سنوات السينما

نك نولتي في «الخيط الأحمر الرفيع»
نك نولتي في «الخيط الأحمر الرفيع»
TT

سنوات السينما

نك نولتي في «الخيط الأحمر الرفيع»
نك نولتي في «الخيط الأحمر الرفيع»

- الفيلم: (The Thin Red Line) ‬
- العام: ‪(‬2007‪)
- التقييم: ★★★★
في عامين متتاليين، 2006 و2007، ظهر فيلمان يدوران في رحى الحرب العالمية الثانية. واحد جيد والآخر أفضل منه. الأول حقق نجاحاً خارقاً. الثاني لم ينجز هذا الوعد ويكاد النسيان أن يطويه.‬
إنهما «إنقاذ المجند رايان» لستيڤن سبيلبرغ، والثاني «الخيط الأحمر النحيف» لترنس مالك.
هذا الثاني انتمى لسينما فنية تمارس التأمل في حالات الإنسان والطبيعة الداخلية التي تحركه في اتجاهات حياته. انتمى لفنان ينظر إلى العالم وجودياً ويحلله روحانياً ويسبر عمق شخصياته على نحو يختلف عن كل مخرج حي آخر.
في أساسه هو اقتباس لرواية جيمس جونز المنشورة سنة 1962 كنوع من السيرة الذاتية له. كتب جونز الرواية جزءاً من ثلاثية حول تلك التجربة التي خاضها خلال الحرب، واشتملت على «من هنا حتى الأبدية» (1951)، و«الخيط الأحمر الرفيع» (1962)، ثم «ويسل» (Whistle التي مات قبل أن يكملها ونشرت بعد عام على وفاته سنة 1978).
بعدما تم اقتباس «من هنا حتى الأبدية» (From Here to Eternity) على يدي المخرج فرد زنمان سنة 1953 أنجز أندرو مارتن نسخة من «الخيط الأحمر الرفيع» سنة 1964 والعلاقة بين هذه النسخة وبين فيلم ترنس مالك تناقضية لا يجمع بين طرفيها إلا خيط نحيف بدوره.
كان مالِك انقطع عن الإخراج عشرين سنة قبل عودته لتحقيق هذا الفيلم. قبله أخرج «بادلاندز» سنة 1973، و«أيام الجنة» سنة 1978، ثم توقف عن العمل رغم النجاح النقدي الذي لفت الأنظار إليه.
فيلم مالِك حربي النوع، لكنه إنساني الشغف. يحتوي على نوعين من الشخصيات: جنود يتمنون لو أتيح لهم التواجد في أماكن أخرى تخلو من القتل، أو مع أحبائهم وذويهم، وآخرون مندفعون لتحقيق الغاية التي جاءوا من أجلها: قتل العدو. الغطاء الأكبر لهذه الغاية هو الحرب الواقعة في اتجاهين، فالعدو هنا (اليابانيون) يمارسون العدوان بقدر ما يمارس الأميركيون القتال. والكل أمام احتمالين يكسوهما غبار المعارك والقذائف وأصوات الرصاص المتطاير: أن يَقتل أو يُقتل.
ما يشغل بال المخرج ليس المعارك بحد ذاتها، رغم ذلك يدير مشاهد القتال بواقعية وخبرة. ما بين هذه المشاهد يملأ المخرج الوقت بالمناجاة والحوارات والتأملات وبالتعليق الصوتي. إنه كمن يريد اختصار العالم إلى تلك الفترة الزمنية التي يستعرضها متحدثاً عن الوداعة والعنف على حد سواء.
لدينا الضابط كولونيل تول (نك نولتي) الذي يصل متحمساً لخوض المعركة الفاصلة والكابتن ستاروس (إلياس كوتياس) الذي يهتم برجاله ويريد تجنيبهم الموت إذا استطاع. هذا على عكس ولش (شون بن) الذي يتبدى لنا قائداً يريد الإنجاز بصرف النظر عن الثمن المدفوع. هناك شخصيات أخرى، أبرزها تلك التي يؤديها بن تشابلن الذي يستغل استراحات المحارب لكي يكتب لحبيبته كل ما في داخله من مشاعر. أيضاً ذلك المجند الهارب من الخدمة (جيم كاڤييزل) الذي يشعر بالألفة وسط الغابة ومستوطنيها الأصليين.
تتقاطع هذه الشخصيات ويحوم المخرج فوقها جميعاً. ما يلبث ستاروس وتول أن يتعارضا عندما يرفض الأول تنفيذ أوامر قائده بالهجوم لأنه يعتبر ذلك خطأ سيؤدي لإبادة رجاله.
«الخيط الأحمر الرفيع» كان بداية توجهات المخرج صوب الكاميرا التي لا تركّز على الشخص أو المكان. تتركهما لتنتقل إلى سواهما. هذا كان جديداً على النقاد حينها؛ مما جعل بعضهم يعتقد أنه شاهد فيلماً غير مترابط الوقائع ولا يمر في سياق واحد. هذا إلى جانب أن عديدين دخلوا الفيلم آملين في عمل يعزز رؤاهم حول السينما الحربية الجديدة كما رسمها سبيلبرغ في فيلمه. عوض ذلك وجدوا عملاً يبحث في الحرب كمفهوم مناهض لما كان على الإنسان أن يمارسه كلقاء مع الروح والطبيعة معاً.


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )

«وين صرنا؟»... التجربة الإخراجية الأولى للتونسية درة تلفت الأنظار

الممثلة التونسية درة وعلى يمينها حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي مع أبطال فيلم «وين صرنا؟» خلال عرضه الأول في المهرجان أمس (إكس)
الممثلة التونسية درة وعلى يمينها حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي مع أبطال فيلم «وين صرنا؟» خلال عرضه الأول في المهرجان أمس (إكس)
TT

«وين صرنا؟»... التجربة الإخراجية الأولى للتونسية درة تلفت الأنظار

الممثلة التونسية درة وعلى يمينها حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي مع أبطال فيلم «وين صرنا؟» خلال عرضه الأول في المهرجان أمس (إكس)
الممثلة التونسية درة وعلى يمينها حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي مع أبطال فيلم «وين صرنا؟» خلال عرضه الأول في المهرجان أمس (إكس)

لم تكن الحياة في غزة سهلة أو حتى طبيعية قبل حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، لكن حتى هذه الأيام يحن لها الآن الناجون من القطاع ويتمنون استعادتها، ومنهم نادين وعائلتها أبطال الفيلم الوثائقي «وين صرنا؟» الذي يمثل التجربة الإخراجية والإنتاجية الأولى للممثلة التونسية درة زروق، والذي لفت الأنظار خلال العرض في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

يستعرض الفيلم على مدى 79 دقيقة رحلة نزوح نادين وطفلتيها التوأمتين وإخوتها وأمها من حي تل الهوى بمدينة غزة يوم 13 أكتوبر 2023 وصولاً إلى مصر بعد ثلاثة أشهر من بدء الحرب.

ويعتمد في مجمله على سرد أفراد العائلة في القاهرة لذكريات حياتهم في غزة قبل الحرب ومغادرتهم منزلهم قسراً بناء على أمر إخلاء من القوات الإسرائيلية، حاملين معهم أبسط المتعلقات الشخصية على أمل العودة قريباً وانتقالهم إلى مخيم النصيرات، ثم رفح.

وفي مقابل ارتياح مؤقت بالنجاة من قصف مكثف حصد آلاف الأرواح من بينهم جيرانها وأصدقاؤها، يعتصر الخوف قلب نادين بسبب زوجها عبود الذي لم يستطع الخروج مع العائلة وظل عالقاً في غزة.

ويظهر عبود في لقطات من غزة معظمها ملتقط بكاميرا الهاتف الجوال وهو يحاول تدبير حياته بعيداً عن الأسرة، محاولاً إيجاد سبيل للحاق بهم في القاهرة حتى يكلل مسعاه بالنجاح.

وفي رحلة العودة يمر عبود بشواطئ غزة التي اكتظت بالخيام بعدما كانت متنفساً له ولأسرته، والأحياء والشوارع التي دُمرت تماماً بعدما كان يتسوق فيها ويعمل ويعيل عائلته رغم الحصار المفروض على القطاع منذ سنوات، ويتساءل قائلاً: «يا الله... وين كنا ووين صرنا؟!».

وقالت الممثلة درة زروق مخرجة الفيلم قبل عرضه العالمي الأول، أمس (الجمعة)، في دار الأوبرا المصرية ضمن الدورة الخامسة والأربعين للمهرجان: «أبطال الفيلم ناس حقيقية من فلسطين... كلنا عملنا الفيلم بحب وإيمان شديد بالقضية الإنسانية اللي بنتكلم عنها».

وأضافت حسبما نقلت وكالة «رويترز» للأنباء: «حبيت أقرب منهم من الجانب الإنساني، المشاعر؛ لأنهم عمرهم ما هيبقوا أرقام، هما ناس تستحق كل تقدير، وشعب عظيم».

وينافس الفيلم ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية» في المهرجان الذي يختتم عروضه يوم 22 نوفمبر (تشرين الثاني).