مخاوف الركود العالمي «شبه الحتمي» تزداد... ودعوات لمزيد من التكاتف

تعاني كثير من المناطق الأوروبية حالة شلل واسع يعوق غالبية الأنشطة الاقتصادية (أ.ف.ب)
تعاني كثير من المناطق الأوروبية حالة شلل واسع يعوق غالبية الأنشطة الاقتصادية (أ.ف.ب)
TT

مخاوف الركود العالمي «شبه الحتمي» تزداد... ودعوات لمزيد من التكاتف

تعاني كثير من المناطق الأوروبية حالة شلل واسع يعوق غالبية الأنشطة الاقتصادية (أ.ف.ب)
تعاني كثير من المناطق الأوروبية حالة شلل واسع يعوق غالبية الأنشطة الاقتصادية (أ.ف.ب)

تزداد التحذيرات الدولية المتوالية من آثار اقتصادية هائلة لتفشي «كوفيد-19» عالمياً. وحذر أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة من ركود عالمي «شبه حتمي»، ومن أن الاستجابات الوطنية لجائحة فيروس «كورونا»، «لن تعالج النطاق العالمي للأزمة وتعقيداتها».
وأبلغ غوتيريش الصحافيين في مؤتمر بالدائرة التلفزيونية مساء الخميس، أن «هذه لحظة تستدعي تحركاً منسقاً وحاسماً ومبتكراً على صعيد السياسات من الاقتصادات الرئيسية في العالم. نحن في وضع غير مسبوق، والقواعد العادية لم تعد مجدية»، وقال: «إن ركوداً عالمياً -قد يكون ذا أبعاد قياسية- أصبح شبه حتمي».
ومن جانبها، تتوقع مديرة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد حصول انكماش اقتصادي «كبير» في منطقة اليورو، نتيجة انتشار فيروس «كورونا» المستجد، في مقال لها نشر الجمعة في عدد من الصحف الأوروبية.
ولفتت المسؤولة إلى أن «جزءاً كبيراً من الاقتصاد متوقف بشكل مؤقت، ونتيجة لذلك سيتقلص النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو بشكل كبير». وصدر المقال غداة إعلان البنك المركزي الألماني خطة ضخمة بقيمة 780 مليار يورو لدعم الاقتصاد الأوروبي، في مواجهة تبعات انتشار وباء «كوفيد-19».
وأكدت لاغارد أنه في حال لم يكن ذلك كافياً، فإن مؤسستها ستقوم بـ«كل ما هو ضروري ضمن صلاحياتها لمساعدة منطقة اليورو على تخطي هذه الأزمة»، مرددة أن البنك المركزي الأوروبي «في خدمة الأوروبيين». وتولت لاغارد مهامها في نوفمبر (تشرين الثاني)، وهي تواجه مع أزمة فيروس «كورونا» المستجد أول محنة لها في هذا المنصب.
وواجهت الوزيرة الفرنسية السابقة انتقادات أخذت عليها تصريحات تحتمل التأويل، أدلت بها الأسبوع الماضي عند الإعلان عن خطة دعم أولى كانت مؤسستها تعتزم تقديمها. وأعطت لاغارد في ذلك الحين انطباعاً بأنها لا تود الاهتمام ببلدان منطقة اليورو مثل إيطاليا؛ حيث تجاوز عدد الوفيات حصيلة الصين، بؤرة الفيروس الأولى، والتي تشهد ارتفاعاً حاداً في كلفة قروضها في الأسواق. واضطرت لاغارد على الأثر لتوضيح ما قالته. كما اعتبر بعض المسؤولين -ولا سيما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون- خطتها الأولى غير كافية.
في المقابل، أثنى ماكرون على الخطة الثانية التي أُعلن عنها مساء الأربعاء، والتي تقضي بعمليات شراء مكثفة لحض المصارف الأوروبية على الاستمرار في منح القروض، وبالتالي دعم الوظائف والإنتاج.
وإن كان البنك المركزي الأوروبي قد اضطر الأربعاء إلى استخدام الأسلحة الثقيلة، فذلك لأن «الظروف المالية في منطقة اليورو تدهورت بشكل كبير» في الأيام الأخيرة، وأن «تقييمنا للوضع الاقتصادي ازداد تجهماً»، بحسب ما تورد لاغارد في المقال. وأوضحت أن الجهاز «الطارئ» بمواجهة الوباء العالمي يشكل «7.3 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي لمنطقة اليورو» وهدفه إنعاش اقتصاد مشلول بفعل انتشار الوباء. لكن إن كانت السياسة النقدية شكَّلت رداً قوياً على الأزمة، فإن «السياسات الصحية والمالية تأتي في المقام الأول»، بحسب لاغارد.
وبقيت دعواتها إلى الدول الأوروبية قبل أسبوع، ثم خلال اجتماعات لمجموعة اليورو في بروكسل، من أجل أن تقدم رداً مالياً منسقاً للأزمة، حبراً على ورق حتى الآن. فكل دولة تعتمد في الوقت الحاضر تدابيرها وسياساتها؛ سواء على صعيد الصحة أو إلى حد ما على صعيد المراقبة على الحدود.
ويتفق ماكرون مع لاغارد في المسائل المالية. وقال الأربعاء: «يعود لنا نحن الدول الأوروبية، أن نكون بالمرصاد من خلال تدخلاتنا المالية، وتضامن مالي أكبر داخل منطقة اليورو».
وغالباً ما تكون ألمانيا أكثر حذراً وتمسكاً بنهج التشدد في الميزانية، غير أنها اضطرت إلى تليين مواقفها. وذكرت وسائل إعلام ألمانية أن برلين قد تعمد الأحد إلى تليين شروطها في مجال المالية لجهة تسجيل بعض العجز.



من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
TT

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها السياحية بطريقة توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والتراث.

يأتي «ملتقى السياحة السعودي 2025» بنسخته الثالثة، الذي أُقيم في العاصمة الرياض من 7 إلى 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، كمنصة لتسليط الضوء على الجهود الوطنية في هذا المجال، وتعزيز تعاون القطاع الخاص، وجذب المستثمرين والسياح لتطوير القطاع.

وقد أتاح الملتقى الفرصة لإبراز ما تتمتع به مناطق المملكة كافة، وترويج السياحة الثقافية والبيئية، وجذب المستثمرين، وتعزيز التوازن بين العوائد الاقتصادية من السياحة والحفاظ على المناطق الثقافية والتاريخية، وحماية التنوع البيئي.

وعلى سبيل المثال، تعد الأحساء، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو»، ببساتين النخيل وينابيع المياه والتقاليد العريقة التي تعود لآلاف السنين، نموذجاً للسياحة الثقافية والطبيعية.

أما المحميات الطبيعية التي تشكل 16 في المائة من مساحة المملكة، فتُجسد رؤية المملكة في حماية الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.

جانب من «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» (واس)

«محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»

في هذا السياق، أكد رئيس إدارة السياحة البيئية في «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»، المهندس عبد الرحمن فلمبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية منظومة المحميات الملكية التي تمثل حالياً 16 في المائة من مساحة المملكة، والتي تم إطلاقها بموجب أمر ملكي في عام 2018، مع تفعيل إطارها التنظيمي في 2021.

وتحدث فلمبان عن أهداف الهيئة الاستراتيجية التي ترتبط بـ«رؤية 2030»، بما في ذلك الحفاظ على الطبيعة وإعادة تنميتها من خلال إطلاق الحيوانات المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم، بالإضافة إلى دعم التنمية المجتمعية وتعزيز القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية عبر توفير وظائف التدريب وغيرها. ولفت إلى الدور الكبير الذي تلعبه السياحة البيئية في تحقيق هذه الأهداف، حيث تسعى الهيئة إلى تحسين تجربة الزوار من خلال تقليل التأثيرات السلبية على البيئة.

وأضاف أن المحمية تحتضن 14 مقدم خدمات من القطاع الخاص، يوفرون أكثر من 130 نوعاً من الأنشطة السياحية البيئية، مثل التخييم ورياضات المشي الجبلي وركوب الدراجات. وأشار إلى أن الموسم السياحي الذي يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار) يستقطب أكثر من نصف مليون زائر سنوياً.

وفيما يخص الأهداف المستقبلية، أشار فلمبان إلى أن «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» تستهدف جذب مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وذلك ضمن رؤية المحميات الملكية التي تستهدف 2.3 مليون زائر سنوياً بحلول العام نفسه. وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق التوازن البيئي من خلال دراسة آثار الأنشطة السياحية وتطبيق حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة.

أما فيما يخص أهداف عام 2025، فأشار إلى أن المحمية تهدف إلى استقطاب 150 ألف زائر في نطاق المحميتين، بالإضافة إلى تفعيل أكثر من 300 وحدة تخييم بيئية، و9 أنواع من الأنشطة المتعلقة بالحياة الفطرية. كما تستهدف إطلاق عدد من الكائنات المهددة بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة.

هيئة تطوير الأحساء

بدوره، سلّط مدير قطاع السياحة والثقافة في هيئة تطوير الأحساء، عمر الملحم، الضوء لـ«الشرق الأوسط» على جهود وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة السياحة في وضع خطط استراتيجية لبناء منظومة سياحية متكاملة. وأكد أن الأحساء تتمتع بميزة تنافسية بفضل تنوعها الجغرافي والطبيعي، بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التي تقدمها على مدار العام، بدءاً من الأنشطة البحرية في فصل الصيف، وصولاً إلى الرحلات الصحراوية في الشتاء.

وأشار الملحم إلى أن إدراج الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي التابعة لـ«اليونسكو» يعزز من جاذبيتها العالمية، مما يُسهم في جذب السياح الأجانب إلى المواقع التاريخية والثقافية.

ورحَّب الملحم بجميع الشركات السعودية المتخصصة في السياحة التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية في الأحساء، مؤكداً أن الهيئة تستهدف جذب أكبر عدد من الشركات في هذا المجال.

كما أعلن عن قرب إطلاق أول مشروع لشركة «دان» في المملكة، التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، والذي يتضمن نُزُلاً ريفية توفر تجربة بيئية وزراعية فريدة، حيث يمكنهم ليس فقط زيارة المزارع بل العيش فيها أيضاً.

وأشار إلى أن الأحساء منطقة يمتد تاريخها لأكثر من 6000 عام، وتضم بيوتاً وطرقاً تاريخية قديمة، إضافةً إلى وجود المزارع على طرق الوجهات السياحية، التي يصعب المساس بها تماشياً مع السياحة المستدامة.

يُذكر أنه يجمع بين الأحساء والمحميات الطبيعية هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، مع تعزيز السياحة المستدامة بوصفها وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلاهما تمثل رمزاً للتوازن بين الماضي والحاضر، وتبرزان جهود المملكة في تقديم تجربة سياحية مسؤولة تُحافظ على التراث والبيئة.