«كورونا» ليس الأول... ماذا تعلّم العالم من الأوبئة السابقة عبر التاريخ؟

صنفت منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا المستجد المعروف باسم «كوفيد – 19»، بأنه جائحة بعد أن أصبح من الواضح أنه ينتشر بحرية في معظم أنحاء العالم. لكنها ليست المرة الأولى في التاريخ التي يشهد بها العالم تفشي الأمراض، وقد تعلمنا من كل وباء شيئاً مميزاً عن كيفية إدارة هذه الأزمات، وفقاً لتقرير نشره موقع «كوورتز».
وأوضح غراهام موني، مؤرخ الطب بجامعة جونز هوبكنز الأميركية: «هناك أمثلة كثيرة تدل على تجاهلنا دروس الماضي».
وتابع «أحد الأمثلة يكمن في فشل الحكومات بالعديد من الأوقات في توقع الأمراض ودعم المواطنين خلال التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية للأوبئة، من الحجر الصحي الإلزامي وقيود السفر إلى إغلاق المدارس وأماكن العمل والشركات المحلية».
وقال موني «هذه الأزمات تكشف عدم المساواة الاجتماعية».
ومع ذلك، نحن بالتأكيد أفضل حالاً من الفيلق الروماني، الذي كان أفراده من أوائل الأشخاص الذين عانوا من مرض قاتل سريع الانتشار. وإليك بعض ما تعلمه خبراء الصحة العامة والعلماء من الأوبئة الماضية:
- الطاعون الأنطوني :165- 180 و250 م
وصلت أحد الأوبئة الأولى في العالم والتي تشبه أحد أشكال الجدري أو الحصبة إلى روما لأول مرة من قبل الفيلقائيين العائدين من حصار في العراق المعاصر. ربما يكون المرض في ذروته قد قتل ما يصل إلى ألفي شخص يومياً - فقد دمر الجيش الروماني وكان مساهماً في انهيار الإمبراطورية في نهاية المطاف. كما قدم الوباء لمحة مبكرة عن مبدأ رئيسي للفيرولوجيا: تفشي المرض يكون أكثر فتكاً عندما يصادفه الناس للمرة الأولى، أي عندما يفتقر الجسم إلى الحصانة ضده.

- الموت الأسود: 1347-1351
جلب تجار جنوة الطاعون إلى أوروبا بعد الهرب من الحصار الذي استخدم فيه جنرال مغولي الجثث المصابة سلاحاً. وفي غضون سنوات قليلة، قُتل ما يصل إلى 25 مليون شخص، أي ثلث سكان أوروبا. واستمرت أوبئة أخرى انتشرت عن طريق البراغيث في الظهور لقرون عدة، وأنتجت بعض الانتصارات للعمل من المنزل: استغل الكاتب البريطاني وليام شكسبير الشهير إغلاق المسارح في عام 1590 لكتابة الشعر، وخلال تفشي المرض عام 1665، أرسلت جامعة كمبردج طلابها إلى المنزل بما في ذلك السير إسحاق نيوتن الذي استغل الفرصة للجلوس بالقرب من شجرة تفاح واكتشف احد أهم القوانين الأساسية للفيزياء وهي الجاذبية.

- جائحة الإنفلونزا الأولى عام 1580
وعلى الرغم من أن أولى حالات الإنفلونزا ربما حدثت بين الجنود اليونانيين الذين خاضوا حرب البيلوبونيز في عام 430 قبل الميلاد، فقد ظهرت أول جائحة إنفلونزا حقيقية في صيف عام 1580 في آسيا، وسرعان ما انتشر الوباء عبر طرق التجارة إلى أوروبا وأميركا الشمالية. وعلى الرغم من أن عدد القتلى غير معروف، لكن تم الإبلاغ عن 8 آلاف حالة وفاة على الأقل في روما وحدها.
وشهدت هذه الفترة ظهور إجراءات الحجر الصحي ونقاط التفتيش الحدودية في أوروبا. وترجع الإشارة الأولى إلى الإنفلونزا في الأدبيات العلمية إلى عام 1650، وهي مستمدة من الكلمة الإيطالية التي تعني «التأثير».

- الكوليرا: القرن التاسع عشر
طوال القرن التاسع عشر، كان هناك ما لا يقل عن ست فترات تفشى خلالها وباء الكوليرا. وبدأ كل شيء في منطقة خليج البنغال في الهند، وحصد الوباء العديد من الأرواح أثناء انتشاره على طول طرق التجارة الاستعمارية. وأدت المعلومات الخاطئة، بالإضافة إلى الاستياء من عدم المساواة الاقتصادية، إلى تفاقم تهديد المرض.
كما وأدى تفشي الوباء إلى ظهور موجة من نظريات المؤامرة التي تقول إن طرفاً ما ينشر الكوليرا عمداً لتقليص صفوف الفقراء. وفي المملكة المتحدة وروسيا، استهدف المشاغبون المستشفيات. لكن الباحثين طوروا رؤى أساسية حول مصدر المرض. وتم تتبع إحدى حالات تفشي الوباء في لندن، وأظهرت النتائج أن المرض كان مصدره مضخة مياه ملوثة.

- الإنفلونزا الإسبانية عام 1918
من المحتمل أن تكون أسوأ كارثة طبية في التاريخ، فقد أصابت الإنفلونزا عام 1918 ما يصل إلى ثلث سكان العالم وقتلت ما يصل إلى 50 مليون شخص. كشف الوباء عن عدد الأرواح التي يمكن إنقاذها عن طريق التباعد الاجتماعي: فالمدن التي ألغت الأحداث العامة كان لديها حالات أقل بكثير. في الوقت الذي كان يتفشى فيه المرض، أقامت فيلادلفيا موكباً شارك فيه 200 ألف شخص في مسيرة لدعم جهود الحرب العالمية الأولى. وبحلول نهاية الأسبوع ، قُتل 4500 شخص بسبب الإنفلونزا. وفي الوقت نفسه، أغلقت سانت لويس المباني العامة وقلصت التجمعات؛ الأمر الذي تسبب في تسجيلها نصف معدل الوفيات من الإنفلونزا مقارنة بالأعداد التي أحصتها فيلادلفيا.

- أوبئة الإنفلونزا في منتصف القرن (1957 و1968)
بحلول منتصف القرن، كان العالم بيئة أكثر تفشياً للأوبئة مما كان عليه في عام 1918، مع تزايد الكثافة السكانية ووجود المزيد من التجارة العالمية والسفر الجوي.
لكن كانت هناك أيضاً تطورات مهمة في علم المناعة: تم تطوير لقاح الإنفلونزا في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين، وتم إنشاء معظم وكالات الصحة العامة التي نعترف بها اليوم، بما في ذلك مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها ومنظمة الصحة العالمية. ومع ذلك تسببت جائحتان منفصلتان لإنفلونزا الطيور نشأتا في هونغ كونغ والبر الرئيسي للصين في مقتل أكثر من مليون شخص.

- فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)
منذ سبعينات القرن الماضي، أصيب 75 مليون شخص بفيروس نقص المناعة البشرية، وتوفي ما يصل إلى 32 مليون شخص. وعلى الرغم من أن الوباء أدى إلى تقدم طبي في الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية، وبرامج الصحة العامة مثل منع تبادل الإبر، إلا أنه أعطى أيضاً العديد من الدروس حول الخطر المميت للوصم الاجتماعي.