مهرجان الأقصر الدولي للفنون التلقائية يكرم 15 مبدعا عربيا

إهداء الدورة الأولى إلى {شهداء} مصر من الجيش والشرطة

جانب من العروض
جانب من العروض
TT

مهرجان الأقصر الدولي للفنون التلقائية يكرم 15 مبدعا عربيا

جانب من العروض
جانب من العروض

أطلقت مصر فعاليات الدورة الأولى لمهرجان «الأقصر الدولي للفنون التلقائية ومسرح الطفل» الليلة قبل الماضية، الذي يقام بمشاركة فرق من 10 دول عربية ويستمر لـ4 أيام، فيما قررت إدارة المهرجان إهداء دورته الأولى إلى شهداء مصر من رجال الجيش والشرطة الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن.
بدأ حفل الافتتاح الذي شهده اللواء طارق سعد الدين محافظ الأقصر، وأقيم أمام فندق «ونتر بالاس» التاريخي المطل على كورنيش نيل الأقصر (جنوب مصر) بعروض فنية وموسيقية، واستعراض لفرق الفنون الشعبية والكشافة، وفقرات متنوعة مما بين الفلكلور الصعيدي وموسيقى السمسمية، وفقرات زهرات الأطفال وبراعم المدارس من محافظات أسوان والإسكندرية وبورسعيد والأقصر.
وقدمت 13 فرقة عربية ومصرية عروضها في حفل افتتاح المهرجان الذي يستمر لمدة 4 أيام، بمشاركة 10 دول عربية هي: المملكة العربية السعودية، والإمارات، والمغرب، والأردن، والسودان، والعراق، وليبيا، والجزائر، وتونس، بجانب مصر، وقالت الدكتورة هنا مكرم رئيسة المهرجان إن «فعالياته سوف تتواصل ما بين ندوات وورش عمل وعروض فنية ومعارض تشكيلية حتى الأربعاء المقبل». ولفتت إلى أن المهرجان سوف يتضمن عروضا فنية لفرق الفنون الشعبية، ومسرح الطفل بالشوارع والميادين وفرقة توماس وعافية للفنون الشعبية وفرقة فنون أطفال أبو سمبل وكورال أطفال أسوان بعروضهم الفنية في المهرجان، بجانب معارض للفنون التشكيلية وعروض لمسرح الطفل وندوات وورش عمل فنية حول الفنون التلقائية ومسرح الطفل بالوطن العربي. وشهد حفل الافتتاح الرسمي للمهرجان تكريم 15 شخصية من المبدعين والفنانين العرب، فمن الإمارات تم تكريم المخرج والممثل خليفي راشد، والكاتب والمخرج مجدي محفوظ، والكاتب والمخرج محمود أبو العباس، والكاتب والمخرج أحمد أبو رحيم. ومن العراق كرم الشاعر والكاتب ضياء الأسري، والشاعر والكاتب المسرحي جليل خزعل. ومن الأردن تم تكريم الشاعر والكاتب محمد جمال عمرو، والمخرج والممثل علي عليان. ومن تونس المخرج والممثل الأزهر بوعزيزي. ومن السعودية الممثل مساعد الزهراني. ومن المغرب الممثلة فاطمة الزهراء أحرار. ومن السودان الكاتب والمسرحي عبد العظيم أحمد. ومن مصر الشاعر والكاتب المسرحي عبده الزراع، وعزت شفيق مدير عام قصر ثقافة الأقصر.
من جانبه، رحب محافظ الأقصر بالوفود المشاركة من الدول العربية، داعيا الجميع إلى زيارة آثار الأقصر والاستمتاع بأمن وأمان المحافظة السياحة التي تفتح ذراعها للجميع، لافتا إلى أن إقامة المهرجان على أرض المحافظة هي تأكيد على أمنها وأمانها، وتأتي في إطار سعي الأقصر لتنويع منتجها السياحي، واستعادة مكانتها الثقافية والحضارية التي عرفتها عبر تاريخها الضارب في أعماق التاريخ. وأضافت الدكتورة هنا مكرم رئيسة المهرجان أن «إدارة المهرجان قررت إهداء دورته الأولى إلى شهداء مصر من رجال الجيش والشرطة الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن». وشهد حفل الافتتاح تكريم اسم وعائلة محمد حجاج علي (شهيد الأقصر في حادث كمين كرم القواديس الأخير بسيناء).
وفي كلمته باسم الوفود العربية بالمهرجان، قال الدكتور محمود أسود خليفة، الوكيل المساعد لوزارة الثقافة العراقية، إن «خفافيش الظلام من الإرهابيين والمتطرفين لن يكون لهم مكان في العراق أو ليبيا أو مصر أو أي شبر من بلدان الوطن العربي»، مشيرا إلى أن الشعوب العربية ستتصدى لهم وستنتصر عليهم وعلى كل قوى الشر والإرهاب». وأشاد خليفة بوحدة المصريين وما شاهده خلال المهرجان من عناق ومحبة بين رجال الدين الإسلامي والمسيحي وبكرم المصريين وطيبتهم.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)