تحليل اقتصادي: «تسونامي نفطي» سيغيّر وجه القطاع لسنوات طويلة

شركات العالم تلغي مشاريع للطاقة براً وبحراً... والإفلاسات تطارد «صغار اللاعبين»

الظروف الحالية دفعت الشركات النفطية العالمية إلى خفض استثماراتها بكثافة (رويترز)
الظروف الحالية دفعت الشركات النفطية العالمية إلى خفض استثماراتها بكثافة (رويترز)
TT

تحليل اقتصادي: «تسونامي نفطي» سيغيّر وجه القطاع لسنوات طويلة

الظروف الحالية دفعت الشركات النفطية العالمية إلى خفض استثماراتها بكثافة (رويترز)
الظروف الحالية دفعت الشركات النفطية العالمية إلى خفض استثماراتها بكثافة (رويترز)

أكد تقرير صادر عن مجموعة «سيتي بنك» أن الطلب على النفط يتراجع إلى المستوى الذي كان عليه عشية أزمة هبوط الأسعار في عام 2014، والهبوط الأكبر تسجله الدول الصناعية المتقدمة المنضوية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وذلك بسبب تداعيات تفشي وباء كورونا المستجد. والأسعار هبطت تحت 30 دولاراً للبرميل، ويتوقع محللون هبوطها أكثر.
في ظل هذه الظروف بدأت الشركات النفطية العالمية خفض استثماراتها بكثافة، ما يعني أن «تسونامي نفطي سيغير وجه القطاع لسنوات طويلة تتغير خلالها معادلات بالجملة كانت سادت منذ 2014»، وفقا لمحلل في «ريستاد إنرجي»، إذ أعلنت شركة «إكسون موبيل»، على سبيل المثال، خطة لتخفيض نفقاتها، وكذلك فعلت شركة الخدمات البترولية الفرنسية الأميركية «تكنيب إف إم سي»، وتكر سبحة إعلانات الخفض لتشمل معظم الشركات النفطية حول العالم.
ويدخل القطاع حاليا في واحدة من أعنف الأزمات التي شهدها تاريخياً، بعدما هبطت الأسعار نحو 55 في المائة منذ بداية 2020، وأكدت مصادر القطاع أن الشركات الكبيرة تسعى بكل قوتها للحفاظ على بقائها بعدة طرق، أبرزها إجراء تخفيض كبير في المصروفات. وقال محلل في شركة «جيفريز» المتخصصة في هذا القطاع إن الحفاظ على رأس المال هو الشغل الشاغل الآن لتلك الشركات، ويقع على رأس كل الأولويات في هذه المرحلة الصعبة التي لا يمكن التنبؤ بمداها الزمني.
فالضغوط التي تقع على هوامش الأرباح تدفع تلك الشركات إلى إلغاء أو تأجيل مشاريع توسعية كثيرة كانت تخطط لها أو تضعها على سكة التنفيذ، كما أكد تقرير «سيتي بنك» الذي أشار إلى أن «كل الشركات تلغي عقوداً الآن».
إلى ذلك، كشفت ورقة بحثية أعدها محللون في مجموعة «يو بي إس» المصرفية أن 50 في المائة من المشاريع أعلن وسيعلن تأجيلها، وهذا يشمل كل أنواع المشاريع في البر والبحر، في النفط والغاز... وما أعلن حتى تاريخه يشمل 20 في المائة من مشاريع السنة الحالية والباقي متعلق بسنوات مقبلة.
وهذا ما أكدته أيضا دراسة أعدتها شركة «ريستاد إنرجي» التي توقعت تراجع الإنفاق الاستثماري بنحو 100 مليار دولار على الأقل هذه السنة إذا بقيت الأسعار منخفضة على النحو السائد في الأسواق هذه الأيام، علما بأن هذه التخفيضات ستؤثر في مستويات الإنتاج في المديين القصير والمتوسط، لكنها ستحافظ على ميزانيات الشركات نسبياً وتقيها شرور التعثر المالي أو الإفلاسات.
وللمثال، أعلنت شركة «إكسون موبيل»، وهي الشركة الخاصة الأكبر عالميا في هذا القطاع، أنها ستعيد النظر في خططها الاستثمارية «في ظل ظروف غير مسبوقة يشهدها النفط في العالم».
وعلى صعيد متصل، خفضت وكالة «ستاندرد آند بورز» للتصنيف الائتماني درجة جودة ديون شركة «إكسون». وأكد محللون في «بي بي سي كابيتال ماركت» أن الشركة ستخفض استثماراتها بنحو 22 مليار دولار هذه السنة، أي ستهبط بنسبة 25 إلى 30 في المائة مقارنة بما كان مخططاً له. أما شركة «بي بي»، فيتوقع أن تخفض استثماراتها بنحو 2 إلى 3 مليارات دولار في المرحلة الأولى، وكذلك الأمر بالنسبة لشركة «آر بي سي»، وستخفض «شل» ما قيمته 4 إلى 5 مليارات، وشركة «توتال» الفرنسية أعلنت عن اكتشاف مخزونات غاز كبيرة في بحر الشمال لكنها لن تبدأ منشآت استخراجها قبل فترة من الزمن بانتظار ظروف أفضل من التي يشهدها القطاع حالياً.
وعلى صعيد الشركات المساندة والتي تقدم خدمات رديفة، مثل «تكنيب إف إم سي»، فإن التقارير تشير إلى توقع سلبي أكبر، إذ يتوقع تقرير «سيتي بنك» أن تهبط أجندة عقود تلك الشركات إلى مستوى 2014، ويوضح أن عقود 2020 كانت تساوي 1.4 مرة عقود 2019، لكنها ستهبط إلى 0.6 مرة، ثم يرتفع المعدل إلى 0.8 مرة في 2021، ويعود طبيعياً اعتبارا من 2022، أما أرباح شركات الخدمات، فهذه فستتراجع بين 30 و50 في المائة في الأشهر الثلاثة المقبلة، علماً بأن أسعار أسهمها في البورصات هبطت بنسب وصل الأسوأ فيها إلى 70 في المائة بالنسبة لشركة «تكنيب» التي تعد الأكبر بين منافسيها.
ويتوقع تقرير «ريستاد إنرجي» إفلاس 20 في المائة من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تقدم خدمات مساندة، والإفلاسات ستطال تحديدا شركات في بريطانيا والنرويج وفقا للتقرير.
وكانت أسعار النفط تراجعت أكثر خلال الأيام القليلة الماضية خوفاً من انكماش في الاقتصاد العالمي بفعل تداعيات وباء كورونا المستجد التي ضربت معظم البلدان ومعظم القطاعات. وسجلت الأسعار أدنى مستوياتها منذ عام 2003 أي السنة التي انتشر فيها فيروس سارس.
وتفاقم التداعيات دفع المحللين إلى إجراء تخفيضات إضافية في توقعات الطلب العالمي. وقال تقرير لبنك «سوسيتيه جنرال» إن الطلب سيتراجع 5 ملايين برميل في الفصل الثاني من العام، أي نحو 5 في المائة.
وتشير التقارير إلى أن الصين لم تعد هي المشكلة، لأن 70 في المائة من تراجع الطلب يخص الآن دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أي الدول الصناعية الغربية. في المقابل، وإضافة إلى الإنتاج السعودي، زاد الضخ من روسيا والإمارات والكويت، وبات الفائض المعروض نحو 4 ملايين برميل يوميا وفقا لتقرير صادر عن بنك «أوف أميركا ميريل لينش». ولا يتوقع «سوسيتيه جنرال» توازن السوق وبالتالي الأسعار إلا بعد توقف جزء كبير من إنتاج النفط الصخري الأميركي، وتحديدا توقف شركات كثيرة في هذا القطاع تحت أعباء ديون كبيرة. وعندئذ يتوقف حفر آبار صخرية جديدة، مع توقعات بتراجع الإنتاج نحو 4 ملايين برميل يوميا في غضون الأشهر الـ12 المقبلة.
في الأثناء، فإن المخزونات العالمية تتراكم مع توقعات بارتفاعها 900 مليون برميل في الفصل الثاني من السنة الحالية، ما يعني أن الأسعار قد تبقى «مضغوطة» كما هي حالياً بانتظار الفصلين الثالث والرابع بعدما ينقشع ضباب تداعيات كورونا ويهبط إنتاج النفط الصخري بقوة.


مقالات ذات صلة

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

الاقتصاد مفوض الاتحاد الأوروبي للعمل المناخي فوبكي هوكسترا في مؤتمر صحافي على هامش «كوب 29» (رويترز)

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

تتواصل المفاوضات بشكل مكثّف في الكواليس للتوصل إلى تسوية نهائية بين الدول الغنية والنامية رغم تباعد المواقف في مؤتمر المناخ الخميس.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد أشخاص يقومون بتعديل لافتة خارج مكان انعقاد قمة المناخ التابعة للأمم المتحدة (أ.ب)

أذربيجان تحذر: «كوب 29» لن ينجح دون دعم «مجموعة العشرين»

استؤنفت محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29)، يوم الاثنين، مع حث المفاوضين على إحراز تقدم بشأن الاتفاق المتعثر.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد سفينة شحن في نهر ماين أمام أفق مدينة فرنكفورت الألمانية (رويترز)

«المركزي الألماني»: خطط ترمب الجمركية نقطة تحول في التجارة العالمية

أعرب رئيس البنك المركزي الألماني عن خشيته من حدوث اضطرابات في التجارة العالمية إذا نفّذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خططه الخاصة بالتعريفات الجمركية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد لافتة للبنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

ناغل من «المركزي الأوروبي»: تفكك الاقتصاد العالمي يهدد بتحديات تضخمية جديدة

قال عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، يواخيم ناغل، إن هناك تهديداً متزايداً بتفكك الاقتصاد العالمي، وهو ما قد يضع البنوك المركزية أمام تحديات تضخمية جديدة.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)
الاقتصاد يقف المشاركون وموظفو الأمن خارج مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في باكو (إ.ب.أ)

الدول في «كوب 29» لا تزال بعيدة عن هدفها بشأن التمويل المناخي

كانت عوامل التشتيت أكبر من الصفقات في الأسبوع الأول من محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29)، الأمر الذي ترك الكثير مما يتعين القيام به.

«الشرق الأوسط» (باكو)

أميركا وأوروبا ودول أخرى ترفع التمويل المناخي للدول النامية إلى 300 مليار دولار

رجل يحمل حقيبة سفر بالقرب من مدخل مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP29 في باكو (رويترز)
رجل يحمل حقيبة سفر بالقرب من مدخل مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP29 في باكو (رويترز)
TT

أميركا وأوروبا ودول أخرى ترفع التمويل المناخي للدول النامية إلى 300 مليار دولار

رجل يحمل حقيبة سفر بالقرب من مدخل مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP29 في باكو (رويترز)
رجل يحمل حقيبة سفر بالقرب من مدخل مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP29 في باكو (رويترز)

وافق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودولاً غنية أخرى، خلال قمة الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ (كوب29) على زيادة عرضها لهدف التمويل العالمي إلى 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2035. وفق وكالة «رويترز» نقلاً عن مصادر مطلعة.

وكان من المقرر اختتام القمة الجمعة، لكنها امتدت لوقت إضافي مع سعي مفاوضين من نحو 200 دولة للتوصل إلى اتفاق بشأن خطة التمويل المناخي العالمية في العقد المقبل. ولا بد من حدوث توافق بين المفاوضين من أجل اعتماد أي اتفاق.

جاء هذا التحول في المواقف بعد أن رفضت الدول النامية يوم الجمعة اقتراحاً صاغته أذربيجان التي تستضيف المؤتمر لاتفاق ينص على تمويل قيمته 250 مليار دولار، ووصفته تلك الدول بأنه قليل بشكل مهين.

ولم يتضح بعد ما إذا كانت الدول النامية في مؤتمر (كوب29) قد أُبلغت بالموقف الجديد للدول الغنية، ولم يتضح كذلك ما إذا كان الموقف كافياً للفوز بدعم الدول النامية.

وقالت خمسة مصادر مطلعة على المناقشات المغلقة إن الاتحاد الأوروبي أبدى موافقته على قبول المبلغ الأعلى. وذكر مصدران أن الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا وافقت أيضاً.

وأحجم المتحدثان باسم المفوضية الأوروبية والحكومة الأسترالية عن التعليق على المفاوضات. ولم يرد وفد الولايات المتحدة في المؤتمر أو وزارة الطاقة البريطانية بعد على طلب للتعليق.

وتترقب الوفود المشاركة في (كوب29) في باكو بأذربيجان مسودة جديدة لاتفاق عالمي بشأن تمويل المناخ يوم السبت، بعد أن واصل المفاوضون العمل خلال ساعات الليل.

وكشفت محادثات (كوب29) عن الانقسامات بين الحكومات الغنية المقيدة بموازنات محلية صارمة وبين الدول النامية التي تعاني من خسائر مادية هائلة نتيجة العواصف والفيضانات والجفاف، وهي ظواهر ناجمة عن تغير المناخ.

ومن المزمع أن يحل الهدف الجديد محل تعهدات سابقة من الدول المتطورة بتقديم تمويل مناخي بقيمة 100 مليار دولار سنوياً للدول الفقيرة بحلول عام 2020. وتم تحقيق الهدف في 2022 بعد عامين من موعده وينتهي سريانه في 2025.