أسقطت بريطانيا جنسيتها عن مواطنها المحتجز في سوريا منذ بداية 2019 جاك لتس البالغ من العمر 24 عاماً، والذي ذاع صيته بالتنظيم المتطرف باسم «جاك». كما سحبت جنسيتها من شميمة بيغوم ذات الأصول البنغالية بالعام نفسه وتقطن في مخيم الهول شرق سوريا. أما بلد زوجها هولندا فسحبت هي الأخرى جنسيتها من متشدد يكنى بـ«عثمان ب»، فيما سلمت فرنسا 13 من مواطنيها كانوا محتجزين بسوريا إلى الحكومة العراقية لارتكابهم «جرائم حرب» على أراضيها، والقضاء العراقي ينفذ عقوبة الإعدام.
مصادر دبلوماسية غربية بارزة متطلعة على اجتماعات دول التحالف الدولي التي انعقدت في العاصمة الدنماركية، كوبنهاغن نهاية يناير (كانون الثاني) العام الجاري، ذكرت أن 8 حكومات أوروبية على رأسها برلين ولندن وباريس، هددت بسحب جنسياتها من رعاياها المشتبه بانتمائه إلى التنظيم المحتجزين في سوريا من «مزدوجي الجنسية»؛ غالبيتهم من أصول مغربية سرعان ما جاء الرد من دولة المغرب التي هددت تلك الحكومات بسحب جنسيتها من كل المغاربة الموجودين في السجون السورية والعراقية ويقدر عددهم نحو 1600 مقاتل.
وتدرس 8 دول بينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وفنلندا والسويد وبلجيكا وهولندا والدنمارك، إخضاع مواطنيها إلى مراكز تأهيل داخل سوريا وإجراء اختبارات قبل إعادتهم لأراضيها، لكن السفير الأميركي ويليام روباك الذي يقوم بجولات ماراثونية إلى عواصم غربية وعربية فشل بإقناع شركائه لإعادة مواطنيهم إلى بلدانهم ومقاضاتهم هناك، الأمر الذي يزيد من التحديات التي تواجه استمرار احتجازهم، وهنا ثلاثة أسباب رئيسية تعقد من هذا الملف:
أولها: مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا خارجة عن سيطرة حكومة دمشق وهي غير معترف بها دولياً، فيما تشكل التهديدات التركية ثاني أبرز التحديات بعدما شنت أنقرة هجوماً واسعاً نهاية العام الماضي وسيطرت على مدينتي رأس العين بالحسكة وتل أبيض بالرقة، وأنعشت هذه العملية خلايا التنظيم النائمة وباتت تنفذ عمليات انتحارية استهدفت الكثير من المناطق، وتخشى واشنطن ولندن من فلتان الوضع الأمني في حال نفذت تركيا عملية جديدة.
أما ثالثها تكلفة النفقات والتغطية المادية سنوياً وتبلغ مئات آلاف الدولارات تصرف على الحراسة والطعام والدواء بالإضافة إلى تأمين مصاريف لوجيستية لشراء أجهزة أمن ومراقبة متطورة، وهذه الأموال تقدمها واشنطن ولندن وتحاول إقناع شركائها الأوروبيين والحكومات العربية بالمساعدة في تقديم المصاريف.
ويشكل ملف المحتجزين الأجانب وعائلاتهم عبئاً كبيراً على الإدارة الذاتية التي طالبت مراراً بلدانهم باستعادتهم، وقوبلت دعواتها والنداءات الأميركية برفض غالبية الدول، الأمر الذي دفع المسؤولين الأميركيين المعنيين بالملف السوري وقادة الإدارة لبحث إمكانية تشكيل محكمة دولية خاصة، وبناء سجون ومعتقلات لاحتجاز هؤلاء الأسرى، غير أن السفير الأميركي ويليام روباك شكك بنجاح الخطوة من دون إجماع دولي وأوروبي ولن تجدي نفعاً طالما بقيت المشكلة قائمة.
من جانبه، يرى الدكتور عبد الكريم عمر رئيس «دائرة العلاقات الخارجية بالإدارة الذاتية»، ضرورة إنشاء محكمة خاصة ذات طابع دولي في هذه المناطق، ويعزو السبب إلى «وجود كثير من الأدلة والوثائق والشهود التي تدين هؤلاء، وستتم محاكمتهم وفق القوانين والمعايير الدولية»، وأوضح أن الاختصاص القانوني للمحكمة سيكون على أساس مكان وقوع الفعل الإجرامي ومكان الاعتقال.
وعن موقف دول التحالف الدولي والولايات المتحدة من تشكيل المحكمة، قال: «نناقش الملف في لقاءاتنا الدورية مع مستشاري التحالف الدولي ومسؤولي الخارجية الأميركية، من حيث المبدأ هناك قبول لتشكيل هكذا محكمة»، وكشف بأن دولاً أوروبية وافقت على المحكمة من بينها: «فرنسا والسويد وهولندا تجاوبت وأبدت استعدادها للتعاون في إنشائها»، وعن موقف الدول العربية الأعضاء بالتحالف الدولي علق قائلاً: «الدول العربية أكثر مَن رحبت بإنشاء هذه المحكمة الدولية على الأراضي التي وقعت فيها الجرائم بسوريا والعراق، وأبدت مرونة أكثر من باقي الدول الغربية».
وتقوم «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» بزيارة المحتجزين في بعض السجون الواقعة تحت سلطة الإدارة الذاتية، وتقدم أثناء هذه الزيارات الخدمات الإنسانية مثل إعادة الروابط العائلية أو الحفاظ عليها، كما يتسم الحوار الذي تجريه اللجنة الدولية مع الأطراف المنخرطة في الاحتجاز بالسرية، ويركز على توفير الخدمات الأساسية وظروف الاحتجاز ومعاملة المحتجزين.
ودعت اللجنة الدولية لحل قضية المقاتلين الأجانب وأسرهم وحثت دولهم والمجتمع الدولي العمل مع الدول المعنية لإيجاد حلول طويلة الأمد، وقال رئيس اللجنة بيتر ماورير في بيان نشر على حسابها الرسمي: «تستحث اللجنة الدولية جميع الدول على التعامل بشكل إنساني وتحمل مسؤولياتهم وإعادة مواطنيها، من مناطق النزاع سواء كانوا مقاتلين سابقين أو مدنيين، والتعامل معهم وفقًا للأُطر القانونية الدولية والوطنية القائمة، ومن الضروري للغاية الحيلولة دون جعل الناس وخاصة الأطفال من دون جنسية»، بحسب البيان المنشور في شهر سبتمبر (أيلول) 2019.
من ناحيتها، قالت إنجي صدقي المتحدثة الرسمية لبعثة اللجنة الدولية إلى سوريا إن «اللجنة تحث جميع الدول على التعامل بشكل إنساني بهذا الشأن، وأن يتحملوا المسؤولية تجاه رعاياها، وأن يتم إعادتهم إلى أوطانهم عند وجود إمكانية لذلك»، ولفتت في ختام حديثها أن الأطفال الفئة الأكثر ضعفاً، وأعربت قائلة: «يجب التعامل معهم بمثابة ضحية، فالآلاف من الفتيات والفتيان يوجدون في أماكن صعبة ويواجهون ظروفاً لا ينبغي أي طفل مواجهتها، فالوضع الراهن من الصعب أن يستمر على المدى البعيدة».
«الدواعش» الأجانب مشكلة لدولهم... وأسرهم
«الدواعش» الأجانب مشكلة لدولهم... وأسرهم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة