باكستان تبني سوراً على الحدود لتقييد حركة المسلحين

سيحدّ من الهجمات الإرهابية... لكنه يثير استياء أفغانستان ويتسبب في معاناة الأسر المتنقلة

السور الذي يبلغ طوله 1600 ميل والمقرر الانتهاء منه خلال العام الحالي سيحدّ من الهجمات الإرهابية بين البلدين (نيويورك تايمز)
السور الذي يبلغ طوله 1600 ميل والمقرر الانتهاء منه خلال العام الحالي سيحدّ من الهجمات الإرهابية بين البلدين (نيويورك تايمز)
TT

باكستان تبني سوراً على الحدود لتقييد حركة المسلحين

السور الذي يبلغ طوله 1600 ميل والمقرر الانتهاء منه خلال العام الحالي سيحدّ من الهجمات الإرهابية بين البلدين (نيويورك تايمز)
السور الذي يبلغ طوله 1600 ميل والمقرر الانتهاء منه خلال العام الحالي سيحدّ من الهجمات الإرهابية بين البلدين (نيويورك تايمز)

بدأ يخيم على الشاحنات والمسافرين المصطفين على المعبر الشرقي الرئيسي بين أفغانستان وباكستان، بناء جديد يقترب في ارتفاعه من الجبال الملونة، وهو يتكون من سورين مزدوجين متشابكين متوازيين يفصلهما نحو قدمين وفوقهما لفّات من الأسلاك الشائكة.
وساهم السور، الذي يبلغ طوله 1600 ميل والمقرر الانتهاء منه خلال العام الحالي، عبر الحدود بين البلدين في استقرار الوضع الأمني بين البلدين إلى حد ما. ولا يقدم الجزء، الذي يطل على توركهام من السور، سوى لمحة عن سياج يمتد بطول 1600 ميل، وقد بدأ الجيش الباكستاني في بنائه منذ 4 أعوام، ومن المقرر الانتهاء منه خلال العام الحالي. وعلى بعد نحو 9 آلاف ميل من السياج، الذي أمر بتشييده الرئيس الأميركي دونالد ترمب على الحدود مع المكسيك، عكفت باكستان بهدوء على بناء نسختها الخاصة في محاولة للسيطرة على حدود تعد الأكثر اختراقاً على مستوى العالم.
ويؤكد الجيش الباكستاني أن ذلك السور يحدث تحولاً في الوضع الأمني في البلاد؛ حيث سيحدّ من الهجمات الإرهابية بشكل كبير، بعدما نجحت عملية عسكرية شاملة مستدامة في إبعاد المسلحين وعشرات الآلاف من اللاجئين المدنيين إلى أفغانستان. مع ذلك يمثل هذا السياج الحدودي العازل استعراضاً للقوة الغاشمة بشكل يضرّ الجهود الدبلوماسية مع أفغانستان، وأيضاً حياة قبائل البشتون التي لطالما تجاهلت وجود الحدود لأجيال، بحسب تقرير لـ«نيويورك تايمز» أمس. وعلى الجانب الآخر تعترض أفغانستان على الحدود، التي تم بناء السور عليها، على أساس أنه قد تم ترسيمها من جانب مسؤولين بريطانيين إبّان فترة الاستعمار عام 1893 فيما يعرف باسم خط «دوراند». ونظراً لامتداد السياج على طول مئات الأميال، فإنه يقطع الطرق مروراً بالجبال التي يستخدمها المهربون والمسلحون والتجار والأسر على حد سواء؛ بحسب مقابلات تم إجراؤها مع مسؤولين حكوميين وشيوخ قبائل ودبلوماسيين.
ولطالما نظرت باكستان في مسألة بناء سياج حدودي، لكن لم تبدأ عملية البناء فعلياً إلا في عام 2016 بعدما أسفرت هجمات عسكرية مكلّفة عن إخلاء كثير من المسلحين منطقة القبائل في البلاد وذهابهم إلى أفغانستان. وتم الانتهاء حالياً من بناء نحو 800 ميل من السور، الذي تبلغ تكلفته 450 مليون دولار، ولا يزال هناك ألف حصن حدودي تحت الإنشاء، بحسب بيان صادر عن الجناح الإعلامي للجيش الباكستاني. ويمر السور بجبال مانعة حيث يتسبب تساقط الصخور والانهيارات الصخرية في أضرار مستمرة.
القسم الأكبر من العمل غير مرئي أو واضح للعامة أو الحكومات الأخرى، حيث قال مسؤول باكستاني رفيع المستوى تحدث شريطة عدم ذكر اسمه لعدم التصريح له بالحديث علناً عن الأمر: «إنها مهمة بطولية خارقة بسبب طبيعة الأرض هناك». ورغم تلك الصعوبة، فإن مسؤولين رفيعي المستوى يقولون إن أثر ذلك الإنجاز على الأمن كبير وهائل رغم عدم إتمام عملية البناء بعد، حيث أشاروا إلى تراجع عدد الهجمات، التي ينفذها مسلحون مرتبطون بحركة «طالبان» باكستان تابعون لتنظيم يُعرف باسم «تحريك طالبان»، بعد اضطرار أكثرهم إلى الذهاب إلى أفغانستان.
وقد بلغ عدد الهجمات التي نفذها ذلك التنظيم في باكستان خلال العام الماضي 82 هجوماً فقط، بعد أن كان عدد الهجمات قد وصل إلى 352 هجوماً عام 2014. وذلك بعد بدء تنفيذ العملية العسكرية بحسب «معهد باك لدراسات السلام» في إسلام آباد، والذي يراقب أعمال العنف المتطرفة. وتثير صعوبات وتحديات الحفاظ على الجدار ومراقبة عدم اختراقه تساؤل بعض الدبلوماسيين عن مدى عمله بشكل واقعي في ظل عدم تزويده بوسائل تكنولوجية مساعدة مثل كاميرات مراقبة، أو غيرها من أدوات المراقبة.
وذكر الجيش الباكستاني في بيان أن الجدار معزز «بأنظمة مراقبة ورصد الاختراق» إلى جانب إقامة حصون حدودية، ولم يتم ذكر أي تفاصيل أخرى. كذلك صرح مسؤول أمني باكستاني قائلاً: «الوضع الأمني أفضل كثيراً، لكن لا يمكن القيام بكل شيء باستخدام الجدار. سوف يظل الناس يعبرون من خلاله، وهم يبدون مثل السكان المحليين ويعيشون بينهم».
مع ذلك، خلال الأشهر القليلة الماضية ازدادت التقارير التي تشير إلى تمكن بعض مقاتلي حركة «طالبان باكستان» من العودة إلى بعض مناطق القبائل في الشمال الغربي. وتم قتل 3 أشخاص على الأقل يوم الاثنين الماضي من بينهم عقيد باكستاني في تبادل لإطلاق النار بين جنود ومسلحين في منطقة تانك بالقرب من جنوب وزيرستان. كذلك قام مسلحون بمهاجمة مجموعات مشاركة في بناء الجدار الحدودي، ونشروا مقاطع مصورة يظهرون خلالها وهم يهدمون أجزاء من السور، ويستولون على مواد بناء.
كذلك من المرجح أن يساعد الفساد ودفع الرشى الناس في العثور على طرق يعبرون بها السور في منطقة يمثل فيها التهريب طريقة حياة بالنسبة لكثيرين. وربما ينجح السور في عرقلة عمليات عبور الحدود بشكل غير قانوني، لكنه لن يمنعها تماماً؛ على حد قول إليزابيث ثريلكيلد، التي عملت دبلوماسية أميركية في مدينة بيشاور الحدودية حتى عام 2016 وتعمل حالياً لدى مركز «ستيمسون» البحثي المعني بالسياسات الخارجية.
ويصطف يومياً أطفال يرتدون ملابس برتقالية على معبر توركهام قاصدين الذهاب إلى المدرسة على الجانب الباكستاني قادمين من أفغانستان، مما يوضح مدى استمرار وجود صلات حدودية. مع ذلك، صاحب بناء السور تشديد قوانين الهجرة، حيث يحتاج المسافرون إلى جوازات سفر، وتأشيرات لعبور الحدود، وازدادت الصفوف أمام السفارات في كابل وإسلام آباد طولاً. كذلك بات على التجار دفع رسوم جمركية، مما زاد سخطهم. ويؤثر الجدار الجديد سلباً على النسيج الاجتماعي للقبائل والعائلات التي تمارس أنشطة على جانبي الحدود، حيث أصبح السفر والتنقل أكثر صعوبة، وبدأت العائلات في اختيار الاستقرار على جانب واحد فقط.
وأخيراً؛ يقول محمد أمير رانا، مدير «معهد باك لدراسات السلام»: «السؤال هو: على المدى الطويل؛ هل سيكون للجدار أثر اجتماعي وثقافي حقيقي على هذه المنطقة أم لا؟».


مقالات ذات صلة

«طالبان» حليف غير متوقَّع في مكافحة الإرهاب

تحليل إخباري يقف أعضاء «طالبان» التابعون لوزارة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» في نقطة تفتيش على طول طريق على مشارف ولاية هرات... 4 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

«طالبان» حليف غير متوقَّع في مكافحة الإرهاب

بعد 3 سنوات على خروج الائتلاف الغربي من أفغانستان وسط فوضى عارمة مع سيطرة «طالبان» على كابل، باتت الحركة محاوراً غير متوقَّع في مكافحة الإرهاب.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
أوروبا عناصر من الشرطة الألمانية المختصة بمكافحة الإرهاب (غيتي)

تحريك دعوى قضائية في ألمانيا ضد 3 مراهقين للاشتباه بإعدادهم لهجوم إرهابي إسلاموي

حرك الادعاء العام الألماني دعوى قضائية ضد 3 مراهقين من ولاية شمال الراين-ويستفاليا بتهمة الإعداد لهجوم إرهابي إسلاموي.

«الشرق الأوسط» (دوسلدورف )
شمال افريقيا الرئيس التونسي قيس سعيّد في اجتماع قبل أيام حول ملف الهجرة غير النظامية مع وزير الداخلية خالد النوري وكاتب الدولة للأمن سفيان بالصادق (من موقع الرئاسة التونسية)

تونس: إيقافات ومحاكمات لتونسيين وأفارقة متهمين بتهريب البشر

كشفت مصادر أمنية وقضائية رسمية تونسية أن الأيام الماضية شهدت حوادث عديدة في ملف «تهريب البشر» من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء نحو تونس.

كمال بن يونس (تونس)
شؤون إقليمية مجلس الأمن القومي التركي برئاسة إردوغان أكد استمرار العمليات العسكرية ودعم الحل في سوريا (الرئاسة التركية)

تركيا ستواصل عملياتها ضد «الإرهاب» ودعم الحل السياسي في سوريا

أكدت تركيا أنها ستواصل عملياتها الهادفة إلى القضاء على التنظيمات الإرهابية في سوريا إلى جانب تكثيف جهود الحل السياسي بما يتوافق مع تطلعات ومصالح الشعب السوري.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا قوات باكستانية خلال دورية في بيشاور (وسائل إعلام باكستانية)

فشل جهود الحكومة الباكستانية في منع تصاعد العنف بالبلاد

استمر العنف في الارتفاع بمقاطعتين مضطربتين في باكستان مع مواصلة الجيش المشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب في شمال غربي وجنوب غربي البلاد

عمر فاروق (إسلام آباد )

تبديل على رأس «الناتو»... لكن لا تغيير متوقعاً في عمل الحلف

جنود مشاركون بمناورات لـ«الناتو» في لاتفيا (أرشيفية - إ.ب.أ)
جنود مشاركون بمناورات لـ«الناتو» في لاتفيا (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

تبديل على رأس «الناتو»... لكن لا تغيير متوقعاً في عمل الحلف

جنود مشاركون بمناورات لـ«الناتو» في لاتفيا (أرشيفية - إ.ب.أ)
جنود مشاركون بمناورات لـ«الناتو» في لاتفيا (أرشيفية - إ.ب.أ)

يتولى رئيس الوزراء الهولندي السابق، مارك روته، الثلاثاء، قيادة «حلف شمال الأطلسي (ناتو)»، لكن التناوب على رأس أكبر حلف عسكري في العالم لا يعني أنه سيكون بالإمكان إحداث تغيير جذري في عمله.

وقال إيان ليسر، من معهد «جيرمان مارشال فاند» للدراسات في بروكسل: «في (حلف الأطلسي) يتقرر كل شيء؛ كل شيء على الإطلاق، من أتفه الأمور إلى أكثرها استراتيجية، بالإجماع... وبالطبع؛ فإن مدى الاحتمالات المتاحة للأمناء العامين لإحداث تغيير في العمق في عمل (حلف الأطلسي)، يبقى محدوداً جداً».

ويعمل الأمين العام «في الكواليس» من أجل بلورة القرارات التي يتعين لاحقاً أن توافق عليها الدول الأعضاء الـ32.

وأوضح جامي شيا، المتحدث السابق باسم «الحلف» والباحث لدى معهد «تشاتام هاوس» البريطاني للدراسات، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أن الأمين العام «لديه سلطة تحديد الأجندة، وهو الذي يترأس (مجلس شمال الأطلسي)؛ الهيئة السياسية للقرار في (الحلف)». لكنه لا يمسك وحده بقرار الدخول في حرب، وليس بالتأكيد من يضغط على الزر النووي، فهاتان من صلاحيات الدول الأعضاء؛ على رأسها الولايات المتحدة.

وهذا لا يعني أن قائد «الحلف» لا يملك نفوذاً.

وأشار إيان ليسر في هذا الصدد إلى أن الأمين العام الأسبق، جورج روبرتسون، كان له دور مهم في تفعيل «المادة5» بعد اعتداءات «11 سبتمبر (أيلول) 2001» على الولايات المتحدة.

ستولتنبرغ مع روته بالمقر الرئيسي لـ«الناتو» في بروكسل يوم 17 أبريل 2024 (رويترز)

وتنص «المادة5» من ميثاق «الناتو» على أن أي هجوم على دولة عضو «سيعدّ هجوماً على كل الأعضاء»، تحت عنوان: «الدفاع الجماعي». وجرى تفعيلها مرة واحدة في كل تاريخ «الحلف» لمصلحة الولايات المتحدة ولو رمزياً.

كما أن شخصية الأمين العام الجديد سيكون لها دور، وهذا ما يثير ترقباً حيال مارك روته بعد 10 سنوات من قيادة رئيس الوزراء النرويجي السابق ينس ستولتنبرغ.

فهل يعمل على ترك بصماته منذ وصوله، أم ينتظر ولاية ثانية محتملة؟

وقال شيا إن الأمناء العامين «يميلون عند وصولهم إلى أن يكونوا مرشحي الاستمرارية، لكن إذا بقوا بعض الوقت، فهم بالطبع يزدادون ثقة».

قيادة المساعدات

ودفع ستولتنبرغ «الحلف» باتجاه تقديم دعم متصاعد لأوكرانيا، لا سيما بعد غزو روسيا أراضيها في فبراير (شباط) 2022. وطرح تقديم مساعدة سنوية لا تقل عن 40 مليار دولار لأوكرانيا، وحصل على التزام من الدول الحليفة في هذا الصدد. كما حصل على صلاحية أن يتولى «الحلف» القيادة الكاملة لعمليات تسليم المساعدات العسكرية الغربية.

زعماء «الناتو» خلال انعقاد قمتهم في واشنطن يوم 9 يوليو 2024 (د.ب.أ)

يبقى أنه في زمن الحرب، تكون لوحدة الصف والاستمرارية الأفضلية على كل الحسابات الأخرى؛ مما لا يشجع على أي تغيير.

وقال دبلوماسي في «حلف الأطلسي»، طالباً عدم الكشف عن اسمه: «في ظل وضع جيوسياسي بمثل هذه الصعوبة، من المهم للغاية الحفاظ على الاستمرارية وعلى التوجه ذاته في السياسة الخارجية والأمنية».

يبقى أن الجميع في أروقة مقر «الحلف» في بروكسل ينتظرون من روته أسلوباً جديداً في الإدارة يكون «جامعاً أكثر بقليل»، بعد عقد من قيادة «نرويجية» مارسها سلفه «عمودياً»، وفق ما لفت دبلوماسي آخر في «الحلف».

ومارك روته من معتادي أروقة «حلف الأطلسي» و«الاتحاد الأوروبي» بعدما قضى 14 عاماً على رأس الحكومة الهولندية.

وهذا ما يجعل الجميع يراهن عليه بصورة خاصة لتعزيز التنسيق بين «حلف الأطلسي» والتكتل الأوروبي، في وقت يؤدي فيه «الاتحاد» دوراً متصاعداً في المسائل الأمنية.

وهذا الملف معلق بسبب الخلافات بين تركيا؛ العضو في «الحلف» من غير أن تكون عضواً في «الاتحاد الأوروبي»، واليونان حول مسألة قبرص.

وفي حال عاد دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإن الدول الحليفة تعول على مهارات روته مفاوضاً من أجل الحفاظ على وحدة «الحلف».

ورفض ستولتنبرغ إسداء أي نصيحة إلى روته في العلن، مكتفياً بالقول إنه سيكون «ممتازاً». لكنه لخص بجملة ما يتوقعه الجميع من الأمين العام لـ«الحلف» بالقول: «ستكون مهمته الكبرى بالطبع إبقاء جميع الحلفاء الـ32 معاً».