توثيق تاريخ حي الزمالك بالقاهرة وطرزه المعمارية النادرة

كتيب جديد يسرد بداية نشأته وطبيعة سكانه

يضم حي الزمالك عدداً كبيراً من القصور الفريدة
يضم حي الزمالك عدداً كبيراً من القصور الفريدة
TT

توثيق تاريخ حي الزمالك بالقاهرة وطرزه المعمارية النادرة

يضم حي الزمالك عدداً كبيراً من القصور الفريدة
يضم حي الزمالك عدداً كبيراً من القصور الفريدة

محاولات توثيق ثروة مصر العقارية من قصور أثرية وبنايات تاريخية ذات طابع معماري مميز لا يمكن فصلها عن الحقب التاريخية التي أنشئت خلالها، والأحداث السياسية والاجتماعية التي عايشتها، والشخصيات ذات التأثير السياسي والاجتماعي والثقافي والفني التي عاشت بها، وهو ما دفع الجهاز القومي للتنسيق الحضاري التابع لوزارة الثقافة المصرية أخيراً إلى إطلاق مشروع لتوثيق البنايات ذات الطراز المعماري المميز في الأحياء المصرية عبر مجموعة من الكُتيبات المطبوعة، كان أول تلك الإصدارات كتيب عن حي الزمالك الراقي وسط القاهرة.
تسعى سلسلة توثيق فنون العمارة في الأحياء المصرية إلى تسليط الضوء على تميز البنايات ذات الطراز المعماري المميز، من خلال كتيب لكل حي من الأحياء التاريخية يربط نشأته ونسيجه الاجتماعي مع تنوع فنون عمارته، ويعتزم الجهاز القومي للتنسيق الحضاري إصدار كتيبات السلسلة تباعاً خلال الفترة المقبلة، ومن بين الأحياء التي تم تخصيص كتيب لكل منها، القاهرة الخديوية، وجاردن سيتي (وسط القاهرة) ومصر الجديدة (شرق القاهرة)، بالإضافة إلى مدينتي الإسكندرية وبور فؤاد، وعدد من المدن القديمة بالمحافظات الأخرى.
ويهدف المشروع الجديد إلى توثيق وتسليط الضوء على البنايات التاريخية وعمارتها المميزة لنشر الوعي بين المواطنين بضرورة الحفاظ عليها، وكذلك تسليط الضوء على هذه الأحياء وتاريخها ونشأتها، وفق المهندس محمد أبو سعدة رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، والذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «انتهينا من إعداد الكتيب الخاص بحي الزمالك، والذي يعد الأول في السلسلة».
ويبرز الكتيب الطرز المعمارية المتنوعة في قصور وبنايات حي الزمالك من خلال معلومات فنية وتاريخية عن كل بناية ونوع عمارتها وزخارفها وتاريخ إنشائها، ويعد قصر الجزيرة الذي بناه الخديو إسماعيل أقدم البنايات التاريخية التي ما زالت باقية في الحي الراقي، ويعود تاريخ إنشاء القصر الذي أصبح الآن ضمن بنايات فندق الماريوت إلى عام 1869 ميلادية، حيث كان إنشاء قصر الجزيرة بداية مرحلة العمارة بالحي وتحوله من مجرد جزيرة وسط نهر النيل إلى حي اشتهر طوال تاريخه بأنه حي الأثرياء والمشاهير، وأصبح يضم عدداً كبيراً من القصور التاريخية والفيلات والبنايات ذات الطرز المعمارية المميزة.
ويركز الكتيب على ثلاثة محاور رئيسية لفهم تاريخ الحي هي التطور العمراني الذي يستعرض خلاله تاريخ نشأة الحي من رحم جزيرة وسط نهر النيل كانت قبل القرن التاسع عشر عبارة عن مجموعة من الأكواخ يستخدمها الصيادون، بهدف رصد مراحل وملامح التطور العمراني، ثم التعرض لفنون العمارة وتطورها وتنوعها عبر حقبات تاريخية مختلفة، ويتعرض المحور الثالث للتاريخ الاجتماعي للحي من خلال الربط بين الأحداث السياسية والتحولات الاجتماعية التي عايشها وبين الشخصيات ذات التأثير والنفوذ في مجالات متنوعة سواء السياسية والاجتماعية أو الثقافية والفنية، باعتبارهم ضمن النسيج الاجتماعي للحي.
ويتضمن الكتيب معلومات مفصلة عن كل قصر وبناية ذات طابع معماري مميز في حي الزمالك، مستعيناً بالمراجع العلمية التاريخية ومنها كتب لمؤلفين أجانب، ويرصد تنوع فنون العمارة بالحي عبر عصور مختلفة، والتي بدأت بالطرز الأوروبية الشهيرة ثم تطورت إلى دمج أشكال فنون معمارية مختلفة منذ بداية عام 1920 ميلادية لتغلب عليها لمسة إسلامية قومية وزخارف فرعونية هدفت إلى تمصيرها، كما يتضمن الكتيب صوراً فوتوغرافية لأهم البنايات التاريخية ووثائق وخرائط تؤرخ لنشأة الحي، بحسب الدكتور محمد حسام إسماعيل أستاذ الآثار المشرف على الفريق العلمي لإعداد الكتيب.
ويجتذب حي الزمالك حتى الآن طبقة الأغنياء والمشاهير، ويوجد به العديد من مقار السفارات والبعثات الأجنبية، كما سكنه العديد من الفنانين المصريين المعروفين، من بينهم فاتن حمامة، وإسماعيل ياسين والمخرج يوسف شاهين والموسيقار محمد عبد الوهاب.
ووفق إسماعيل فإن «التعرض للنسيج الاجتماعي للحي وأشهر سكانه التاريخيين تضمن قصصاً عدة تؤرخ لأحداث تاريخية كان الحي وسكانه شاهدين عليها حيث فيه العديد من الشخصيات الشهيرة من جنسيات مختلفة، بينهم مفكرون أجانب ومصريون، كما سكنه ضباط بريطانيون أثناء سنوات احتلال بريطانيا لمصر، حيث اتخذ قائم القوات البريطانية أحد القصور بالزمالك مقراً له حتى عام 1936 ميلادية، وهو القصر الذي أصبح الآن نادياً اجتماعياً للقوات المسلحة المصرية».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».