هناك سخف متكرر في فيلم غاي ريتشي الجديد (يا ليته يكون الأخير) «السادة» The Gentlemen وقدر كبير من المشاهد التي تحمل بيدها مطرقة لكي تهوي بها فوق رؤوس المشاهدين. من حسن الحظ أن الفيلم لم يحقق النجاح الذي يشق الغبار وإلا لكان عدد الرؤوس التي أصيبت بتلك المطرقة كبير.
الممثل ماثيو ماكونوهي يؤدي فيه دور إمبراطور مخدرات ينتج وزوجته (ميشيل دوكري) شيئاً اسمه «وايت ويدو سوبر تشيز» (White Widow Super Cheese). ليس الجبنة التي ترشها فوق طبق السباغيتي بل نوع من المخدرات المشتقة من الماريوانا التي جعلت ميكي (ماكونوهي) يملك ثروة تربو عن 400 مليون دولار.
ميكي أميركي وموقعه بريطانيا. وصلها فقيراً وتسكع في أزقتها يبيع بنفسه المخدرات ثم ارتقى ليصبح ما هو عليه الآن مستخدماً مزارع ماريوانا في مخابئ سرية. لا بد أن البوليس كان نائماً طول هذه السنين لأن ميكي حقق أمانيه بالثراء الكبير وما زال يعمل بكل حرية وبشكل مضاعف.
لكن سيناريو غاي ريتشي سيطلب من ميكي الرغبة في التوقف عن العمل وبيع مؤسسته لمن يدفع أكثر. هذا يتسبب في تدافع الراغبين في شراء مؤسسته أو القتل في سبيل الحصول عليها. خدع وجرائم وعنف وكليشيهات متوارثة.
لكن وسط هذه الأشواك هناك ماثيو ماكونوهي الذي يعرف ما يريد من الدور وكيف يعالجه على نحو يُثير الإعجاب ويري الشاشة بالحركة والإيماءة سواء بسواء.
وُلد ماكونوهي في ولاية تكساس قبل خمسين سنة. والده كان يعمل في حقل النفط لكنه آثر رش حبوب الطعام في مزارع الدجاج في أستراليا قبل أن يعود إلى أميركا باحثاً عن اتجاه جديد في الحياة. حين لم يجد ما يبحث عنه عمل في حانة حيث تعرف هناك على رجل عرّفه بالمخرج رتشارد لينكلتر وهذا استعان به في فيلم «دائخ وحائر» (Dazed and Confused). السيناريو نص على ثلاثة مشاهد لكن المخرج وجد نفسه أمام موهبة واضحة فأضاف إلى دوره المزيد من المشاهد ووضعه على درجة أولى في سلم العمل كممثل.
هذه الخطوات كانت سريعة وبحلول مطلع هذا القرن كان ظهر في أفلام مع رينيه زيلويغر وكيفن سبيسي وساندرا بولوك وجودي فوستر وتحت إدارة ستيفن سبيلبرغ في «أميستاد» وويليام فريدكن في «مملكة النار» و«جو القاتل» وجف نيكولز في Mud (لاعباً شخصية اسمها مَد في فيلم شوهد في مهرجان «كان»). لكن الأدوار الأكثر تأثيراً وردت بعد 2014 ومنها «بين النجوم» لكريستوفر نولان و«ذئب وول ستريت» لمارتن سكورسيزي و«صفاء» لستيفن نايت.
سيلي «السادة» فيلم أنيميشن بمثابة الجزء الثاني من Sing الذي عرض قبل أربع سنوات. بعده يدخل تصوير «خل البليونير» (The Billionair’s Vinegar) الذي يصفه الممثل هنا قائلاً بأنه «يتوق إليه وينتظر تنفيذه».
وفيما يلي نص الحوار:
-- خبرة 27 سنة
> عرفت قبل قليل أنك تدرس السيناريو في جامعة تكساس. أخبرنا قليلاً عن ذلك؟
- نعم. تتحدث عن كوني «بروفوسيراً» في جامعة تكساس. عندي صف منذ ست سنوات أدرس فيه عن السيناريو من الكتابة إلى الشاشة (Script to Screen) ويدور حول الرحلة التي يقوم بها الفيلم من مرحلة الكتابة إلى أن يصبح جاهزاً للعرض كفيلم.
> بما أنك لا تكتب سيناريوهات أفلامك فإنه من المهم معرفة السبب الذي من أجله أقدمت على هذا العمل.
- صحيح. لم أكتب سيناريوهات أي فيلم مثلته لكني أملك خبرة قوامها 27 سنة في العمل مدتني بالثقة والقدرة.
> كيف تقرأ السيناريوهات المعروضة عليك إذاً؟
- عندما أتسلم سيناريو فيلم ما أجد نفسي أقرأه كمادة أدبية وليس فقط كمشروع. خلال السنوات العشر الأخيرة وجدت أن العديد من المسائل التي تواجه المخرج وتواجه الممثل تكمن في الكتابة ذاتها. تعرف أن السيناريو هو دليل كل المشتركين في الفيلم للاستيحاء منه لكن ما يجذبني لقراءته هو أولاً وقبل أي سبب آخر ما يعبّر عنه من خيال الكاتب وكيف قام بتطويعه ليصبح عملاً قابلاً للترجمة إلى صور.
> من هذا المنطلق كيف وجدت سيناريو «ذا جنتلمن»؟
- في الحقيقة الفيلم مختلف تماماً عن السيناريو الأصلي الذي قرأناه كممثلين. في اعتقادي أن السيناريوهات اليوم تُكتب على نحو مختلف عما كانت تُكتب فيه حتى قبل عشر سنوات. هناك اختلافات كبيرة تتعلق بكل عناصر العمل لدرجة تتيح للمخرج إنجاز فيلم آخر غير الذي صوّره عندما يدخل الفيلم التوليف.
> نعلم أن الكثير من التغيير يطرأ على الفيلم حال يقرر المخرج البدء بتصويره… ليس كل السيناريوهات تتعرض للتغيير لكن جزءاً منها.
- جزء كبير منها. السيناريو بات أكثر انتباهاً للميزانية التي يتطلبها لكن مع ذلك قد يتدخل المخرج لقطع مشاهد أو إضافة أخرى تبعاً للميزانية. بالتالي الكثير من المشاهد التي تم تصويرها في فيلم ما واعتبرت أساسية قد لا تصل إلى غرفة التوليف. لا تدخل عملية المونتاج وعندما لا تدخل عملية المونتاج لا تظهر على الشاشة.
> ما تعريفك لكلمة «جنتلمن»؟ من هو الـ«جنتلمن»؟
- أوه… عندي تعريفات كثيرة لمن يحق له مثل هذا التعبير. لكن في نهاية المطاف أعتقد أن صاحب الكلمة ومن يستحق أن يحملها هو الشخص الذي لا يحاول احتلال فضاء الإنسان الآخر. هو أيضاً الشخص الذي لا يستغيب سواه. كيف يكون «جنتلمان» وهو ينتظر فرصة الاختلاء بالآخر ليتحدث عن شخص ثالث.
> الفيلم هو شيء آخر… الكلمة مستخدمة كتعريف عام. هل توافق؟
- يقصد العنوان بالفعل وصف الرجال المشتركين في عملية خداع وهيمنة تؤدي إلى جرائم فردية واجتماعية إذا أردت توسيع الإطار بعض الشيء. في العنوان بحد ذاته سخرية بحد ذاتها.
> إنه عن رجال أقوياء وقساة بالتالي لا يمكن لهم أن يكونوا «جنتلمن». لكن هل واجهت مثل هؤلاء في مجال عملك؟
- بالنسبة للفيلم هم زمرة من الرجال الذين بنوا حياتهم داخل شرنقة كبيرة لا تعترف بالقوانين التي نتمثل لها في حياتنا العادية. معظم الناس متحضرين ويمارسون حياتهم ضمن الشيفرات الأخلاقية والاجتماعية والقانونية لكن هؤلاء ليسوا كذلك، لهذا السبب قلت إن العنوان ساخر.
-- حرب بين الجنسين
> لكن ضمن هذا الوصف يوفر الفيلم شخصيات متكلّفة بعض الشيء.
- في بعض النواحي هي كذلك لكنه تكلّف ناتج عن رسم كاريكاتيري لتلك الشخصيات. لا تنس أنهم رجال عصابات وهم يتصرّفون على هذا النحو في الوقت الذي يتظاهرون فيه بانتمائهم إلى الحضارة. هذا دورهم في الحياة. هؤلاء موجودون بيننا الآن في الواقع. أفضل رجال العصابات من الطبقة المتسيدة هم في صلب حياتنا وليسوا بعيداً عن هذا الصلب. ألم تخرج بهذا الانطباع؟
> ليس تماماً، في الواقع. وجدت الفيلم خليطاً من الرغبة في الكوميديا ورغبة في تجسيد ما يطلبه الفيلم القائم على الحركة لنفسه وقليل من سينما الألغاز، لكنه خليط متعب، خصوصاً وأنه لا ينجز أهدافاً عالية في أي من هذه الغايات. ما زال مثيراً للمتابعة خصوصاً على صعيد التمثيل.
- أفهم ما تقوله وربما معك حق في هذه التفاصيل، لكن ما يعجبني في الفيلم هو الرغبة في تشريح وتحليل هذه الفئة من الناس. أجد ذلك فعلاً رائعاً. إعجابك بالتمثيل كذلك راجع إلى حسن توزيع الأدوار وجلب (المخرج غاي) ريتشي مجموعة ممثلين جيدين لكافة الشخصيات التي تدور حول الشخصيتين الرئيسيتين (شخصيته وشخصية الممثلة التي تقوم بدور زوجته ميشيل دوكري) وتناورهما.
> العلاقة بين شخصيتك وبين الشخصية التي تؤديها ميشيل تقوم على تحدٍ تبدو هي فيها أقوى من شخصيتك أنت. كيف ترى ذلك؟
- صحيح. أعتقد كل أفلام غاي ريتشي، خصوصاً التي تتحدث عن عصابات تتناحر فيها على هذا النحو الذي نشاهده في هذا الفيلم هي في الحقيقة أفلام عمن يستطيع أن يهيمن على الآخر. صراع قوى. والجديد في هذا الفيلم بالمقارنة مع أفلامه السابقة أنه منح المرأة حقها في أن تهيمن على زوجها.
> ... وزوجها على الآخرين...
- (يضحك) تماماً.
> هي حرب خفية بين الرجل والمرأة.
- خفية وظاهرة. لو كانت خفية فقط لنتج فيلم آخر من النوع الأوروبي. ربما من نوع أفلام (إنغمار) برغمن، لكنها حرب واضحة كتلك التي تقع بين الجنسين منذ أمد بعيد.
> ما رأيك بالموجة النسائية التي تعيشها هوليوود؟
- في السينما أو في شؤون الحياة؟
> في الاثنين معاً؟
- لا تحتاج إلى رأي لأنها واجبة. مسؤولية الرجال والنساء هي التأكد أن كل جنس منهما يحترم الآخر ويساويه. لكن طبعاً هناك مجالات عمل لا تستطيع المرأة القيام بها، مثل أعمال الحفريات وأعمال البناء وأعمال المناجم.
> ما الشيء الذي تقوم به المرأة ولا تجيده أنت؟
- الطبخ (يضحك).
> في السينما؟ هناك أفلام كثيرة عن المرأة التي تقاتل كالرجال. نعرف أن معظم هذه الأفلام تتحدث عن بطلات من الخيال... تماماً كالأبطال الرجال. كيف ترى ذلك؟
- أحب كل فيلم جيد وأشاهد الكثير منها. أحياناً وبخصوص هذا الموضوع تحديداً، ما تنجح الأفلام التي تتركّز على البطولة النسائية، وأعتقد أنك تتحدث عن أفلام الأكشن، في توفير نشاط جديد وحيوية في جسد نوع من الأفلام قاده الرجل وتخصص به أكثر من سواه. هناك الحالات التي لا تنجح فيها هذه الأفلام ولا نرى من المرأة سوى الأفعال المناسبة لهذا النوع. هذا لأن الشخصية مكتوبة فقط لتنفيذها على هذا النحو.
> هل يعبّر «ذا جنتلمن» عن حاجة دفينة داخلك؟
- تقصد أن أكون رجل عصابات (يضحك). في الحقيقة استمتعت بقراءة الفيلم كثيراً. وأردت عندما قرأت السيناريو أن أكون جزءاً من هذا العالم. طالما أنني لا أعيشه في الحياة، لم لا أعيشه في السينما.
> كيف وجدت غاي ريتشي مخرجاً؟
- المتعة الثانية هي مشاهدة غاي وهو يخرج وكيف يعمل. سأقول لك كيف يعمل: تصل صباح يوم التصوير وتجلس معه على الطاولة التي يعمل عليها. هو وصل قبلك وبدأ بإعادة الكتابة لكن عندما تصل أنت يقترح عليك أن تؤدي مشاهد اليوم أمامه بحوار مختلف. عندما تفعل ذلك يهب واقفاً ويمضي بعيداً (ضحك) ثم يعود ويقول شيئاً مثل «ما كتبته سابقاً هراء. سأستخدم ما ذكرته أنت».
> لديك فيلم مقبل اسمه «خل البليونير»… متى يبدأ تصويره؟
- ما زال في الكتابة. هو دراما بوليسية حول رجل كان يخلط الخمر بالخل ويبيعه بنجاح. التصوير ينتظر الانتهاء من الكتابة وما أستطيع أن أقوله عن هذا الفيلم هو إنه مشروع آخر أتوق لتنفيذه في أقرب فرصة.
ماثيو ماكونوهي «الأخير» يقارع الأشرار وتقارعه زوجته
يتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن الحب والحرب بين الجنسين ودوره كأستاذ سيناريو
ماثيو ماكونوهي «الأخير» يقارع الأشرار وتقارعه زوجته
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة