلحين الذين يتم قتلهم.
لاحقاً، نجحت إسرائيل باغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» في طهران، ونائبه صالح العاروري في الضاحية الجنوبية ببيروت، وكلاهما نعتهما الحركة.
لكن بعيداً عن إعلانات «حماس»، أكدت إسرائيل اغتيال قائد «كتائب القسام» والمطلوب الأول منذ عقود محمد الضيف في ضربة جوية نفّذتها بمنطقة مواصي خان يونس، جنوب غزة، في 13 يوليو (تموز) الماضي، إلى جانب رافع سلامة، قائد لواء خان يونس، وقبلهما أكدت اغتيال مروان عيسى، نائب الضيف، في نفق وسط مخيم النصيرات، وسط قطاع غزة، في 10 مارس (آذار) الماضي.
وكانت مصادر من «حماس» قد أكدت لـ«الشرق الأوسط» اغتيال سلامة وعيسى، لكنها لم تدلِ بأي معلومات حول الضيف.
وكشفت «الشرق الأوسط» في وقت سابق، عن مقتل اثنين من أعضاء المكتب السياسي، هما روحي مشتهى وسامح السراج في ضربة استهدفت نفقاً جنوب مدينة غزة، إلى جانب قيادات عسكرية وازنة في «القسام».
ومن بين الاغتيالات المؤثرة في «القسام»، استهداف أيمن المبحوح أحد أهم قادة الكتائب والمسؤول الأول عن استخبارات الكتائب وأسرارها الأمنية، الذي كان لسنوات مسؤولاً عن الدائرة الأمنية الخاصة بحماية محمد الضيف.
ولم تؤكد «حماس» اغتيال أي من هؤلاء، بل إنها تشدد على أن الضيف ما زال حياً، فيما تصرّ إسرائيل على نجاحها باغتياله.
وفقدت «القسام» مئات من قياداتها الميدانيين، منهم قادة «كتائب» و«سرايا» و«فصائل» و«مجموعات»، وهي مسميات عسكرية بالترتيب وفق تقسيمات معينة ومحددة، ورغم أنها خسائر فادحة فإن المحلل العسكري العقيد المتقاعد منير حمد من غزة يميل إلى الاعتقاد بأنها «لا تعني القضاء تماماً على الكتائب».
وقال حمد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «حماس» استطاعت حتى الآن الحفاظ على حياة قائدها يحيى السنوار، خاصة بعد اغتيال هنية في طهران، ما يعني «توفق الحركة استخبارياً، على الأقل حتى الآن».
ورأى حمد أن «إبقاء السنوار حياً يحرم إسرائيل من صورة النصر التي تحاول الحصول عليها منذ أشهر».
ويُحسب لحركة «حماس» أنها وضعت قضية اغتيال قياداتها وعناصرها رهن التكهنات، سواء بالنسبة لإسرائيل أو غيرها، ما يؤشر على صعوبات أمنية واجهتها وما زالت تواجهها المخابرات الإسرائيلية في الوصول لقيادات «حماس» و«القسام»، على عكس ما يجري حالياً على الجبهة اللبنانية مع «حزب الله».
ولا تكتفي إسرائيل بملاحقة السنوار، بل إنها تبحث عن شقيقه محمد، أحد أبرز قادة «القسام» والرجل الثاني بعد الضيف، كما تبحث عن قائد لواء رفح محمد شبانة، وعن قائد لواء غزة عز الدين الحداد الذي تلقبه بـ«الشبح»، وعن قيادات أخرى من المجلس العسكري مثل رائد سعد، وأبو عمر السوري، اللذين نجيا من عمليتي اغتيال في غزة.
وتدفع هذه المعطيات العقيد المتقاعد منير حمد إلى الجزم بأن «حماس» قادرة على النهوض مجدداً، خاصة أن عدداً من قياداتها المؤثرة ما زال على قيد الحياة.
ويؤكد مراقبون أنه في حال تم التوصل لاتفاق تهدئة، يمكن لـ«حماس» أن تعيد بناء نفسها وقوتها مجدداً، خاصة مع وجود العامل البشري الذي يمكن أن تستغله، كما أن هناك قيادات بارزة قادرة على قيادة الحركة من جديد، بمن فيهم شخصيات تنشط في الخارج لم تتأثر بالضربات الإسرائيلية.
ويتفق حمد مع مراقبين على أن «حماس» نجحت حتى الآن في الاحتفاظ بعشرات الإسرائيليين المحتجزين كأسرى في غزة، بعد عام من حرب مدمرة طالت كل شبر من القطاع، وهو ما يمنحها مكاسب أكبر لفرض شروطها في التفاوض الذي يسير ببطء شديد في ظروف معقدة.
أنفاق «حماس»
فقدت «حماس» كثيراً من قوتها خلال عام من الحرب. وبعد ضربات متتالية، شملت الخدمة العامة، والمرافق التنظيمية والعسكرية والاقتصادية، تكاد الخسائر تكون شاملة على نحو واسع.
لكن فقدان معظم أنفاق «حماس» قد يكون الخسارة الأبرز لجهة أنها «سلاح استراتيجي» كان بيد الحركة.
واستخدمت «حماس» تلك الأنفاق في التحكم السيطرة، ولحماية قياداتها، وكذلك لإخفاء الإسرائيليين، ومن ثم في إدارة المعركة لتنفيذ هجمات، مباشرة أو صاروخية.
وبحسب مصادر «الشرق الأوسط»، فقد «نجحت إسرائيل في تدمير كثير من أنفاق الحركة». وقالت إن «الجيش الإسرائيلي عثر على كثير من الأنفاق الاستراتيجية الهجومية والدفاعية».
واستخدمت «حماس» الأنفاق في مناسبات مختلفة كمخابئ لبعض قادتها الذين تمت ملاحقتهم فوق وتحت الأرض، وهو الأمر الذي جرى مع عضو المكتب السياسي للحركة روحي مشتهى وقيادات أخرى، ما أدى لمقتلهم في أحد تلك الأنفاق.
تقدر مصادر مطلعة لـ«لشرق الأوسط» أن «حماس» تمتلك في كل منطقة داخل غزة (شمال القطاع مثلاً) ما لا يقل عن 700 نفق بأحجام ومهمات مختلفة، لكن ذلك يرتبط بجغرافيا وطبيعة التربة التي يمكن من خلالها حفر عدد أكبر أو أقل من الأنفاق.
وتقول المصادر: «في خان يونس جنوب القطاع، يختلف عدد الأنفاق كلياً، وربما هو الأكبر على مستوى القطاع، وخاصة في المناطق الشرقية منها باعتبارها مناطق زراعية وسهلة الحفر، ويمكن فيها العثور على أكثر من مسار للنفق الواحد بتفرعات مختلفة وبتوزيعات جغرافية مختلفة من مكان إلى آخر، ويقدر عددها بنحو ألف نفق».
وقدرت إسرائيل سابقاً أن تكون «حماس» حفرت أكثر من 500 كيلومتر من الأنفاق، لكن الحرب الحالية أظهرت أن تقديراتها خاطئة، وكانت أكبر بكثير.
وتفسر هذه المعطيات كيف نجحت «حماس» حتى اللحظة في تسهيل حركة قياداتها ومقاتليها بين مواقع، فوق الأرض وتحتها، إذ الواقع الفعلي لشبكة الأنفاق يتيح لهم المناورة مع إسرائيل.
ترسانة الصواريخ
مثّلت الصواريخ سلاحاً فارقاً لدى «حماس»، وشكّلت في مرحلة ما أحد أهم وسائل الردع، بعدما كانت الحركة قادرة على ضرب المدن والمستوطنات الإسرائيلية وقتما تشاء، خاصة تلك التي كانت تصل إلى تل أبيب والقدس.
تقول مصادر موثوقة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «حماس» فقدت غالبية مخزونها من الصواريخ. ومع ذلك يعتقد مراقبون أن الحركة تخفي عدداً منها، وسوف تستخدمها في وقت ما.
وتزعم مصادر ميدانية من «حماس» أن جناحها المسلح كان يمتلك قبيل الحرب ما يزيد على 60 ألف صاروخ، ما بين صواريخ بعيدة المدى وأخرى متوسطة وقصيرة.
وكانت «حماس» قد أطلقت في «الرشقة الأولى» صبيحة 7 أكتوبر، ما لا يقل عن 4 آلاف صاروخ، غالبيتها متوسطة وقصيرة المدى تزامناً مع بدء الهجوم العسكري.
ومع ذلك، يصعب معرفة العدد الدقيق للصواريخ التي تمتلكها «حماس» قبل الحرب، وما تبقى خلال عام بعد اندلاعها.
وتزعم إسرائيل أنها نجحت في تدمير كثير من الصواريخ، إلى جانب ضرب أماكن تصنيعها وتخزينها، ومنصات إطلاقها.
بنك المال والمعلومات السرية
لم تتوقع «حماس» أن القوات البرية الإسرائيلية ستتعمق داخل غزة، كل هذا الوقت وبهذا العمق والسعة، ما منعها من نقل أو إتلاف ملفات بالغة السرية، من بينها ملفات اجتماعات مغلقة، وملفات أمنية ومالية، نجحت إسرائيل في السيطرة عليها، كما الفيديو الذي ظهر فيه قائد «كتائب القسام»، محمد الضيف، الذي كان يوصف بأنه رجل الظل الذي لا تعرف صورته.
وأكدت مصادر في الحركة، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الوقت لم يسعف عناصر (حماس) لتدمير ما لديها من ملفات، وإلا كان تم زرع عبوات ناسفة لتفخيخ المواقع التي تحوي مثل هذه الملفات على الأقل».
على الصعيد الحكومي، يمكن الجزم أن «حماس» خسرت جميع مقراتها، كما فقدت قيادات حكومية بارزة كانت تقود عملها الخدمي وغيره، إلى جانب كثير من أركان هيئة الطوارئ التي شكّلتها لإدارة العمل الحكومي للسكان خلال الحرب، وليس آخرهم على الأغلب المهندس ماجد صالح، المدير في وزارة الأشغال، الذي كان هدفاً لإسرائيل مرات عدة خلال هذه الحرب، وقد فقد زوجته وعدداً من أبنائه.
ترافق ذلك مع خسارة «حماس» كثيراً من مواردها المالية التي كانت تعتمد عليها، فهي إلى جانب الدعم الخارجي والدخل الحكومي، ثمة مصانع ومحال وعقارات وغيرها كانت تدرّ على الحركة شهرياً مبالغ طائلة.
وخلال الحرب تعمدت إسرائيل استهداف جميع مصادر تمويل «حماس»، وقصفت بنكاً تابعاً للحركة، وغرفاً محددة كان تخزن أموالاً، وهاجمت مركبات نقل أموال، واستولت على ملايين «الشواقل» من أماكن داهمتها، الأمر الذي أفقد «حماس» في كثير من الفترات قدرتها على صرف رواتب موظفيها وعناصرها، سواء الحكوميون أو المنضمون لجناحها العسكري وغيرهم.
في نهاية المطاف، طال الدمار كل شيء، كل شارع وحي، وجميع العائلات التي رزحت تحت نار الحرب طوال عام. لكن حسابات الربح والخسارة بالنسبة لـ«حماس» أمر بلاغ التعقيد، ولا يمكن الجزم به. ففي اليوم التالي للحرب، ستكون المعطيات حاسمة لمعرفة أن الحركة انتهت بالفعل، أم أنها طبقاً للظروف قادرة على العودة والنهوض مجدداً.