الحكومة العراقية تحيل الألقاب العثمانية إلى التقاعد

بعد 4 قرون من استخدامها لأول مرة

الحكومة العراقية تحيل الألقاب العثمانية إلى التقاعد
TT

الحكومة العراقية تحيل الألقاب العثمانية إلى التقاعد

الحكومة العراقية تحيل الألقاب العثمانية إلى التقاعد

رحبت أوساط شعبية وإعلامية في العاصمة بغداد بقرار الحكومة العراقية إلغاء أوصاف مثل «فخامة ومعالي وسيادة وسعادة وغيرها» من التداول في المخاطبات الرسمية والإبقاء على التعريف الوظيفي للمسؤول، ووصفوه بالخطوة المهمة للتخلص من البيروقراطية والاستعلاء على المواطن.
وشاع في الأوساط السياسية العراقية في الدورتين الماضيتين استخدام عبارات مثل «فخامة» و«معالي» و«سيادة» و«سعادة» وغيرها من عبارات التضخيم التي تسبق أسماء كبار المسؤولين في البلاد وانتقلت عدواها إلى بعض المديرين العامين في الدوائر الرسمية الذي لم يتحرجوا من خط تلك الألقاب تسبق أسماءهم بلافتات بارزة تعلو مكاتبهم الإدارية وإضافتها للمخاطبات اليومية أيضا.
وأعلن الرئيس فؤاد معصوم قراره بحذف وصف «فخامة»، والإبقاء على التعريف الوظيفي «رئيس الجمهورية»، إيمانا منه بأن «الألقاب لا تقيم الناس، بل إن أفعالهم هي التي تقيمهم». وأكد مصدر في رئاسة الوزراء صدور تعليمات بإلغاء الألقاب العثمانية (فخامة، ودولة، وسيادة)، كونها بدعة جديدة ظهرت في العراق بعد 2003، وكانت كلمات مشابهة لها مستخدمة في العهد الملكي للبلاد مثل الباشا والبيك، وغيرهما.
الأكاديمية والأديبة إرادة الجبوري قالت في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «إنها خطوة جيدة ومهمة لحكومة جديدة تسعى للتغيير، فهؤلاء موظفون في الحكومة العراقية ولا داعي لهذه التزويقات والمبالغات».
وأضافت: «يجب حذف الألقاب أيضا من أسماء العراقيين في هوياتهم الشخصية والثبوتية، كونها أسهمت بتعزيز الفرقة والطائفية». وتمنت الجبوري أن تفعل تلك الخطوة أكثر في التعامل اليومي مع «مشكلات المواطنين والابتعاد عن النظرة الاستعلائية له». وقال عميد كلية الإعلام في جامعة بغداد الدكتور هاشم حسن لـ«الشرق الأوسط»: «إن فروض الاحترام البروتوكولية التي سادت أخيرا في التداول فقدت حدودها المعقولة لتشهد مبالغة مفرطة في التعامل مع المسؤول وتقديمه».
وتساءل عن أهمية تلك الصفات في ظل الخراب والفساد الإداري الكبير الذي يعم معظم تلك المؤسسات الحكومية.
عماد الأسدي، مشرف تربوي، قال: «الألقاب التضخيمية للحكام لازمتهم منذ ظهور منظومات السلطة وترسيخها في أذهان المحكومين، وهي غالبا ما تعني الهيمنة والسلطة المطلقة»، مضيفا: «إن إعادتها للأذهان تعود بالذاكرة إلى تعزيز مهمة تقديس الملوك والمسؤولين وتفريقهم عن باقي الشعوب، في حين أنها تزيد من البيروقراطية في البلاد والتعالي على المواطن».
ومن جانبه، علق الباحث التاريخي العراقي باسم عبد الحميد حمودي على أصل الألقاب الملغية: «الأصل في كلمات الوجاهة التي تسبق أسماء الوزراء والرؤساء مثل (فخامة) و(معالي) أنها عثمانية، لكنها جاءت بتركيب عربي، عندما سيطرت اللغة العثمانية وبعض التقاليد وحتى الأكلات الشائعة على مدى 4 قرون من وجودهم في البلاد، وشاعت بعدها ألقاب مثل (الباشا) و(البيك) التي اختفت هي الأخرى في العهد الجمهوري عام 1958 فيما بعد واستخدمها المصريون أيضا بإضافة كلمة صاحب السعادة أو صاحب المعالي، وقد تداولت كعرف اجتماعي سياسي».
وأضاف: «ألغيت الألقاب عند سقوط الملكية في العراق، لكنها عادت من جديد بعد عام 2003 وفضلها المسؤولون للوجاهة والتسيد على الشعب». ورحب حمودي بخطوة إلغائها لأنها: «ستعيد الأمور إلى نصابها».
أما الباحث المتخصص في العلوم الاجتماعية والنفسية حكمت السعد، فقال: «إن الدلالات النفسية لألقاب (الفخامة)، و(دولة الرئيس)، و(معالي)، تعني التميز عن الآخرين وأفضلية الحاكم على الآخرين في شخصيته وقدراته العقلية والتي تفضي بالنتيجة إلى الاستعلائية التي تمنحه حق التسلط عليهم، وتجعل منه شخصا نرجسيا يريد من الآخرين الإعجاب الدائم والحب والإخلاص والطاعة والنظر إليه على أنه على حق في كل ما يقول ويفعل».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».