رسوم تلقائية «فرعونية» في شوارع القاهرة

وثّقها فوتوغرافي في معرض يضم 17 صورة

رسومات تلقائية بالفحم والجير الأبيض
رسومات تلقائية بالفحم والجير الأبيض
TT

رسوم تلقائية «فرعونية» في شوارع القاهرة

رسومات تلقائية بالفحم والجير الأبيض
رسومات تلقائية بالفحم والجير الأبيض

خلال زيارته المتكررة للمتحف المصري بالتحرير، كان المصور الفوتوغرافي أحمد حامد، يتوقف طويلاً أمام لوحة «إوز ميدوم» الشهيرة، يتأمل تفاصيلها الدقيقة، ويحاول فك رموزها، والمعنى الخفي الذي كان يقصده الفنان المصري القديم من خلال تلك الأشكال والرسومات.
وبدون سبب معروف، أسرته اللوحة الفرعونية التي تعود لعصر الأسرة الرابعة، وتصور ثلاثة أزواج من الإوز المصري تتغذى على الحشائش، لونت بدراجات بنية وخضراء وزرقاء، بواسطة ألون طبيعية، وعُثر على هذه اللوحة بواسطة بعثة حفائر أجنبية خلال القرن التاسع عشر.
شغف حامد بلوحة «إوز ميدوم» التي اشتهرت أيضاً باسم «موناليزا الفن المصري القديم»، كان الدافع وراء الاهتمام برسومات مشابهة لإوز رسمها فنان فطري، يفضل عدم الإفصاح عن هويته، بحي مساكن زينهم الشعبي (وسط القاهرة)، وسجل حامد تفاصيلها بعدسته عبر 17 صورة، عرضت أمس بمعرض فني بقاعة «مركز تضامن» بالقاهرة.
تظهر اللوحات رسومات على الجدران باستخدام مادة الجير الأبيض مع لمسات من الأسود باستخدام مادة الفحم، مع عبارات شعبية تحمل الدعاء والتهنئة والتحلي بالصبر.
الإوز هو الثيمة الرئيسية لتلك الرسومات، بتفاصيل غير متكلفة، كما تظهر أيضاً رسومات لجمال وأغنام، وأحصنة، ووجوه لأناس بملابس شعبية، ملامحهم محايدة بين الفرح والحزن.
تشي الرسومات المتعددة على الجدران برهافة ذوق صاحبها الذي يعرف تماماً ما يفعله، ويختار الحوائط التي يرسم عليها بدقة، من حيث اللون والملمس والمساحة، فالحوائط، المحترق نصفها باللون الأسود، يرسم عليها باللون الأبيض، والحوائط البيضاء الجيرية الخشنة يرسم عليها باللون الأسود، وفي كل الحالات تثير لوحاته جواً من البهجة تضاهي بساطة المباني بمنطقة زينهم.
الصدفة وحدها هي التي قادت حامد لاكتشاف رسومات هذا الفنان الفطري، بحكم عمله الصحافي، ثم أصبح يمر منها بشكل شبه يومي لإعادة اكتشافها كمنطقة زاخرة بمفردات الثقافة الشعبية، من ضمنها رسومات الحوائط لأشكال من الإوز.
كانت لوحات «إوز زينهم»، كما يطلق عليها حامد، منتشرة على الجدران، باللون الأبيض والأسود، وبتفاصيل غاية في الدقة، قريبة الشبه بتفاصيل لوحة «إوز ميدوم» التاريخية، ما دفع حامد إلى البحث عن ذلك الفنان المجهول لثلاثة أشهر كاملة، توطدت خلالها علاقته بالحي الشعبي الذي يختلف تماماً عن حي الدقي الذي يقطن به، ونجح حامد في الوصول إلى الفنان المجهول، يقول حامد لـ«الشرق الأوسط»: «وجدته رجلاً خمسينياً بسيطاً وزاهداً، قليل الكلام ولا يهتم بحفظ أعماله الفنية»، أقنعه حامد بتصوير لوحاته، وعرضها في معرض فني، لكن الفنان اشترط عليه عدم ذكر اسمه أو تصوير وجهه.
صاحب حامد الفنان في رحلاته اليومية، وتعرف على تقنياته في الرسم، وكان حامد يسارع بتوثيق رسومات هذا الرجل بعدسته، خوفاً عليها من المحو، خصوصاً وأن الفنان يستخدم مواد رخيصة الثمن لا تثبت على السطح طويلاً.
حاول حامد مساعدة الفنان التلقائي في نشر فنه، لكن صاحب لوحات «إوز زينهم»، رفض الأمر تماماً، يقول حامد لـ«الشرق الأوسط»: «كان يرسم وقتما يحلو له، على السطح الذي يراه مناسباً، مثل الحوائط والأرصفة، حتى زجاج العربات القديمة التي تغطيها الأتربة».
أظهر الفنان التلقائي والفطري ثقافة واسعة، وعمقاً فلسفياً، خلال حديثه مع حامد، فيما كان يشعر حامد دائماً بأن ثمة سراً ما يخفيه هذا الرجل الذي يبدو، كما لو أنه تعرض في حياته لنوع من المأساة جعلته زاهداً لا يهتم بغده، ويكتفي بالوحدة ورسم الإوز على الجدران، دون تفسير لكل ما يفعل.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».